دولي
أزمة فساد "أونروا": هدية مجانية لأميركا وإسرائيل
محاولات لتوظيف التسريبات في اتجاه التشكيك في مصداقية وجدوى وجودها
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 25 أوت 2019
من المتوقع أن يتسلّم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، خلال الأيام المقبلة، رسمياً، نتائج تحقيق مكتب خدمات الرقابة الداخلية في الأمم المتحدة بما يتعلّق بمزاعم سوء الإدارة واستغلال السلطة الموجهة لقيادات في وكالة "غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا)، وسط تربّص أميركي -إسرائيلي لمحاولة استغلال هذه الأزمة، والنيل من الوكالة التي دأب الطرفان على القيام بكل ما في وسعهما بهدف تصفيتها.
كانت تسريبات إعلامية كشفت عن تقرير لمكتب الأخلاقيات في الأمم المتحدة رفع لغوتيريس في شهر ديسمبر/ الماضي، تحدّث عن اتهامات بانتهاكات خطيرة داخل الوكالة. إلا أنّ مكتب خدمات الرقابة الداخلية يجري تحقيقاً على الأرض في هذه الانتهاكات المزعومة، والتي تشمل اتهامات لمسؤولين وموظفين كبار، بمن فيهم المفوض العام للوكالة بيير كرينبول، بالتورط في علاقات عاطفية ومحاباة وتمييز وقمع معارضي رأي لأهداف شخصية، وسواها من ممارسات استغلال السلطة لمنافع شخصية. وكان قد استقال أو خرج عدد من الموظفين من "أونروا" قبل أن تظهر تلك التسريبات الإعلامية. وبداية الشهر الحالي، عيّن الأمين العام للأمم المتحدة البريطاني كريستيان ساندرز نائباً لكرينبول بدلاً من الأميركية ساندرا ميتشيل التي استقالت من منصبها.
من جهته، نفى كرينبول الاتهامات الموجهة إليه، وقال في بيان له في وقت سابق: "لن نتردد باتخاذ أي إجراءات في حال توصّل التحقيق الجاري لنتائج تتطلّب أن نأخذ تدابير تصحيحية أو أي إجراءات إدارية". وإن صحت تلك الاتهامات أو أغلبها، فإنها لن تكون الأولى أو الأخيرة بحق موظفين تابعين للأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة. فمنظمات هذه المؤسسة العملاقة تقدّم خدمات إنسانية ضرورية تنقذ حياة عشرات الملايين من البشر هم بحاجة ماسة إليها، لكن في الوقت ذاته تنخرها البيروقراطية التي لا تساعد بالضرورة على التصدي لأي خروقات بالسرعة اللازمة.
وتطغى هذه الأخبار السلبية والانتهاكات، التي يقترفها أفراد، على سنوات من العمل الذي يقوم به آلاف الموظفين الآخرين في منظمات الأمم المتحدة، في وقت تستغل دول مختلفة وجهات لا تروق لها سياسات الأمم المتحدة، في هذه القضية أو تلك، للاصطياد بالمياه العكرة، والطعن بمصداقية المؤسسة الدولية ككل أو منظمة بعينها، كما حدث مع "أونروا" أخيراً.
ومهما كانت نتيجة التحقيق، فإنّ ضجة العيار الذي أطلق، حتى وإن لم يصب، أصبحت واضحة من خلال محاولات مسؤولين إسرائيليين وأميركيين لتوظيف تلك التسريبات في اتجاه التشكيك مجدداً في مصداقية وجدوى وجود "أونروا"، ولتبرير قطعهم الدعم عنها، كما حدث من قبل الجانب الأميركي.
وتقدّم "أونروا" الخدمات لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني داخل فلسطين المحتلة وخارجها في الأردن وسورية ولبنان. وتمكّنت الوكالة تحت رئاسة كرينبول خلال الأشهر الثمانية عشر الأخيرة، منذ وقف الدعم الأميركي، من تأمين أغلب المبالغ لسدّ عجزها المالي الناجم عن هذا التوقف الذي وصل إلى أكثر من ثلاثمائة مليون دولار سنوياً.
وتعليقاً على القضية، قال مصدر رفيع المستوى في الأمم المتحدة، في حديث مع "العربي الجديد": "ستكون لهذه القضية تداعيات سلبية على المدى القصير وسيستمر الأميركيون والإسرائيليون وحلفاؤهم بالطعن في مصداقية المنظمة. ولكن على المدى البعيد، سوف تتمكّن الوكالة من التعافي. في نهاية المطاف، القرار حول استمرار عمل أونروا منوط بالجمعية العامة للأمم المتحدة وتجديدها لمهمتها، والتصويت داخل هذه الجمعية موزّع بصوت لكل دولة"، وتابع المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه: "تدرك العديد من الدول، بما فيها الغربية والأوروبية، الدور الحيوي الذي تلعبه هذه المنظمة للحيلولة دون تفاقم الوضع بشكل أكبر، والذي له تبعات ليس على القضية الفلسطينية فحسب، بل في الدول المضيفة". ولفت إلى أنّ "ما يثير الغضب أن المسؤولين في الأمم المتحدة عموماً يدركون أن جميع الأضواء مسلطة عليهم، وعلى كل خطوة يقومون بها، فما بالك إذا كنا نتحدث عن وكالة متعلقة باللاجئين الفلسطينيين. إذ تفوق أهمية أونروا ما تقدمه من خدمات يومية كالتعليم والصحة والتوظيف للاجئين الفلسطينيين، فهي تبقي قضيتهم حية، ولهذا ترغب إسرائيل والولايات المتحدة بتصفيتها بأي شكل من الأشكال".
وتحاول الولايات المتحدة وإسرائيل الطعن في مصداقية "أونروا" وعملها في أي مناسبة، بل إنّ السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، ذهب في مقال رأي نشره في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في شهر يونيو/ حزيران الماضي، إلى الدعوة لاستسلام الشعب الفلسطيني وتفكيك الوكالة.
ويرى المنتقدون وبعض الداعمين للقضية الفلسطينية، أنّ إنشاء "أونروا" جاء لامتصاص الغضب الذي نجم عن طرد أكثر من 750 ألف فلسطيني من ديارهم عام 1948، من قبل المنظمات الصهيونية وإسرائيل، ومنعهم من العودة. ومن المثير أنه وعلى عكس الوكالات الأممية الأخرى، كالمفوضية العليا للاجئين التي تعتمد على ميزانية المحاصصة الإجبارية، فإنّ "أونروا" تعتمد على التبرعات من الدول الأعضاء، ما يجعلها عرضة للضغوطات، ويصعّب على المسؤولين وضع خطط لمشاريع طويلة الأمد.