دولي
هل ضم الضفة بدأ منذ أوسلو؟
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 14 أوت 2019
من أكثر التساؤلات شيوعاً في الآونة الأخيرة، كيف سيكون شكل ضم الضفة الغربية وفق الرؤية الإسرائيلية، حيث إنّ التساؤل: هل ستضم "إسرائيل" الضفة؟، لم يعد يُطرح، من منطلق القناعة العامة الفلسطينية، وللأسف الشديد الإقليمية والعالمية، أنّ قضية الضم آتية، وأنّها إن لم تكن ضمن سياق معلن عنه إلى الآن، فهي عملياً على الأرض قائمة.
أثناء كتابة هذه السطور، يقفز إلى ذهني مباشرةً، ما كتبه اللواء في جيش الاحتياط، جرشون هكوهين، صاحب الفكر اليميني، والذي شكر إسحاق رابين، رئيس وزراء دولة الاحتلال الذي وقع اتفاق أوسلو، منبع الشكر كان، من الحكمة والدهاء الكبيرين، اللذين أبداهما رابين أثناء توقيع الاتفاق، من خلال استثناء 60% من الضفة الغربية وتصنيفها كمناطق "ج"، هذه المناطق شكلت وفق هكوهين البعد الجغرافي المهم، والأمني الأهم للتوسع الإسرائيلي وضمان حل الأزمات الأمنية، الأيدولوجية وكذلك السكانية.
بعيداً عن المديح اليمني لحمامة السلام، الذي وفق هكوهين أوقع الفلسطينيين في فخٍ كبير، فإنّ تتبع مسيرة الاستيطان في الضفة الغربية، من الممكن أن تُعطيك مؤشراً حيال ذلك. حيث لا يُمكن حصر مسيرة الاستيطان وتقدمه باليمين أو ما يُسمى اليسار الإسرائيلي، على العكس تماماً المسيرة توضح أنّ عملية الاستيطان كانت مُمنهجة بطريقة مرسومة بعيداً عن الجالس على كرسي الحُكم، حيث إنّ فترة زعيم حزب العمل باراك أثناء رئاسته للوزراء، لم تختلف كثيراً من حيث عدد الوحدات الاستيطانية عن زعيم الليكود نتنياهو.
حيث إنّ الحكومات الصهيونية المُتعاقبة، كانت تستغل بشكل كبير المفاوضات للمزيد من الاستيطان، فغطاء المفاوضات والصور المنمقة، والرعاية الخارجية للجلسات، كانت تُغطي على أي مشهد آخر، الأمر الذي أعطى باراك على سبيل المثال، وأثناء مفاوضاته عام 2000 مع الفلسطينيين للانسحاب، فرصة إقرار المزيد من الاستيطان. ليتفاخر لاحقاً أنّ عهده شهد استيطاناً أربعة أضعاف العهد الذي جاء بعده!.
استثناء 60% من مناطق الضفة الغربية في اتفاق أوسلو لم يكن عبثاً، بل كانت هي مساحة التوسع الإسرائيلية، التي تعتبرها "إسرائيل" المتنفس الأهم الآن لها للتوسع العمراني والسكاني، هذا إلى جانب القناعات الأخرى، فهي من ناحية اليمين الأيدولوجي تُعتبر ذات بُعد أمني مهم، وبالنسبة لليمين الصهيوني فهي التاريخ اليهودي الذي وفقهم تمركز في جبال الضفة. بمعنى أنّ لكل تيار صهيوني حسابات مختلفة حول الضفة، لكن في النهاية كُلّها تؤمن بضرورة استمرار السيطرة على أجزاء منها على الأقل، وهناك من يرى ضرورة ضمها بالكامل.
مسيرة الاستيطان في الضفة الغربية، تؤكد أمراً واحداً من الصعب تفنيده، أنّ عملية السلام لم تكن سوى مرحلة ووسيلة، أرادت "إسرائيل" من خلالها ابتلاع الضفة من خلال تهدئة الأوضاع فيها بلعبة أُطلق عليها عملية السلام، التي لم تُساهم للحظة واحدة بتجميد الاستيطان، بل تضاعف عدد المستوطنين فيها منذ توقيع أوسلو 5 مرات ، بمعنى أنّ الانتفاضة التي حرمت "إسرائيل" فرصة زيادة أعداد مستوطنيها، دُفنت بعملية سلام أقرت "إسرائيل" فيها بجزء من حق الفلسطيني وتنكرت له في اليوم التالي.
ختاماً مثل أوسلو الطريق الأكثر هدوءً للاحتلال من أجل تنفيذ مخططه، فالضفة الغربية التي اعتبرها موشيه ديان بعد احتلالها عام 1967، المنطقة الجغرافية الأهم للأمن الإسرائيلي، تحولت فيما بعد لبعد ديني أيديولوجي، واليوم باتت ذات بعد توسعي مهم للتخفيف عن ضغط الساحل الفلسطيني المحتل. اليوم بدأت "إسرائيل" تُعلن رسمياً ما اخفته في تسعينيات القرن الماضي، ضم الضفة أو أجزاء منها بات قريباً، وما صفقة القرن التي تُقر ل"إسرائيل" بذلك، سوى قطف للثمرة التي تم زرعها عند توقيع أوسلو.
تمثّل آخر فصول التنسيق الأمني بظاهرة جديدة تتمثل باعتقال (إسرائيل) من تفرج عنهم السلطة، وشملت: ياسر مناع، مروان استيتية، آلاء بشير، محمود خاروف، معاوية حنيني.
مشكلة سياسة الباب الدوار أن السلطة و(إسرائيل) تعتقلان الفلسطينيين على ملفات واحدة، ما يعني أن هناك تنسيقا أمنيا بينهما قد يندرج تحته هذا النوع من تبادل الأدوار في اعتقال الفلسطينيين، فالاحتلال لم يعد يكتفي باعتقال السلطة النشطاءَ، وفي بعض الأحيان لم يثق بأنها قدمت المعلومات اللازمة، فتعتقل الفلسطيني مرة أخرى بغرض التحقيق.
ظاهرة الباب الدوار تعني أن الحرب التي تشنها (إسرائيل) والسلطة لم تقتصر على تقاسم جسد المقاومة وكوادرها، بل تعدته إلى تناوب مكشوف على اعتقالهم، فلا يلبث أحدهم أن يخرج من سجون السلطة حتى يبادر الاحتلال لاعتقاله.
القوائم مليئة بأسماء معتقلي حماس الذين تناوبت عليهم اختطافات الاحتلال والأمن الفلسطيني، بما يثبت بوضوح حقيقة الدور الذي تلعبه الأجهزة الأمنية في خدمة الاحتلال الإسرائيلي، وتكامل الأدوار بينهما في حربهم ضد عدوهم المشترك، المتمثل بحماس وفصائل المقاومة.
لا تعد سياسة الباب الدوار حديثة العهد بين السلطة و(إسرائيل)، بل تعود لسنوات طويلة ماضية، لكنها تعاود الظهور بين حين وآخر، بهدف تغييب الكوادر السياسية لقوى المقاومة بالضفة، ما يمثل مأساة مركبة للفلسطينيين هناك، خاصة أن تبادل الأدوار بين الجانبين لم يعد يخفى عليهم.
إن سياسة الباب الدوار التي يمارسها الأمن الفلسطيني مع نظيره الإسرائيلي مستهجنة ومستنكرة، لأنها تتم في وقت يعلن فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس تعليق الاتفاقات مع الاحتلال، ما يعني أن السلطة تضلل الشعب الفلسطيني، لأن التنسيق الأمني مع الاحتلال خنجر مسموم في خاصرة الشعب.
إن ما يمارَس في الضفة من ملاحقة واعتقال لأبناء حماس، وجمع المعلومات عنهم، من قوات الاحتلال والأجهزة الأمنية معاً، يعيد للأذهان مرحلة التنسيق الأمني المكشوف بينهما، حين كانت أجهزة السلطة تعتقلهم، وتخضعهم للتحقيق، ثم بعد ذلك تعتقلهم قوات الاحتلال، ليجد المعتقلون أن المعلومات التي قدموها لـ"أبناء شعبهم" في الأجهزة الأمنية موجودة لدى محققي جهاز "الشاباك" كما هي.
يتساءل الفلسطينيون: إلى متى يبقى شباب الضفة الغربية يدفعون الثمن مرتين؛ اعتقال عند السلطة، ثم عند الاحتلال، واعتقال عند الاحتلال، ثم عند السلطة؟!
عماد أبو عوّاد