دولي

حل مجلس القضاء تقويض لأركان النظام

القلم الفلسطيني

أقدم رئيس السلطة محمود عباس على حل مجلس القضاء الأعلى في رام الله، إضافة إلى إدخال تعديلات في قانون السلطة القضائية، وشكل مجلسًا انتقاليًّا يكلف بمهام منها العمل على إعادة تشكيل هيئات المحاكم في كافة الدرجات، وترتيب أوضاع القضاة، وإعداد مشاريع القوانين اللازمة لإصلاح القضاء، وتعزيز فرص العدالة وتقصير أمد التقاضي، ومن ثم إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى، ويكون عمل المجلس لمدة عام.

هذا يدفعنا للتساؤل حول الخطوة وأهدافها ودوافع الرئيس من وراء هذه القرارات؟! وهل الفساد فقط في منظومة القضاء؟! وهل هذا المرفق وحده من يحتاج إلى إصلاح؟!

بالعكس، فإن مرفق القضاء قد يكون أقل من غيره إذا ما قورن بفساد المرافق الأخرى داخل السلطة، وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة، كما أن حل مجلس القضاء الأعلى في رام الله يعد تقويضا مباشرا لأركان النظام السياسي الفلسطيني، الذي يعاني بالأساس من تغول السلطة التنفيذية والتي يمثلها رئيس السلطة محمود عباس، وتأتي كخطوة ثانية بعد حل المجلس التشريعي الفلسطيني، وعليه فإن الفاعلية والتأثير الآن لسلطة واحدة هي السلطة التنفيذية.

الخطوة تأتي استمرارًا لنهج وحكم الفرد الواحد، وانعكاسا واضحا لحالة التفرد والإقصاء التي يمارسها الرئيس، كما أنها تظهر مخاوف واضحة لديه من عدم قدرته على بسط سيطرته في الحكم، وتبدي خشية واضحة من أي مناكفات قد تنازعه في ظل حالة الترهل والضعف التي أصابت سلطته، في ظل تراجع مكانته شعبيا وانسداد الأفق في التوصل لأى حل سياسي قريب.

وأعتقد أن هناك اعتبارات مختلفة لهذا القرار، ومنها رغبة الرئيس عباس في اتخاذ قرارات قريبة يريد تمريرها في ظل غياب مجلس القضاء الأعلى كما استغل سابقا حل المجلس التشريعي ليمرر قرارات تخدم توجهاته السياسية في الساحة السياسية المحلية أو الدولية.

القرار له محاذير خطيرة، وأعتقد أنه لن يرتب أي إصلاحات تنعكس بالإيجاب على منظومة العدالة في فلسطين في ظل الانقسام القانوني والقضائي في فلسطين، فهناك مجلسا قضاء وهناك نائب عام في الضفة وهناك نائب عام في غزة.

كان الأوْلى بعباس إن كان جادًّا في إصلاح المؤسسات الفلسطينية، أن يباشر معالجة آثار الانقسام، ويعمل على إعادة اللحمة والوحدة الوطنية، وبعد ذلك يذهب لانتخابات عامة وشاملة من شأنها أن تؤدي لإصلاح الحالة السياسية والقانونية والوطنية الفلسطينية..

لأن اتخاذ خطوة من هذا القبيل في ظل المخاطر السياسية التي تتعرض لها القضية ومنها ما يسمى صفقة القرن لا يعكس أي حكمة أو عقلانية من الرئيس، فنحن بحاجة لتجنب أي احتقان أو توتر أو مسببات لصراعات إضافية في ظل ظرف غاية في الحساسية.

فالقرارات تنتهك بشكل واضح القانون الأساسي الفلسطيني، وتخالف مواده وخصوصا المادة (97) حول استقلال القضاء، وكذلك المادة (98) من ذات القانون، والتي أكدت أنه لا سلطان عليهم، ولا يجوز لأى سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة.

إضافة إلى انتهاك ومخالفة المادة (100) والتي نصت على أخذ رأى مجلس القضاء الأعلى في مشروعات القوانين التي تنظم عمل وشؤون السلطة القضائية، حيث قام الرئيس بإجراء التعديل في القانون دون الرجوع لمجلس القضاء الأعلى.

كما أنه ليس من الضروري إجراء تعديلات في القوانين في ظل هذه الظروف، والصحيح أن يتم إجراء التعديلات في ظل وجود مجلس تشريعي منتخب، لأن وجود مجلس تشريعي هو الضامن لوجود حاضنة وبيئة مناسبة تساهم وتشرف على إصلاح منظومة القضاء.

إضافة إلى وجود محاذير واضحة من الناحية القانونية وهي الخوف من تدخل السلطة التنفيذية بشكل غير مشروع وتعسفي للتأثير على المجلس الانتقالي في توجيهه ليمارس انتقائية في ملفات وجوانب الإصلاح وأكثر من ذلك في ترشيح أسماء قضاة على أساس الولاءات والمرجعيات الحزبية، مما يؤثر سلبا على أي خطوات حقيقية نحو التغيير، وأعتقد أن هذه المحاذير ستتحقق بقوة في هذا المشهد بسبب الحالة المتدهورة في الضفة الغربية وتدخلات أجهزة الأمن مرارا في عمل القضاء وتجاهل أحكامه والتنصل من تنفيذها.

فالإصلاح القضائي مرهون بمجموعة من الضوابط والمعايير، ولا أرى أنها متحققة في ظل سياسات عباس ورغبته في تطويع القوانين، وجمع السلطات في قبضته خدمة لسياساته وأهدافه، وصولا إلى القضاء على أي حالة معارضة لحكمه أو منافسة لمشروعه في الساحة الفلسطينية.

وهو بذلك خطّ بقلمه انتكاسة جديدة لمقومات ودعائم ومرتكزات نظامنا السياسي والقانوني الفلسطيني دون أن يسمح لنفسه بدقيقة تأمل ومراجعة نحو إصلاح حقيقي من خلال مصالحة وطنية وانتخابات شاملة تعالج الأزمات الفلسطينية المتفاقمة وتكون مدخلا لإصلاح المؤسسات.

أحمد أبو زهري

 

من نفس القسم دولي