دولي

ورشة المنامة و"خطة السلام" الأميركية: لماذا فشلت حال إطلاقها؟

تغطي الخطة نحو خمسين موضوعًا، وتطرح نحو 179 مشروعًا مختلفًا

عقدت الولايات المتحدة الأميركية ورشة عمل في العاصمة البحرينية، المنامة، بعنوان: "السلام من أجل الازدهار، الخطة الاقتصادية: رؤية جديدة للشعب الفلسطيني"، في الفترة 25 - 26 حزيران/ يونيو 2019، بهدف مناقشة التنمية الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلًا عن إسرائيل والأردن ولبنان ومصر. وتدعو الخطة الأميركية إلى تأمين استثماراتٍ بقيمة أكثر من خمسين مليار دولار على مدى عشر سنوات، تقدمها دول عربية وأجنبية، ومنظمات دولية، وشركات تجارية من القطاع الخاص. افتتح الورشة مستشار الرئيس الأميركي وصهره، جاريد كوشنر، وحضر أعمالها ممثلون عن 39 دولة، من بينها دول عربية. كما حضر رئيسا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فضلًا عن رجال أعمال وممثلي شركات تجارية واستثمارية دولية. وغاب الفلسطينيون عنها لأنها ليست ورشة اقتصادية بريئة، بل هي جزء من تصور يُحِلُّ الاقتصاد مكان الحقوق السياسية المشروعة، ويحوّل قضية فلسطين إلى مشاريع اقتصادية واستثمارية لا أكثر؛ إذ لم تشر الخطة إلى القضايا المركزية للصراع، كالدولة والسيادة واللاجئين والقدس والمستوطنات والحدود.

تقع الخطة المسماة "السلام من أجل الازدهار" في 40 صفحة، وتقوم على ثلاث مبادرات أساسية: إطلاق طاقات الاقتصاد الفلسطيني، وتمكين الشعب الفلسطيني، وتعزيز الحوكمة فلسطينيًا. وتهدف الخطة عمليًا إلى جمع أكثر من خمسين مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، لتمويل مجموعةٍ كبيرة من المشاريع التي تهدف إلى "تغيير الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل جذري". وتزعم الخطة أنه، في حال تطبيقها، ستخلق أكثر من مليون فرصة عمل للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال العقد المقبل، وستضاعف الناتج المحلي الإجمالي للفلسطينيين، وتخفض البطالة إلى ما دون 10% مقارنة بـ 30% الآن، كما أنها ستخفض نسبة الفقر بينهم بنسبة 50%. وتفيد الخطة بأن المال الذي سيتم جمعه سيوضع في "صندوق جديد يديره بنك تنمية متعدد الجنسيات"، سينفق على المشاريع عبر استثماراتٍ عامة مباشرة واستثمارات تجارية خاصة، وقروض ميسرة. وبحسب الخطة، ستعمل إدارة الصندوق مع "البلدان المستفيدة لوضع الخطوط العريضة للإرشادات السنوية للاستثمار، والأهداف الإنمائية، والإصلاحات الحكومية التي ستدعم تنفيذ المشروعات في المجالات المحددة". كما توضح الخطة أنه "سيتم توزيع المنح والقروض الميسرة، وغير ذلك من الدعم على المشروعات التي تفي بالمعايير المحددة، من خلال عملية مبسطة تضمن المرونة والمحاسبة". 

وتتبنّى الخطة مقاربة إقليمية تقوم على التعاون والتكامل، وفي بعض الحالات، الاندماج الاقتصادي بين المناطق الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإسرائيل، وكلٍّ من الأردن ولبنان ومصر، أي إنها خطة لإرساء بنية تحتية للتطبيع بين دول عربية وإسرائيل. وبموجب الخطة، ستساهم الدول المانحة والمستثمرون بأكثر من 50 مليار دولار لتنمية المنطقة، منها 28 مليارًا في الضفة والقطاع، و7.5 مليارات للأردن، و9 مليارات لمصر، و6 مليارات للبنان. وتغطي الخطة المصوغة بلغة الشركات الاستشارية، بعناوينها الثلاثة الرئيسة نحو خمسين موضوعًا، وتطرح نحو 179 مشروعًا مختلفًا، كتحسين مستوى التعليم الفلسطيني، وتطوير البنية التحتية فلسطينيًا، وتقوية شبكة الكهرباء في قطاع غزة وتحلية المياه، وتعزيز شبكات الاتصالات، فضلًا عن القطاعات الصحية والزراعية والصناعية والسياحية، وتسهيل عبور الفلسطينيين وعبور صادراتهم إلى الدول المحيطة، كما أنها تخصص خمسة مليارات دولار لربط الضفة الغربية وقطاع غزة عبر شبكة طرق، وربما سكة حديد. وكل هذا من دون التشاور مع العرب أو الفلسطينيين. أي إنه، حتى من الناحية الاقتصادية، فإنها خطة وصائية تتعامل مع العرب والفلسطينيين باعتبارهم قاصرين.

تهدف الخطة، كما يتضح، إلى تحقيق اندماج إقليمي على صعيد البنى التحتية، بما في ذلك مجالات الطاقة والمياه، وعلى مستوى التجارة البينية والاستثمارات والسياحة. لكنّ التعاون والتكامل الاقتصاديين لا يمكن أن يتحققا من دون حدود مفتوحة، ومن ثمَّ، فإن الخطة تدعو إلى تطوير المعابر الحدودية بين المناطق الفلسطينية وإسرائيل والدول العربية المجاورة، على أساس أن يكون المرور للأشخاص والبضائع عبرها "سهلًا وآمنًا"، من دون أن تحدّد من ستكون له السيطرة على المعابر الحدودية. علمًا أن إسرائيل تسيطر حاليًا على كل المعابر الواقعة في الضفة الغربية، وعلى تلك التي بينها وبين قطاع غزة.

تدعو الخطة أيضًا إلى تطوير إمكانية استغلال المصادر الطبيعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها الأحجار والرخام والمواد الهيدروكربونية، واحتياطيات الموارد الطبيعية الرئيسة، مثل حقل الغاز الطبيعي البحري في غزة، وحقول النفط، والمحاجر في الضفة الغربية. كما ستقدّم مساعدة تقنية لوضع إطار تنظيمي لاستغلال الموارد الطبيعية، بما في ذلك الموارد المشتركة على طول المناطق الحدودية.

أما في مجال تمكين الشعب الفلسطيني، فإن الخطة تدعو إلى إطلاق "الإمكانات الهائلة للشعب الفلسطيني"، من خلال تجويد التعليم، وتعزيز برامج تنمية القوى العاملة، وتحسين قطاع الرعاية الصحية، وكذلك نوعية حياة الفلسطينيين، وذلك عبر الاستثمار في المؤسسات الثقافية وتقديم دعم مالي للفنانين والموسيقيين الفلسطينيين، وغير ذلك. وفي ما يتصل بتعزيز الحوكمة فلسطينيًا، فذلك يكون عبر تشجيع القطاع العام الفلسطيني على توفير الخدمات والإدارة اللازمة لتحقيق مستقبلٍ أفضل للشعب الفلسطيني؛ ما سيؤدي إلى نمو الوظائف وازدهار الشعب واقتصاده. وهذا يتطلب تعزيز بيئة الاستثمار، من خلال حماية حقوق الملكية الخاصة، وتقديم ضماناتٍ ضد الفساد، وطمأنة رأس المال والمستثمرين عبر قوانين وإجراءات ناظمة وفعالة. كما تدعو الخطة إلى بناء المؤسسات الفلسطينية، مثل تعزيز استقلالية القضاء الذي سيقدّم ضمانة للاستثمار والمستثمرين، وكذلك إفساح المجال لمنظمات المجتمع المدني.

من نفس القسم دولي