دولي
خماسية كوخافي، الحرب البرية والحسم الميداني
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 25 جوان 2019
تسعى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية باستمرار لتطوير وملائمة نفسها للتغيرات في المخاطر والتهديدات، وذلك من خلال إعداد الخطط العسكرية المختلفة، ومن أهمها في العقدين الأخيرين خطة " كيلا " 2003 حيث قلص الجيش 20%، وخفضت الخدمة وقيدت الميزانية، واستمرت حتى جاء دان حالوتس في حزيران 2005 ليبدأ العمل في خطة بديلة سميت خطة "كيشت"، والتي عملت على تحويل القوات البرية إلى وحدات خاصة غير نظامية مسنودة بسلاح جوي هائل ومتطور، ولكنها غير مدربة على قتال كغزة ولبنان، ثم جاء اشكنازي 2007 ليعلن فشل "كيشت" في مواجهة حرب لبنان 2006 ، ويضع خطة " تيفين " حيث عمل على زيادة الميزانيات والتركيز على تطوير القوات البرية على حساب الجوية، ثم (جدعون لايزنكوت)، (وتنوفا لكوخافي)، فما هو الجديد؟
في مقارنة مختصرة بين خطة ايزنكوت المسماة جدعون وما سبقها من خطط، وبين الخطة الخماسية لكوخافي التي ستبدأ في 1-1-2020، وتنتهي في 2024 وتعتبر بديلا عن خطة جدعون وما سبقها – إلا أنها لا تعني إلغاء جميع أجزاء خطة جدعون، بل تغييرات وتحسينات - يلاحظ الآتي:
أولا: كوخافي يريد تحويل القوة البرية لجسم عملياتي تنفيذي أكثر قتلا وتدميرا مما كانت عليه خطة ايزنكوت، ومن أجل ذلك يسعى لإقامة طواقم لوائية مزودة بقدرات تكنولوجية استخباراتية كناقلات الجند التي تعمل على الروبوت لتمهد للعملية البرية، إضافة لإقامة جسم لإدارة الأهداف يسعى لتحويل المعلومات الاستخباراتية إلى عمليات تنفيذية على الأرض.
ثانيا : تؤكد خطة كوخافي بأن هدف المعركة يجب أن يكون التدمير و ليس الاحتلال، بمعنى تدمير العدو في بيت حانون و ليس احتلال البلدة، معتبرا احتلالها هو فعل يتعلق بالوعي لا بالحسم العسكري .
ثالثا: أعادت خطة كوخافي التركيز على ضرورة الحسم العسكري السريع في ساحة المعركة، بعد أن ركزت خطط سابقة مثل "كيلا وكيشت وتيفين" على مفهوم تحقيق النصر في الحرب، والذي يتضمن مركبات اقتصادية وسياسية أيضا. أكد كوخافي أن الحسم لا يتم إلا من خلال تفعيل كل أذرع الجيش وعلى كافة المستويات، بما في ذلك المناورة البرية .
هكذا أظهرت خطة كوخافي و(باختصار) أن هدفها العام إيقاف صواريخ المقاومة الآخذة بالتطور، لذلك الجيش بحاجة لحسم عسكري ميداني على كل ما يحمله ذلك من معانٍ اقتصادية وسياسية وعسكرية، ومن أجل ذلك يجب استخدام المناورة البرية المدمرة حتى ولو بثمن إظهار حساسية أقل لدرجة (اللامبالاة) من الخسائر في صفوف المدنيين، والسعي على قتل أكبر عدد ممكن من قوات المقاومة في الميدان.
من الواضح أن دوافع الخطة هو تطور المقاومة في قطاع غزة ونجاحها في مجال الصواريخ وإدخال وسائل قتالية جديدة، كالطائرات بدون طيار، وبالتالي فرضها على الجيش جولات عسكرية متكررة دون نتائج، سوى تفريغ مصطلحات الحسم والردع الإسرائيلي من المعنى والمضمون.
من اللافت للنظر أن خطة كوخافي تتعارض مع الوثيقة التي قدمها نتنياهو وأقرها الكابينت، والمسماة بالرؤية الأمنية 2030، من حيث تركيز الأولى على ضرورة الحرب والمناورة البرية من أجل الحسم العسكري في الميدان، في حين رأى محللون بأن خطة نتنياهو تسعى وتعمل على تجنب الحرب البرية.
هكذا فرضت المقاومة الفلسطينية على بساطة قدراتها مقابل القدرات الهائلة للجيش الإسرائيلي المدعوم أمريكيا ودوليا تغييرات باهظة الثمن على دولة الاحتلال اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، دون تحقيق أقل الأهداف في القضاء أو حتى إضعاف المقاومة في فلسطين و لبنان، ولكنها في المقابل مطالبة بالاستعداد لخطة كوخافي على كل مركباتها، وخاصة البرية.
للوهلة الأولى، يظن المرء أن من يملك القوة، يملك مفاتيح كل شيء، وإجبار عدوه على الرضوخ لطلباته مهما كانت، فالقوي تاريخيا يفرض رؤيته وبرنامجه على الضعيف، لكن هذا القوي مهما بلغت قوته لا بد من نقاط ضعف في جسده، تنهكه لاحقا.
ما قالته الكاتبة" الإسرائيلية" "أوريت ليفيا- نشيئيل"، في مقالها بصحيفة" معاريف" العبرية عن المقاومة في غزة، يندرج في معرفة نقاط الضعف لمن ملك القوة والعمل من خلالها، وهذا ما أتقنته المقاومة في غزة، وتجيد السباحة فيه ليكون رزقها تحت ظلال إنفاقها وطائرتها وصواريخها.
تقول الكاتبة إن "استمرار المواجهة مع غزة تعطي "الإسرائيليين" قناعة بأنها لن تغرق في البحر، وإنما كل" الإسرائيليين" هم من سيغرقون في بحر غزة؛ لأن وجود حالة من التهدئة في المواجهة مع غزة مسألة زمنية فقط، وعلى خلفية القمة الاقتصادية في البحرين، وعشية إعلان صفقة القرن على "إسرائيل" أن تكون العربة التي تسحب القاطرة كلها، ولا يتم استدراجها إليها".إذن وبرغم تضحيات غزة إلا أنها توجع الاحتلال باعتراف كتابها ومحلليها العسكريين ومفكريها، وهو ما كان ليحدث لو بقيت غزة صامته وراضية بالاحتلال.
صحيح أن الحصول على الكعكة كلها قد يغري البعض، ولكن ماذا لو كان طعمها مر كالعلقم ويفتك بآكلها، وهو ما قالته الكاتبة الإسرائيلية التي تضيف: "بات الإسرائيليون يخاطبون بعضهم بعبارة "اذهب إلى غزة" كناية عن عبارة "اذهب إلى جهنم".
لمن يستخف بتحليل الكاتبة فهي أي الكاتبة، مقدمة برامج سياسية في التلفزيون "الإسرائيلي"، وهي تمثل عينة وشريحة واسعة، وهي وطريقة تفكيرها نتاج لما هو واقع على الأرض من خلال استمزاج الرأي العام في دولة الاحتلال.
وبنظر الكاتبة، فان غزة هي مدرسة لتخريج المسلحين، وتتزامن مع تصريحات كوخافي رئيس جيش الاحتلال، أن لا حل مع غزة إلا بالحرب البرية، هي استهلاك محلي وعلاقات عامة، لأن ثلاث حروب عدوانية على غزة كانت نتيجتها فشل أهداف الاحتلال وأهمها القضاء على المقاومة، وهو ما يعني نصرا للمقاومة، وأصلا إعادة احتلال غزة بات من الماضي، لأن ثمن إعادة الاحتلال قد يطيح بدولة الاحتلال التي لا تقدر على تحمل الخسائر المتوقعة في صفوف جنود الجيش، وهو ما فهمته وأدركته المقاومة.
وفي نهاية مقالها التحليلي، تحذر الكاتبة بأنه إن لم نوجد حلولا لمعاناة أطفال غزة، فإن غزة ستبقى تلاحقنا، وبالتالي فهي لن تغرق في البحر كما يتمنى الإسرائيليون، بل إن هؤلاء أنفسهم هم من سيغرقون في بحر غزة!
ناصر ناصر