دولي
شينكر.. الصهيوني "اللطيف" لتصفية القضية الفلسطينية
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 14 جوان 2019
تعيين الصهيوني "اللطيف" دايفيد شينكر، مساعداً لوزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط اعتراف بقصور فريق الرئيس ترامب في تسويق "صفقة القرن"، وبحاجة الأخير إلى وسيط أكثر لباقة للتحدّث إلى المسؤولين الأردنيين والفلسطينيين بلهجة أكثر نعومة، وخصوصاً أن له علاقات واسعة مع كتاب وصحافيين وسياسيين عرب. لا يختلف هذا الرجل، في الجوهر، عن فريق ترامب في البيت الأبيض؛ فهدفه يبقى الحفاظ على المشروع الصهيوني في فلسطين، وتأمين بيئة مدجنة، إن لم تكن صديقة لدولة إسرائيل الاستيطانية. ولكن الفرق أن شينكر الذي عمل سابقاً في معهد واشنطن للشرق الأدنى، أقرب إلى توجه الفريق الذي كان له التأثير الأكبر في رسم تفاصيل السياسة الأميركية في المنطقة، وللعراب الأكبر الديبلوماسي المخضرم، دينيس روس الذي كان يعتبر أهمّ محام للمصالح الإسرائيلية، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني في في الخارجية الأميركية منذ الثمانينيات.
شينكر هو مرشح وزير الخارجية الأميركي جورج بومبيو منذ عام، ولكن الكونغرس لم يقبل تثبيته إلا الأسبوع الماضي، في مؤشّر على اقتناع كبار أعضاء مجلس النواب الأميركي بفشل فريق ترامب في جعل دول عربية مفصلية في إعلان موافقتها على "صفقة القرن"، أو حتى بمشاركتها في ورشة البحرين لتحديد ثمن الموافقة. والفرق بين البيت الأبيض والخارجية، أن الأخيرة تعطي أولوية لاستقرار حلفاء أميركا العرب، وتعتبر ذلك حماية لإسرائيل، وتفضل إحياء "عملية السلام" لإضفاء "شرعية" على إجبار الفلسطينيين بالتوقيع على تنازلات، والقبول باستمرار السيطرة الإسرائيلية على أرض فلسطين وشعبها، لقاء كينونة سياسية ممسوخة، والتخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتقرير المصير.
وقد يوفر تعيين دايفيد شينكر هامشاً أوسع للمناورة للسلطة الفلسطينية والديوان الملكي في الأردن، وخصوصاً أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا أبلغاهما أن "صفقة القرن" لن ترى النور. ولكن الخطر أن يتعامل الأردن والسلطة مع شينكر بوصفه "حليفاً استراتيجياً"، فيقنعها بإعلان قبول جوانب أخرى للسياسة الأميركية في المنطقة. هو المعروف بتأييده للسياسة الإسرائيلية ضد إيران، ولذلك سيعمل من أجل إعلان عربي رسمي غير مسبوق أن إيران، لا إسرائيل، هي الخطر الوجودي على العالم العربي، كما سيدفع بخطوات لعزل حزب الله، فمعروف عنه تأييد اليمين السياسي اللبناني، وقد نسج علاقات وثيقة بأركانه، وحتى كوادره، وهو أقدر من غيره من الدبلوماسيين الأميركيين على توظيف هذه العلاقات، للتحريض الداخلي حتى على حساب السلم الأهلي اللبناني.
علاقات شينكر بصحافيين وسياسيين، وحتى معارضين عرب، يستقبلونه بشكل دائم في الأردن وفلسطين ولبنان، جزء من خطره في تسويقه السياسة الأميركية والطموحات الإسرائيلية. ومؤسف أن يصرّ هؤلاء، ومنهم حراكيون في الأردن وشخصيات وطنية فلسطينية، على إعطائه وقتاً كثيراً، بوهم أنهم يستطيعون التأثير في فكره. ومن متابعتي فترة طويلة نشاطات معهد واشنطن، ودايفيد شينكر نفسه، يمكن استنتاج أنه كان لكل هذه الجلسات تأثير على كتابات شينكر وتصريحاته، ولكن ليس لصالح الشعوب العربية، بل لفهم الأزمات الداخلية وأخذها بالاعتبار في صياغة السياسات الأميركية. ومعروف أن لهذا المعهد دوراً ضمن اللوبي الصهيوني غير الرسمي في الولايات المتحدة، وله تأثير واسع على وزارة الخارجية والإعلام والكونغرس.
وشينكر من أكثر المتحمسين لمشاريع التطبيع، فلن يكون مفاجئاً استغلال علاقاته الواسعة لترويج أهمية الإبقاء على الاتفاقيات الاقتصادية، وخصوصاً بين إسرائيل والأردن، فزياراته عمّان كثيرة، ويداوم عليها، ويعرف تماماً معارضة الأردنيين التطبيع الاقتصادي، وعمل دائماً على محاولة الفصل بين الإجراءات الإسرائيلية العنصرية الاستيطانية ومسار التطبيع العربي -الإسرائيلي. سوف يتعارض أسلوبه مع فريق ترامب، ويجب أن لا تدخل الحكومات أو المثقفون العرب طرفاً في هذه الاختلافات، فحتى لو سحب ترامب مشروعه، فقد اعترفت الولايات المتحدة بضم إسرائيل القدس والجولان، ومعارضة معهد واشنطن للشرق الأدنى معظم أراضي الضفة الغربية ليست معارضة للفكرة نفسها، وإنما تلحّ على أن يتم الضم من خلال "عملية السلام"، واعتماداً على القمع والقتل، لفرض استسلام الفلسطينيين على طاولة المفاوضات.
وبذلك، سنواجه في المنطقة العربية عنجهية فريق ترامب، وكل من فيه يعمل بعقلية أقصى يمين المستوطنين الصهاينة. في الوقت الذي يقود فريق وزارة الخارجية الأميركية المعني بشؤون المنطقة، صهيوني أكثر خبرة في دهاليز الأنظمة، وحتى المجتمع العربي. ولذلك من الخطر الاسترخاء، بل هذا تحدٍّ كبير لحركة المقاطعة ومناهضة التطبيع العربية والعالمية، لأن الأسلوب الناعم للاستعمار لا يكون دائماً مرئياً. والبادي أن تداعيات الأزمة الداخلية الإسرائيلية أيضاً فرضت نفسها، وتطلبت تأجيل الإعلان عن "صفقة القرن"، وأعطت فرصة لوزارة الخارجية الأميركية للدفع بتوجهها. وقد يسمح ترامب لشينكر العمل على تخفيف التوتر مع حلفاء واشنطن في المنطقة وأوروبا، والتمهيد، في الوقت نفسه، إلى فرض حل نهائي لتصفية القضية الفلسطينية.
والكرة الآن في الملعب العربي، فقد نرى أيضاً تخفيفاً في الضغط السعودي والإماراتي على
"شينكر من أكثر المتحمسين لمشاريع التطبيع، فلن يكون مفاجئاً استغلال علاقاته الواسعة لترويج أهمية الإبقاء على الاتفاقيات الاقتصادية" الأردن والسلطة الفلسطينية، فشينكر معروف بدعوته الدائمة إلى دعم الأردن مالياً واقتصادياً، وعدم الضغط على السلطة الفلسطينية إلى درجة الانهيار، لأن استقرار الأردن مهم لاستقرار إسرائيل، وهذه نقطة ابتزاز دائمة للأردن، يطرحها شينكر ودينيس روس وأعضاء في الكونغرس، ويتم استعمالها في مفاصل محدّدة. ويأخذ شينكر دوراً في هذا الأمر، في شهاداته أمام الكونغرس، ويدعو أحياناً إلى إصلاحات اقتصادية في الأردن، ولكنه يدافع فعلاً عن مصلحة إسرائيل وتطلعاتها، فمعهد واشنطن أذكى من أنصار إسرائيل الذين يتعاملون بفجاجة لتطويع الأنظمة والشعوب العربية.
شخصية شينكر وخبرته مهمتان لفهم أسباب تعيينه أخيراً مساعداً لوزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، لكنه يبقى شخصاً، والأهم هو التوجه الذي يخدمه، كما أن علاقاته الواسعة تجعله أكثر قدرة على التأثير وخداع الرأي العام، وعلاقاته الواسعة مع معظم الدول العربية، من خلال شخصه أو معهد واشنطن، بما في ذلك السعودية والإمارات، تجعل منه مبعوثاً بارعاً في التسويق. وفي النهاية، تحتاج مواجهة السياسة الأميركية التي يعبر عنها هذا الرجل (وغيره طبعاً) لقوى عربية معارضة، لها رؤية تزاوج بين المطالبة بالعدالة الاجتماعية والحريات من جهة، والتحرر من التبعية من جهة ثانية، فمجزرة مجلس العسكر في السودان مثلاً هي حقيقة موقف النظام العربي والولايات المتحدة من الشعوب العربية، وتعيين صهيوني شرس بقناع "لطيف" صاحب مسؤولية أميركية في شؤون المنطقة، ازدراء للشعوب والأنظمة العربية.
لميس أندوني