دولي
العلاقات بين اليسار وحماس عبر المراحل المختلفة
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 12 جوان 2019
ختمت المقال السابق (اليسار بين الانقسام الفلسطيني والربيع العربي) بالإشارة إلى محاولة استكشاف طبيعة العلاقة عموما بين اليسار الفلسطيني وحركة حماس، ذلك أننا نتحدث عن إطارين مؤدلجين، خاضا المعارك السياسية والنضالية عبر مراحل مختلفة، ويبدو لي أن العلاقات مرّت بمراحل مختلفة بحكم الوقائع السياسية والميدانية، وسأوردها في النقاط التالية:
1) اتحد الإخوان المسلمون مع الشيوعيين في موقف رفض مشروع دولي لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء، ونظموا مظاهرات عارمة استولوا فيها على الإدارات الحكومية التابعة لمصر ومقرات وكالة الغوث، وذلك في قطاع غزة سنة 1955 وقد تعامل الأمن المصري مع تلك المظاهرات بقمع وعنف، ولكن ذلك التحالف نجح في تأطير الجماهير واستجابت مصر لكل مطالبهم وعلى رأسها رفض مشروع التوطين؛ وقد تكرر ذلك التحالف بصيغته الميدانية برفض مشروع تدويل قطاع غزة بعيد احتلاله إبان العدوان الثلاثي سنة 1956 وقد قاوم الإخوان والشيوعيون الاحتلال الصهيوني للقطاع وأسقطوا مشروع التدويل؛ طبعا نتحدث عن الإخوان قبل أكثر من ثلاثة عقود على تأسيس حماس، وعن الشيوعيين قبل عقد ونيف من تأسيس الجبهات، ولكن لا يخفى على أحد أن الكادر هو نفسه إلا من غيبه الموت، وفي هذا التحالف عبَر ودورس مختلفة، وملاحظات في غاية الأهمية؛ منها أن قطاع غزة له دور مركزي ومحوري في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وأن الفلسطينيين تجاوزوا حين المس بخطوط حمراء كقضية اللاجئين خلافاتهم الأيديولوجية، فالأمل قائم بتكرار التجربة، كما أن الفلسطينيين المتحدين خلف هدف محدد مركّز لهم قدرة واضحة يجبرون بها أي نظام عربي على التراجع عن نوايا غير طيبة ضد القضية، فمشروع التوطين ثمة من يؤكد على أن نظام مصر الجديد (نظام يوليو 52) قد قبله، وهذا غير مستبعد وثمة عدة مواقف اتخذتها أنظمة عربية ما أضرت بقضية فلسطين من أجل نيل مشروعية من الأمريكان، أو على الأقل ضمان عدم سعيهم لاقتلاعها، ولكن جماهير غزة بقيادة الإخوان والشيوعيين جعلت الموقف المصري يتغير جذريا، طبعا مع الإشارة أن المؤرخين يؤكدون اعتقال قادة المظاهرات لاحقا، وهذا درس وعبرة جديدة!
ولكن تجد شيئا مزعجا يتكرر عند الحديث عن أي مرحلة نضالية، بمحاولة كل طرف نسبة الإنجاز لنفسه واستبعاد تام لدور الآخرين، فإن عجز، قلل من دورهم وشكك في نواياهم وهذا من باب بخس الناس أشياءهم؛ فمؤرخون لا يرون دورا للإخوان وآخرون لا يرون دورا للشيوعيين في تلك المرحلة الحساسة، وقلما تجد دراسات وازنة تعطي كل ذي حق حقه، والمؤكد أنه فعلا كانت هناك وحدة وتكاتف بين الطرفين، ولا يقل دور أي منهما عن الآخر في التصدي للتوطين بالذات، ودرس أخير مهم من تلك المرحلة؛ وهو أن موضوع سيناء والتوطين فيها ليس فكرة جديدة، ولكن هذا ليس قدرا محتوما خاصة عند الوحدة ولو ميدانيا.
2) كان هناك جدل ونفور حاد، بل وحصلت شجارات استخدمت فيها الآلات الحادة وغيرها بين أعضاء وأنصار الإخوان المسلمين (حماس لاحقا) وبين اليساريين، نظرا لقوة ونفوذ الاتحاد السوفياتي آنذاك، ونظرا لاختلاف اجتماعي لا تخطئه عينٌ بين الفريقين، في نمط الحياة والفكر والأسلوب والثقافة... مرحلة يعرف تفصيلاتها من عاشها جيدا (من أواخر السبعينيات حتى 1987).
3) بعد اندلاع انتفاضة الحجارة وتأسيس حماس انحسرت حالة الخصومة، مع حصول احتكاكات متفرقة هنا أو هناك، وصعود حماس المتسارع منافسا جديا لفتح، وهو التنافس الذي سيطغى على العلاقة مع اليسار، علما بأن الجبهتين والحزب الشيوعي (الشعب لاحقا) هم أعضاء في م.ت.ف ويشاركون فتح في فعاليات الانتفاضة تحت القيادة الوطنية الموحدة (ق.و.م).
4) أخذت ج.ش تطرح فكرة ضم حماس إلى ق.و.م وخطت شعارات واضحة على الجدران (كانت تلك أقوى أساليب التعبير عن المواقف السياسية وغيرها) تطالب بهذا، وقبل أن تحصل حماس (والجهاد الإسلامي) على تمثيل معترف به داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية كانت الجبهات تعطي معتقلي الحركتين غطاء، في ظل توتر العلاقات في بعض السجون بين أسرى فتح وأسرى حماس، وخضع هذا (الغطاء) لظروف موضوعية وعلاقات وأمور أخرى، ولكنه أظهر أن الأمور تتجه نحو تنافس حركتين/برنامجين فقط في المستقبل أي فتح وحماس.
5) في ذات الوقت اتهمت مطبوعة تصدر عن (ج.ش) حماس بأنها تجبر فتيات على ارتداء الحجاب، وهو ما نفته حماس بشدة... هذا الموقف سينعكس سلبا لأن المجتمع الفلسطيني كان يشهد تغيرا سريعا ازدادت فيه مظاهر ومعالم الالتزام بالحجاب وغيره، وبالتأكيد هو موقف لن يعطي رصيدا جماهيريا للجبهة، ليس من باب صحة الاتهام من عدمها، بل من باب ما يبدو أنه موقف من الحجاب وانشغال بهذه الجزئية، في ظل مجتمع اختلف عما كانه في الستينيات والسبعينيات.
6) مع بدء عملية التسوية وتقارب حماس مع سورية وإيران صار اليسار مجاملا أكثر لحماس وبالعكس، وشهدت بعض الساحات الخارجية (سورية ولبنان خاصة) فعاليات ومهرجانات خطابية مشتركة، وتم تشكيل تحالف أو ائتلاف يساري وإسلامي فلسطيني (القوى العشرة)، لم يستمر طويلا.
7) جاء توقيع اتفاق أوسلو ليتوّج حالة من الفرز والاستقطاب؛ نظرا لاشتراك حماس والجهاد الإسلامي مع الجبهتين في رفض الاتفاق والتحشيد ضده؛ وهذا يعني بالطبع انقسام اليسار من جديد؛ نظرا لأن بعض أطرافه لم ترفض أوسلو بهذه الطريقة.
8) وصلت حالة التقارب إلى تكوين تحالف (1993-94) يظهر فيه تقديم السياسة على الأيديولوجيا في جامعة بيرزيت؛ حيث تحالفت الكتلة الإسلامية (حماس) مع جبهة العمل الطلابي التقدمية (ج.ش) وكتلة الوحدة (ج.د) تحت عنوان (كتلة القدس أولا)؛ في إشارة إلى رفض اتفاق غزة- أريحا (أولا) مقابل تحالف الشبيبة (فتح) مع حزب الشعب وفدا (لاحظ انقسام اليسار) تحت اسم (كتلة القدس والدولة)، وتمكن تحالف حماس والجبهات من الفوز في انتخابات المجلس لأول مرة منذ 12 سنة من قيادة فتح للمجلس... والطريف في ذلك التحالف أن من الشروط الموقعة ألا تتدخل الكتلة الإسلامية في موضوع لباس الطالبات؛ وهذا يعطي إشارة عن مدى وحجم الاهتمام الذي توليه الجبهة (على الأقل آنذاك) لهذه المسألة ومحوريتها، وكانت هذه النقطة أيضا محل نقد من قبل إسلاميين لحماس في الوقت نفسه!
سري سمور