دولي

حماس ومصر.. التقاء تكتيكي واختلاف استراتيجي

القلم الفلسطيني

تمّ، في نهاية فبراير/ شباط الماضي (2019)، إسدال الستار على واحدةٍ من أكثر قضايا العلاقات الثنائية تعقيداً بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجمهورية مصر العربية، بالإفراج عن الشبان الأربعة الذين كانوا محتجزين لدى الأجهزة الأمنية المصرية، بعد اختفاء قسري قرابة أربعة أعوام، إثر زيارة رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، للقاهرة، دامت أربعة أسابيع، سبقها الإفراج عن آخرين من أبناء الجهاز العسكري للحركة، تم اعتقالهم على فترات متفاوتة. 

يعدّ إنهاء قضية المحتجزين من أبناء "حماس" في السجون المصرية، وكانت من أبرز القضايا الأكثر ضغطاً على قيادة الحركة من قاعدتها التنظيمية، مؤشراً مهماً على تطور العلاقات المصرية الحمساوية. كما يُعتبر فتح الجانب المصري معبر رفح بصورة متواصلة نتاجاً ملموساً لتحسّن العلاقات بينهما، لا سيما من المنظور الشعبي لسكان قطاع غزة، في مسارٍ مغايرٍ لما كانت عليه هذه العلاقات من فتور؛ نتيجة اتهام مصر "حماس" بالإضرار بالأمن القومي المصري، إلا أن التحول الجوهري لمسار العلاقة اتضح عقب زيارة قائد حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، مصر، في يونيو/حزيران 2017. 

وعلى مدار العامين ونيف، تبادل الجانبان الزيارات على مستويات متعدّدة، لمتابعة قضايا

"تمثل سيناء خاصرة ضعيفة لمصر واستنزافاً متواصلاً للدولة، خصوصا في جزئها الشمالي" الوحدة الوطنية، ومسيرات العودة وما أثمرته من حراك سياسي لتخفيف الأزمة الإنسانية، والجوانب الأمنية. وأمام ما تشهده هذه العلاقات من تطوّر؛ ثمة قضايا يُجمع الطرفان على قواسمها المشتركة، وإمكانية تذليل ما يعتريها من عقبات، بيد أن خلافاً استراتيجياً في قضايا جوهرية ومحورية عديدة لديها قد يكون صعبا، بل من المستحيل أن تشهد تقاربا بينهما. 

تمثل سيناء خاصرة ضعيفة لمصر واستنزافاً متواصلاً للدولة، خصوصا في جزئها الشمالي، حيث تشهد، بين الفينة والأخرى، صدامات مسلحة مع عناصر سيناوية متمرّدة على النظام، كما أنها تعتبر ملاذاً أمنياً للمطلوبين والملاحقين من الأجهزة الأمنية المصرية، ويشعر سكانها بالتهميش، وبأن المؤسسة الرسمية تعاملهم مواطني درجة ثانية. ويجعل هذا الواقع منها بؤرة توتر دائمة في بيئةٍ جغرافيةٍ معقدة، وقربها من مصالح حيوية عديدة، مثل ممر قناة السويس والسياحة في الجزء الجنوبي منها، ما يدفع النظام المصري إلى البحث عن حلول وتعاون يجلب له الاستقرار. 

ثمّة دوافع عدة للطرفين للانفتاح والتعاون وتجاوز السنوات العجاف فيما بعد أحداث 3 يوليو عام 2013، فمصر ترى أن الحضور والفاعلية في المشهد الفلسطيني من الأهمية بمكان، في ظل تراجع حضورها الإقليمي، إضافة إلى عدم إخلاء الساحة لدول عربية وإقليمية (خصوصا قطر وإيران) يسمح بتعزيز حضورها أهم لاعب في تسوية الصراع بين العدو والعالم العربي. بيد أن الدافع المصري الأهم، حين باتت الأجهزة الأمنية المصرية على قناعةٍ ويقين بضرورة الانفتاح على "حماس"، وأن الأمن والاستقرار في سيناء لا يتحقق من دون التعاون بين الاستخبارات المصرية وحركة "حماس" (بصفتها الحاكم الميداني لقطاع غزة)، وأن المحافظة على الأمن القومي المصري تتطلب بناء علاقات جيدة مع القوة المسيطرة على حدود مصر مع فلسطين (قطاع غزة). 

تشديد الحصار على قطاع غزة، واتهام "حماس" بحالة الفوضى وعدم الاستقرار الأمني في سيناء نتيجة عدم ضبط الحدود مع قطاع غزة، وتسلل أفراد تكفيريين من سيناء إلى القطاع والعكس، والذي يُعزى إلى وجود امتداداتٍ لقبائل وعائلات تقطن شمال سيناء في رفح الفلسطينية، بالإضافة إلى نشوء شبكة مصالح، عملت في تهريب البضائع والمستلزمات الحياتية من مصر إلى القطاع، وقد تبدّل ذلك كله إلى الاقتناع بأن الاتصال بحركة حماس، وتبادل المعلومات على جانبي الحدود، سينعكسان إيجابياً على عودة الهدوء إلى سيناء، وهذا ما تحقق منذ زيارة السنوار مصر، في يونيو/حزيران 2017. 

وعلى صعيد حركة حماس، لم تتبدل دوافع الانفتاح على مصر، فالحركة ترى أن مصر هي 

"حماس ترى أن مصر هي البوابة الوحيدة للحركة في قطاع غزة نحو العالم الخارجي" البوابة الوحيدة للحركة في قطاع غزة نحو العالم الخارجي، إضافة إلى دورها في رعاية ملف العلاقات الفلسطينية الداخلية، بتفويض من جامعة الدول العربية، وقدرتها على لعب دور الوساطة في ملفي تثبيت وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى مع العدو. ولم تكن "حماس" ترغب في توتر الأجواء مع القاهرة، لا سيما بعد ما مُنح للقطاع من تسهيلاتٍ في نهاية عهد حسني مبارك، ثم المجلس العسكري، وفي عام رئاسة محمد مرسي، إلا أن قناعة بعض الأجهزة الأمنية بضرورة اجتثاث كل من له علاقة بالإخوان المسلمين؛ هي التي ساهمت في إحداث حالة التوتر في الأعوام الماضية. 

دافعان أساسيان ساهما في إقدام "حماس" على إعادة الترميم والبحث في سبل تطوير العلاقات مع مصر؛ الأول مرتبط بالتغيرات القيادية التي حصلت في رأس هرم الحركة، والتي تبنت رؤية بضرورة ترتيب العلاقات العربية والإقليمية للحركة، بعيداً عن الاصطفافات العربية الداخلية، خصوصا مع اشتداد الأزمات العربية العربية، بفرض حصار مشدد على قطر. ويمثل الدافع الثاني مصلحة مشتركة بين "حماس"، بصفتها حاكم قطاع غزة، ومصر، بصفتها تحارب التطرف في سيناء، مرتبط بنشوء جماعات تكفيرية مسلحة، باتت تهديداً حقيقياً لحركة حماس في قطاع غزة، وتمس بسلامة خطوط الإمداد العسكري لكتائب القسام وأمنها، إذ أن تنامي هذا النمط من الجماعات قد يضطر "حماس" إلى الدخول في صدامٍ معها على الحدود، ما يستنزف من مقدّراتها البشرية والعسكرية على حساب مقاومة الاحتلال الصهيوني، فالحركة حسمت المواجهة مع الجماعات التكفيرية مبكراً في عام 2009، ولا تريد العودة إلى الصدام المسلح الواسع معها. 

ثمة قضايا عدة تساهم فيها مصر بدور إيجابي، وتعمل فيها بدور الوساطة المقبولة من جهة حركة حماس، أبرزها الوحدة الوطنية: يعتبر ملف الوحدة الوطنية الفلسطينية أشبه بـ"الحصري" لدى الجانب المصري، فمصر، منذ قدوم السلطة الفلسطينية، وهي تعمل بصورة دائمة على تخفيف الاحتقان بين الفصائل الفلسطينية، وتجمعها علاقات جيدة مع حركة حماس منذ أواسط التسعينيات، وقد برز دورها واضحا بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، فاستضافت اجتماع الأمناء العامِّين للفصائل الفلسطينية، وما تلاه من محاولة رأب الصدع الميداني، إبّان الاشتباكات المسلحة في عامي 2006 و2007، وبعد أحداث يونيو/حزيران 2007 واصلت القاهرة العمل على ترتيب العلاقات الفلسطينية الداخلية، وقد وقّعت اتفاقيات عديدة بين الفصائل الفلسطينية، من أبرزها اتفاقيتا 2011 و2017.

تدرك مصر أن نجاح الوحدة الفلسطينية لا يمكن أن يتحقق من دون تفاهمات إيجابية وتعامل سلس مع حركة حماس، بصفتها القوة الند لحركة فتح. بيد أن بعض أوساطها يرى أن تصدّر "حماس" المشهد السياسي الفلسطيني، ودخولها منظمة التحرير، سيمثل انتكاساً لمشروع التسوية الذي ترعاه مصر وتؤمن به، وتتلخص مساعيها في عودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة قطاع غزة.

....يتبع

عبد الحميد صبرة وحمزة أبو شنب

 

من نفس القسم دولي