دولي

اليمين «الإسرائيلي» يستعد لمحو القضية الفلسطينية

القلم الفلسطيني

يعوّل اليمين «الإسرائيلي» الذي حصد 65 مقعداً في الانتخابات الأخيرة برئاسة بنيامين نتنياهو، على دعم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في تنفيذ سياسة الضم «الإسرائيلية»، وتشكل الظروف السائدة دوليا وعربيا وفلسطينيا، الفرصة الذهبية لتجسيد هذه السياسة وإزاحة الستار عن مشاريع استيطانية مليونية تشمل الجولان.

وكان نتنياهو تبنّى مثل هذا التوجه إبان حملته الانتخابية؛ حيث أعلن عن مشروع لضم الجزء الأكبر من الضفة الغربية، وقد لوحظ أن نتنياهو ما زال يسعى للتهدئة في غزة والتصعيد في الضفة.

نتنياهو بائتلافه اليميني الذي سيشكل الحكومة، لا يختلف عن الائتلاف السابق من حيث المكونات والحجم، ولا توجد خلافات بين أحزاب اليمين حول القضية الفلسطينية، فالكل يؤيد الضم وإلغاء فكرة إقامة دولة فلسطينية، ويراهنون على أن «التسوية الأمريكية» ستلبّي مطالب «إسرائيل» من حيث عدم تطرقها إلى إقامة دولة فلسطينية من جهة، وعدم معارضة ضم أجزاء من المنطقة «سي» التي تشكل ستين في المائة من الضفة. وقال محللون إن «التسوية الأمريكية» صيغت بطريقة لكي يرفضها الفلسطينيون، حيث سيقول «الإسرائيليون» إنهم يقبلون بها مع بعض التحفظات كما كان يحدث سابقاً مع أية أفكار كان يطرحها الأمريكيون على مدار العقود الماضية.

فقد كان المبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط دينيس روس وهو يهودي ومن بعده مارتين انديك وهو يهودي أيضاً، يطرحان أفكاراً أمريكية تقوم «إسرائيل» بإدخال تعديلات عليها ثم تعلن أنها تؤيدها بتحفظ، بينما يرفضها الفلسطينيون لأنها تعبر عن أغلب المواقف «الإسرائيلية» وهذا هو المتوقع مع الصفقة الأمريكية التي ستعلن بعد شهر رمضان والتي لم يبق شيء منها سرياً لأنها شطبت معالم القضية الفلسطينية وحولتها إلى مجرد مشروع للسلام الاقتصادي ضمن حكم ذاتي محدود تحت السيادة الاحتلالية وعلى جزء يسير من الضفة. فالتفكير الكولونيالي الاحتلالي كان دائماً يرمي إلى الضم الزاحف ثم خَلْق كيان فلسطيني في المدن المكتظة دون سيادة، لأن الاحتلال أمام خيارين: إما دولة يهودية أو دولة ثنائية القومية. ويبدو أن الاحتلال حالياً حسم أمره نحو دولة ثنائية القومية مع ما يتطلبه ذلك من تدمير للسلطة الفلسطينية القائمة واستبدالها بسلطة عميلة، وإعادة احتلال الضفة وإدارتها بشكل مباشر رغم ما ينتج عن ذلك من ردود فعل عنيفة. وكان منظّرو الصفقة مثل السفير الأمريكي ديفيد فريدمان والمبعوث جيسون غرينبلات نشطا في الآونة الأخيرة لاستقطاب شخصيات فلسطينية تكون بديلاً للسلطة الفلسطينية وبطريقة بائسة على غرار ما فعله «الإسرائيليون» في بداية الثمانينات عندما أنشأوا ما سمي «الإدارة المدنية» برئاسة مناحيم ميلسون الذي قام بتشكيل ما يسمى «روابط القرى» العميلة من مخاتير وجهلة وعملاء تم اغتيال أغلبهم لاحقاً وفشل مشروعه. أما فريدمان وغرينبلات فهما يتصلان بشخصيات من رجال أعمال يحملون الجنسية الأمريكية لخلق قيادات بديلة ومع بعض العملاء، وهي طريقة بدائية ثبت فشلها قبل عقود ولن تنجح الآن حتى لو تم إسنادها بمشاريع اقتصادية وبإعادة احتلال الضفة. 

فالخلاف بين أحزاب اليمين ليس مطروحاً حول القضية الفلسطينية؛ بل حول قضايا محلية «إسرائيلية»، مثل التجنيد والهوية اليهودية وسبل فرضها وإبرازها على الأرض.

كما أن مستقبل نتنياهو الشخصي مرتبط بتجنيد أحزاب اليمين لصالح بقائه، ومن الممكن أن تتم عملية مقايضة الضم بسنّ «القانون الفرنسي»، الذي يمنع تقديم رئيس حكومة للمحاكمة وهو على رأس عمله.

وعدّ محللون أن الانقسام الفلسطيني سيسمح لنتنياهو بالمناورة، واستخدام سياسة العصا مع طرف والجزرة مع طرف آخر لإدارة الانقسام، والاستفراد بكل جهة على حدة لفرض الأجندة اليمينية للضم، وتحويل الضفة إلى منطقة معازل رسمية تدار على نمط غزة. وفي موازاة خطة الضم أعدّ «الإسرائيليون» مخططات لاستيطان قرابة 340 ألفاً في الضفة الغربية، حيث أعدت وزارة الإسكان«الإسرائيلية» مخططاً لبناء 67 ألف وحدة استيطانية بحجة حل الضائقة السكنية في تل أبيب، وأعدت الوزارة المخطط بالتعاون والتنسيق مع قيادات مجلس المستوطنات، من خلال الترويج لأزمة السكن في تل أبيب ومنطقة الوسط وارتفاع أسعار العقارات والشقق السكنية وكذلك الاكتظاظ والكثافة السكانية، ومن ثم تم استعراض الحلول عبر المخطط الاستيطاني إلى جانب اعتزام الاحتلال وضع مخططات لتسكين ربع مليون مستوطن في هضبة الجولان المحتلة.

الفترة المقبلة ستشهد تحولات دراماتيكية على الأرض، فإذا لم تكن هناك قوة فلسطينية قادرة على الصمود والمقاومة؛ فإن الصفقة ستمحو القضية الفلسطينية بالكامل.

أكَّدَت نتائج الدورة الحادية والعشرين للانتخابات التشريعية (انتخابات الكنيست) في دولة الاحتلال، أن ما يُسمى بــ «اليسار الإسرائيلي» قد انهار تماماً. فالنتائج التي حصدتها تلك الأحزاب والمجموعات المحسوبة على تيارات «اليسار الإسرائيلي» كانت متواضعة جدًّا قياساً بحضور وتأثير وفعالية قوى اليمين واليمين المتطرف، بشقيه: العلماني والتوراتي.

فقد نال حزب العمل «الإسرائيلي» (الماباي) ستة مقاعد بالكنيست بعد أن كان الحزب القائد للدولة العبرية الصهيونية منذ قيامها وحتى 1977. كذلك حزب «ميرتس». عدا عن تراجع حظوظ حزب «راكاح»، الحزب الشيوعي «الإسرائيلي».

البعض في حركة «ميرتس» اليسارية الصهيونية، حمَّلَ فلسطينيي الداخل مسؤولية تردي أوضاع «اليسار الإسرائيلي» ففي إطار لقاء أجرته معه صحيفة «يسرائيل هيوم» يدعي البروفيسور أمنون روبنشتاين، وزير التعليم نيابة عن حزب «ميرتس» في حكومة إسحق رابين في التسعينيات، أن للفلسطينيين دوراً في انهيار «اليسار الإسرائيلي» في الانتخابات. وقال «ساهم الفلسطينيون في هزيمة اليسار، فالحركة الليبرالية في "إسرائيل"، واليسار بشكل خاص، تبنوا مقاربة الأرض مقابل السلام، ورد الفلسطينيون بالأرض ليس في مقابل السلام، وإنما مقابل المزيد من الأرض، وأصروا على حق العودة كأمر مقدس». 

لاحظوا ما قاله أمنون روبنشتاين أعلاه، إنه يطالب الفلسطينيين بالتخلي عن حق العودة وعلى القبول بالصيغ المطروحة «إسرائيليًّا» للتسوية. إن فحوى كلام أمنون روبنشتاين يتقاطع عمليًّا مع سياسات الليكود، وهو ما حدا بالبعض لتوصيف قوى «اليسار الصهيوني» بأنها ليست سوى «الليكود- ب».

حافظ البرغوثي

 

من نفس القسم دولي