دولي

ملف التطبيع للواجهة من جديد

القلم الفلسطيني

كعادتها دائما في بؤرة الأحداث، تقتحم الملفات الشائكة، وتناطح من أجل حقوق الأوطان وقضايا الأمة، وتقف في وجه كل المخططات الهادفة لتجميل صورة الاحتلال المقيتة، إنها المرأة التي أخذت على عاتقها نصرت المظلومين في هذا العالم بغض النظر عن جنسيتها بل آمنت بالحقوق الإنسانية للبشر جميعا، ومن هذا المنطلق كانت الحملة تحت شعار "نساء ضد التطبيع"، وتكمن أهمية هذه الحملة أنها تأتي في خضم موجة عاتية من الهرولة نحو التطبيع، وإقامة علاقات بين الاحتلال والأنظمة العربية في كافة المجالات، والأسئلة التي تطرح نفسها: كيف وصل التطبيع العربي لهذه المرحلة؟ ولماذا انتقل من السر إلى العلن؟ وما هي مخاطر التطبيع على القضية الفلسطينية؟ وهل يمكن مواجهة التطبيع؟

منذ احتلال فلسطين عام 1948م، بدأ الاحتلال الإسرائيلي في محاولات كثيرة لتحسين علاقته مع الدول العربية المجاورة؛ للحفاظ على أمنه من جهة، وتنمية اقتصاده في المنطقة من جهة أخرى، ومحاولة استغلال الموارد العربية الوفيرة، وذلك من خلال رجال الأعمال الذين كانوا يعملون داخل الدول العربية بجنسيات أوروبية وأمريكية، إلا أن زيارة الرئيس المصري السادات للكيان الصهيوني عام 1977م، ومن تم توقيع اتفاق كامب ديفيد بين مصر و(إسرائيل)، شكلت المنعطف الحقيقي نحو التطبيع الرسمي مع الاحتلال، وظلت الشعوب العربية السد المنيع الرافض لكل أشكال التطبيع، وبدأت الكثير من الدول العربية بإقامة علاقات سرية مع الاحتلال الإسرائيلي، ومع انطلاق ما تسمى عملية السلام بدأ مقاومة التطبيع وعزل الاحتلال يتهاوى شيئا فشيئا، وتم الإعلان بشكل خجل عن ارتباط بعض الدول العربية بعلاقات اقتصادية مع الاحتلال، ومع الإعلان عن ما يسمى بصفقة القرن أقدمت أنظمة عربية وإسلامية على خطوات متقدمة للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، ولعل أهم الأحداث التي دقت ناقوس الخطر بأننا أمام حالة من التطبيع العلني الفج هو استقبال رئيس سلطنة عمان السلطان قابوس لنتنياهو، وما تبعها من استقبال السعودية والإمارات لوزيرة الثقافة في حكومته، و الخطوات القطرية والإماراتية باستقبال فرق إسرائيلية ورفع العلم الإسرائيلي وترديد النشيد الصهيوني العنصري على أرضنا العربية، ويتهددنا بالإبادة في عقر دارنا، وزيارة رئيس تشاد إلى دولة الاحتلال بعد 36 عاما من القطيعة، وأخيرا إعلان نتنياهو عن تطبيع العلاقات مع العراق.

ولعل انتقال التطبيع من السر إلى العلن يرجع إلى حالة الوهن والضعف التي وصلت لها الأنظمة العربية، فكانت أداة لتنفيذ كل الأوامر الأمريكية، وهذا ما صرح به الوزير البحريني الأسبق الدكتور علي فخرو؛ حيث قال: إن سبب تحول العلاقات العربية مع الكيان مرده إلى ضغوط أمريكية هائلة على العواصم العربية لإعلان هذه العلاقة وتطويرها، كذلك استخدام القوة النووية الإيرانية كورقة ضغط لإرهاب الدول العربية ودفعها للارتماء في حضن الاحتلال الإسرائيلي، كما ساهمت إقامة بعض الشخصيات الفلسطينية علاقات مع الاحتلال وقادته، في التخفيف من الحرج العربي تجاه الموضوع.

إن أبرز مخاطر التطبيع على القضية الفلسطينية هو ضرب مفهوم التحرير في مقتل، وتجميل وتحسين صورة الاحتلال الدموي، والترويج للاحتلال أنه نموذج حضاري واقتصادي ينبغي علينا التشبه به واللحاق بركبه، وتجريم ثقافة وفكر المقاومة، وربط الاحتلال في أذهان الشعوب أنهم أصدقاء وتربطنا بهم علاقات جيدة، ويمكن الاحتلال من فرض هيمنته على المزيد من الأراضي العربية واستكمال تهويد القدس والضفة المحتلة، والاستيلاء على مزيد من الأراضي، ويمكن الاحتلال من الموارد العربية، وينشط اقتصاد الاحتلال وينميه في مقابل القضاء على الاقتصاد العربي، كما أن للتطبيع آثارًا جمة على الشباب من خلال نشر الانحلال الأخلاقي والانحراف الفكري والثقافي وإسقاطهم خلقيًّا وفكريًّا وثقافيًّا.

هناك الكثير من الطرق التي يمكن بها مواجهة التطبيع، ولعل حركة المقاطعة العالمية أبدت بعض النجاحات في اتخاذ مواقف جادة من الاحتلال خاصة في المجال الاقتصادي والأكاديمي، إلا أننا بحاجة إلى الإرادة السياسية والتأييد الشعبي لمواجهته، ولعل نموذج مهاتير محمد في ماليزيا والذي تحدى اللجنة الأولمبية الدولية عندما الذي رفض منح رياضيين إسرائيليين تأشيرة لدخول بلاده، للمشاركة في بطولة دولية للسباحة 2019، باعتبار ذلك خرقًا لمبادئ السياسة الماليزية، وأن هذا قرار الشعب الماليزي وهو يحترمه، وإعلانه أن بلاده لن تستضيف أي فعاليات في المستقبل تشمل (إسرائيل) أو ممثلين عنها، وأن القضية الفلسطينية بالنسبة لبلاده ليست قضية دينية فحسب؛ وإنما حقوق إنسان مغتصبة.

كما أن موقف رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم برفض كل أشكال التطبيع معللا ذلك بأنه خيانة والتفاف على قضية الأمة الأولى وهي فلسطين يعكس أن الإرادة السياسية هي النقطة المركزية في نجاح الحد من الهرولة نحو التطبيع.

لذلك علينا الاجتهاد ببرامج توعوية تشمل كل الشعوب العربية للتحذير من مخاطر التطبيع ليس على القضية الفلسطينية وحدها؛ وإنما على تطور وتنمية الدول العربية ومقدراتها.

نهال صلاح الجعيدي

 

من نفس القسم دولي