دولي

نتنياهو أداة الاستيطان في الضفة الغربية

قبل كل مفاوضات ائتلافية، منذ تشكيله حكومته الثانية في العام 2009، وصولاً إلى فوزه في الانتخابات العامة 2019، سطّر بنيامين نتنياهو مسيرة متسارعة من الاستيطان، وإن كانت تسير على ذات نهج أسلافه سواءً من الليكود أو العمل، لكنّ حقيقة وجوده على رأس هرم السلطة التنفيذية في الكيان، يدفع الباحثين لدراسة سلوكه الاستيطاني، فكراً، سلوكاً ودوافع.

وفق تقرير لمؤسسة "السلام الآن"، فقد تم بناء قرابة 20 ألف وحدة استيطانية زمن بنيامين نتنياهو، خلال ولاياته الثلاث الأخيرة، أي في العقد الأخير منذ العام 2009، وفي عهده أيضاً، 130 ألف مستوطن إضافي سكنوا في مستوطنات الضفة الغربية، في مُعطيات تُؤشر إلى أنّ الرجل كان جيداً للمشروع الاستيطاني، وللمستوطنين.

السؤال أين كان تركيز عمليات البناء؟ وفق التقرير فقد كان 70% من مشاريع البناء تلك، أي بمعدل 14 ألف وحدة استيطانية، في المستوطنات العشوائية المعزولة، بمعنى تلك التي لا تزال لا تحظى "بشرعنة إسرائيلية"، وتم بناؤها دون موافقة برلمانية، لكنّها تنال دعما حكوميا وفي طور حصولها على اعتراف رسمي.

المُلفت وفق ما ذكره التقرير، أنّ 2100 وحدة بدأ بناؤها في العام 2018، بزيادة 9% عن المتوسط منذ العام 2009، وفي هذا مؤشر على أنّ رغبة نتنياهو في إرضاء حزب البيت اليهودي سابقاً، والذي أصرّ على مضاعفة عمليات الاستيطان، كان هو الهدف الأهم لنتنياهو من أجل استمرار حكومته، وضمان استمرار دعم المستوطنين، خاصة مع اقتراب الانتخابات التي انتهت بفوز اليمين قبل أيام من الآن.

إلى جانب ذلك، مئات من المؤسسات العامة تم بناؤها أيضاً، (مدارس، روضات، دور عبادة وأخرى)، ثمانٍ منها كانت في البؤر الاستيطانية، 184 بناء صناعي وزراعي، 39% منها في بؤر استيطانية، كحفات جلعاد وغيرها.

في العام 2018، وصل عدد الوحدات الاستيطانية التي قدمت مخططات لبنائها، إلى نحو 5618 وحدة، 83% منها، في المستوطنات خارج التجمعات الاستيطانية الكُبرى، وهو ذات المُعطى الذي يؤشر إلى السعي الدؤوب لمجلس الاستيطان، بانتهاز كونه بيضة القبان في الحكومات الإسرائيلية الأخيرة، من أجل تحويل كلّ المستوطنات، إلى تجمعات استيطانية ذات ثقل.

مع قرابة 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس، يزداد ثقل المستوطنين مع تدحرج عجلة الزمن، وبعدما كان الاستيطان رؤية استراتيجية إسرائيلية وفق احتياجات أمنية، ازداد مؤخراً ليُصبح ضمن دائرة الأيدولوجيا والدين، والبعد الديموغرافي، ومساحة لحل أزمة السكن في الداخل المحتل.

وفق النتائج الأخيرة للانتخابات الإسرائيلية، أصبحت كل الأحزاب الصغرى بيضة قبان، ودونها لا يُمكن تشكيل حكومة، الأمر الذي سيجعل حزب "اتحاد اليمين" بزعامة الصهيونية الدينية والمستوطنين، تُحدد تسارع عجلة الاستيطان، الأمر الذي سيعني أنّنا أمام الموجة الأكبر في التاريخ الاستيطاني للدولة العبرية.

لن تتوقف عجلة الاستيطان على المزيد من البناء، سواءً في المستوطنات الكُبرى أو العشوائيات، إنّما ستشهد المرحلة القادمة وبشكل عملي، ضم للتجمعات الاستيطانية، التي بات يسري عليها، بعض قوانين دولة الاحتلال، الأمر الذي سيساهم هو الآخر، بالبدء عملياً، بتسوية أمر المستوطنات العشوائية، وزيادة دعمها تمهيداً لضمها هي الأخرى.

أمام اليمين الإسرائيلي، وخاصة الصهيونية الدينية، تُدرك أنّها الفرصة الأعظم، للمسارعة في تحقيق الأحلام الصهيونية الدينية، وإن كان ذلك لا يعني أنّ غير تلك التيارات لم يكن يسير بنفس دائرة الاستيطان، لكنّ الموجة القادمة هي الأصعب والأسرع، في ظل يمين متدين، مدعوم من نظام أمريكي إنجيلي.

ثم جاءت "لحظة الذروة" في نضال الأسرى الفردي الناتج عن حل التنظيم، وهي قيام الأسير الحمساوي إسلام وشاحي من مخيم جنين في يوم 24-3 بطعن ضابط وشرطي في قسم 4 الممتلئ بأجهزة التشويش الضارة والتي أراد بها وزير الأمن الداخلي أردان وبدوافع عنصرية وانتقامية منع الأسرى من التواصل مع ذويهم وأهلهم، فما كان من سلطات الاحتلال إلا أن استدعت قوات النخبة وجيشها المهزوم كقوات جفعاتي ليس للسيطرة الأمنية على الأسرى -فقد تمت بالفعل-، بل للانتقام الغريزي والهمجي من كل الأسرى، فبدأت القوات بالنداء واستدعاء قادة الأسرى بالاسم وهم مقيدون ثم أطلقوا النار عليهم وضربوهم كما حدث مع مسؤول حماس في النقب المهندس سلامة قطاوي ونائبه مصعب أبو شخيدم وأمير قسم 4 أحمد الصيفي. 

إلى جانب "ذروة النقب" النضالية كان العالم على موعد مع لحظة تاريخية من لحظات نضال الشعب الفلسطيني وقمة أخلاقية جديدة، وقد تكون غير مسبوقة من قمم دفاع الشعب عن أسراه حيث قامت أذرع المقاومة الفلسطينية في غزة، ونتيجة خطأ مبارك ومشرف وبشكل فوري وأثناء سيلان دماء أسرى قسم 4 في النقب نتيجة قمعهم في ليلة باردة ومطيرة في عراء صحراء النقب القاحلة بإطلاق صاروخ طويل المدى من فخرالصناعات الفلسطينية العسكرية إلى قلب الاحتلال شمال تل أبيب، وذلك على الرغم مما قد يعنيه ذلك من دخول حرب عسكرية واسعة وباهظة التكاليف ضد قطاع غزة المحاصر والمكلوم، حينها وحينها فقط أدرك نتنياهو أن قرارات أردان ضد الأسرى قد تهدد مستقبله السياسي قبيل انتخابات الكنيست بتاريخ 9-4-2019، فقرر البدء بخطوات التراجع عن الهجمة ضد الأسرى، ومن أهمها تنحية الوزير اردان عن التعامل مع ملف الأسرى ومتابعته له شخصياً وما بعد ذلك كله تفاصيل على أهميتها.

لم تقتصر لحظة الوفاء الفلسطيني للأسرى على صواريخ "تل أبيب الخاطئة"؛ بل تعدتها لتشمل ممارسة ضغوط سياسية كبيرة لتحقيق مطالب الأسرى العادلة، وقد أشرف عليها وتابعها شخصيا وأولا بأول رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية إلى جانب أعضاء القيادة روحي مشهى وموسى دودين، حيث تم نقل رسائل واضحة لا تقبل التأويل لحكومة إسرائيل من خلال الإخوة المصريين أنه لا يمكن تحقيق التهدئة مع غزة دون وقف الهجمة الشرسة على الأسرى، الأمر الذي زاد من أزمة نتنياهو وعزز من معضلته، ودفعه باتجاه الاستجابة لمطالب الأسرى العادلة والإنسانية.

اضطرت إدارة السجون وبتوجيهات من مكتب رئيس الوزراء نتنياهو للدخول في حوار مع قادة الأسرى المجتمعين في قسم 4 رامون وعلى رأسهم رئيس هيئة حماس محمد عرمان ورئيس هيئة الجهاد زيد ابسيسي والمصرِّين بذكاء للدفاع عن أنفسهم وإلغاء كافة الإجراءات القمعية ضدهم، وتمكينهم من معالجة شرارة الأزمة من خلال تمكين الأسرى من التواصل الإنساني مع عائلاتهم وقد تم ذلك إلى حد كبير، ولكن ليس قبل سبعة أيام من إعلان الأسرى لبدء معركة الإضراب المفتوح عن الطعام، حيث وافقت حكومة الاحتلال على العديد من المطالب ومن بينها ما كانت تعتبره "لعنصريتها المعهودة" محرما على أسرى فلسطين الامنيين، مباحا على الأسرى الجنائيين من كل جنس، وهو تركيب هواتف عمومية داخل الأقسام، و ليحقق الأسرى بذلك مطلبا تاريخيا عادلا بذلوا من أجله الكثير كإضراب 2017 الشهير بقيادة المناضل مروان البرغوثي.

عماد أبو عوّاد

 

من نفس القسم دولي