دولي

نظرة عين الطائر إلى نتائج انتخابات الكنيست

القلم الفلسطيني

من نظرة خاطفة وكاشفة (نظرة عين الطائر، كما يقال)، يمكن القول، وبما يلزم من الحذر، إن هناك ستة أسباب رئيسة تفسر، بتداخلها وتقاطعها، نتائج تصويت الفلسطينيين داخل إسرائيل في الانتخابات البرلمانية، والتي أجريت في 9 إبريل/ نيسان الحالي، وهي: 

أولا، القائمة المشتركة: على علاّتها، وعلات أدائها خلال السنوات الأربع المنصرمة، كان للقائمة المشتركة قوة جذب للناخب الفلسطيني، لا يجوز إنكارها أو التقليل منها. والدليل القاطع والساطع على ذلك ذو شقين: ارتفاع نسبة التصويت بعيد تشكيلها عام 2015 لتصل إلى حوالي 64%، وتدني النسبة إلى ما دون 52% بعد تفكيكها وانفراط عقدها. 

لقد عوّل فلسطينيون كثيرون، داخل إسرائيل وخارجها، على القائمة المشتركة، وتوقعوا منها الكثير، فإضافة إلى تعزيز وحدة التمثيل البرلماني، توقعوا منها زخماً في النضال، ودقة في التصويب نحو الأهداف الرئيسية، كما توقعوا إنجازاتٍ ميدانيةً وبرلمانيةً مناسبة ولافتة، غير أن الإنجازات كانت ضحلة (أقل ما يقال)، بينما الصراعات من الداخل كانت ناخرة، كالسوس في الخشب، وبلغت أوجها فيما أصبح يعرف بأزمة التناوب، أو فضيحة التناوب. ولكن، وعلى الرغم من كل تلك الأزمات والعلات، أراد كثيرون للقائمة المشتركة أن تستمر وأن تنضج، لتتعلم من التجربة، وأن تحاول استخلاص ما أمكن وما وجب من العبر. ولكن رياح  الصراعات بين المركبات وحولها، بين الأحزاب المكونة وحولها، كانت عاتية، فانفرط العقد في مارس/ آذار 2019، وخاب، تبعاً لذلك، أمل الكثيرين، فعزف بعضهم عن التصويت احتجاجاً. 

ثانياً، لأسباب عديدة لا مجال لحصرها هنا، وإن كان بؤس أداء القائمة المشتركة خلال السنوات الأربع الماضية واحداً منها، اتسعت الهوة، عبر السنين، بين الأحزاب العربية الفاعلة والمؤثرة والجماهير التي تدّعي تمثيلها، أو ما يسمى مجازاً "نبض الشارع". لقد أصبح نشاط قادة الأحزاب وكوادرها الفاعلة أكثر نخبويةً، وأكثر استعلاءً، وأكثر وصايةً مما كان عليه. كما احتدّت نبرة المناكفات بين الأحزاب التي تنضوي في القائمة المشتركة. وفي المقابل، أهمل الميدان عملاً وتنظيماً، وإلى حدّ بعيد. وخير دليل على هذا الإهمال ذلك النقص المُفزع في عدد المشاركين في المظاهرات الاحتجاجية ضد قانون القومية، والذي يُشرعن التفوق العرقي والتمييز العنصري في الدولة. كما تجلت نخبوية الأحزاب، وما اقترن بها من إهمال العمل والتنظيم الميداني، في انتخابات السلطات المحلية التي أجريت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. في تلك الانتخابات، غابت القائمة المشتركة تماماً، بينما علا صوت "القبيلة" (العائلة والحمولة). وفي تلك الانتخابات أيضا، كانت الأحزاب في هامش الهامش وذيل الذيل، وضاع صوتُها الخافت وسط الضجيج. 

ثالثاً، غرابة التحالف، في نظر كثيرين، في كل من القائمتين الرئيستين اللتين تناسلت عنهما القائمة المشتركة بعد انشطارها: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة/ الحركة العربية للتغيير، والتجمع الوطني الديمقراطي/ القائمة العربية الموحدة. والأغرب من ذلك، في نظر كثيرين أيضا، هو التحالف على أساس الندّية في الحالتين المذكورتين، فهناك من الناخبين المحتملين، أو حتى من كوادر الأحزاب ذاتها، من رفض أو استهجن هذا التحالف أو ذاك، إذ كان يؤثر أو   (العائلة والحمولة)" يتوقع تحالفاً مغايراً (مثلا، بين الجبهة والتجمع بدلاً عن الجبهة والعربية للتغيير)، وهناك من غضب ونفر من مبدأ الندّية في هذا التحالف أو ذاك (مثلا، الندّية بين الجبهة والعربية للتغيير).

رابعاً، وكان لتردّي الوضع الفلسطيني عموماً أثر وانعكاس سلبيان غير خافيين، فلا السلطة الوطنية، ولا منظمة التحرير، ولا حركة فتح أو "حماس" أو غيرهما من الفصائل الفاعلة والمؤثرة، أسمعت صوتاً واضحاً وصريحاً ينادي بأهمية التمسّك بالوحدة أو يهيب بالتصويت لإحدى القائمتين أو كلتيهما. والأنكى من ذلك ما كان لمثل هذا الصوت، لو صدر، أن يؤثّر جدّياً على نسبة التصويت، أو الإبقاء على القائمة المشتركة أصلاً. وهذا يدل، إن دلّ على شيء، فعلى وهن الوضع الفلسطيني ورداءته عموماً. وبسبب هذا الوهن، وتلك الرداءة أيضأ، لم تحتل القضية الفلسطينية المرتبة التي نقول إنها تستحقها على سلم أولويات القائمتين الرئيستين المتنافستين في إسرائيل اليهودية، قائمة الليكود التي يرأسها نتنياهو وقائمة "أبيض – أزرق" التي يرأسها الجنرال غانتس. أما الصوت الأفصح والأوضح والأعلى والأنقى فكان لدعاة المقاطعة مبدئياً، أو من باب الاحتجاج على سلوك الأحزاب خلال السنوات الأربع الماضية. 

خامساً: كان التنافس الرئيس في إسرائيل اليهودية بين قائمتين يمينيتين، واحدة تنعطف نحو المركز والثانية نحو اليمين المتطرّف، سبباً إضافياً في العزوف عن المشاركة في الانتخابات. ندرك الآن جيداً أن هذا التنافس بين اليمينيْن، الناعم والخشن، قد أدّى إلى تداعي معسكر اليسار/ الوسط (ممثلاً بحزبي ميرتس والعمل). أما فيما يخص الفلسطينيين داخل إسرائيل، فقد أثار هذا التنافس نوعين من الأسئلة أو التساؤلات، وكان لكل نوع منهما تبعاته السلبية على القائمتين: هناك من سأل أو تساءل: إذا كان التنافس بين اليمين واليمين، فلماذا أشارك في عملية التصويت، وأنا أعرف مسبقاً أن مجال تأثير هذه القائمة أو تلك سيكون محدوداً للغاية؟ ولم تُجدِ في هذا الصدد صرخات أو صيحات التخويف من خطر غلبة اليمين المتطرّف، تلك الصرخات التي صدرت عن أكاديميين وإعلاميين وسياسيين كثر. بكلمات أخرى، على خلفية التنافس بين اليمينين، الناعم والخشن، أصبح الحديث عن "كتلة مانعة" تشارك فيها القائمتان شططاً من أحاديث الأولين، وذلك في نظر ناخبين كثيرين عزفوا عن التصويت. وهناك من سأل أو تساءل: إذا كان التصويت لإحدى القائمتين يساعد حقاً في تشكيل كتلة مانعة تسدَ الطريق على نتنياهو وحلفائه، وتحبط سعيهم إلى تشكيل الحكومة المقبلة، فما الفرق، إذن، بين التصويت لإحدى القائمتين الفلسطينيتين والتصويت مباشرة لحزب صهيوني (ميرتس أو العمل أو حتى أبيض – أزرق) ؟ هنا يكمن التفسير، ولو الجزئي، لتصويت ما لا يقل عن 30% من الناخبين الفلسطينيين لصالح أحزاب صهيونية، وخلافاً لما كان عليه الحال عام 2015، علما أن حوالي ثلثين من هذه الأصوات كان لصالح القوائم الصهيونية الثلاث المذكورة هنا.

سعيد زيداني

 

من نفس القسم دولي