دولي
المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج وقفة مراجعة وتقييم
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 19 فيفري 2019
تمر هذه الأيام ذكرى مرور عامين على إطلاق “المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج” الذي شارك في تأسيسه نحو ستة آلاف فلسطيني، جاؤوا من مختلف بقاع العالم إلى إسطنبول، حيث اجتمعوا في 25/2/2017؛ مؤكدين على الارتباط المقدس لنحو ستة ملايين ونصف مليون فلسطيني بفلسطين، ومعبرين عن تطلعات الشعب الفلسطيني في الخارج في تحرير فلسطين من نهرها إلى بحرها، وفي عودة اللاجئين إلى بيوتهم وأراضيهم التي أخرجوا منها.
سعى القائمون على المؤتمر الشعبي إلى إنشاء هيئة شعبية مدنية مستقلة، غير حزبية، تقوم بتحشيد واستيعاب وتأطير مختلف قوى وشرائح الشعب الفلسطيني، وتطلق طاقاتهم بشكل منظم فعال في كافة جوانب العمل الشعبي، وبما يسهم في إيجاد بيئة صحية ناضجة تشارك في مجالات العمل الوطني، وصناعة القرار الفلسطيني، وتدعم صمود الشعب الفلسطيني في الداخل. وفي الوقت نفسه، فإنه وإن كان للمؤتمر مهمة سياسية فهو ليس حزباً سياسياً، ولا يخضع للمحاصصات والحسابات الحزبية، وليس لرموز وقيادات الفصائل حضور فيه، وإن كان المجال مفتوحاً للأشخاص من مختلف التوجهات أن يشاركوا كأفراد، دون أن يكونوا ممثلين لفصائلهم. والمؤتمر كذلك، وإن كان يسعى لخدمة الشعب الفلسطيني، إلّا أنه ليس مجرد جمعية خيرية.
وقد شكلت عملية إطلاق المؤتمر دفعة معنوية كبيرة للقائمين عليه؛ نظراً للمشاركة الواسعة ولنوعية الحضور المميزة التي شهدها المؤتمر. فألقيت في الافتتاح كلمات لشخصيات كان لها مواقعها في منظمة التحرير أو في السلطة الفلسطينية مثل عبد المحسن القطان، وأنيس فوزي قاسم، وسلمان أبو ستة، ومنير شفيق، وفؤاد بسيسو؛ بالإضافة إلى مشاركة مجموعة كبيرة من الشباب الفلسطيني الواعد.
أجمع المشاركون على ضرورة إنشاء هذا المؤتمر في ظلّ تراجع وتدهور منظمة التحرير الفلسطينية وتعطّل مؤسساتها في الخارج، وغيابها طوال 25 عاماً عن فلسطينيي الخارج وهمومهم، وعدم تجديدها لِبُنَاها التشريعية والقيادية، وهيمنة فصيل واحد عليها، مع غياب أو تغييب قوى فاعلة وذات حضور شعبي واسع عن العمل والمشاركة في أطرها.كما لاحظوا من ناحية ثانية، حالة الضعف والانزواء التي تشهدها الاتحادات والنقابات الفلسطينية في الخارج وفشلها في تمثيل وتفعيل أبناء شعبها في مجال عملهم واختصاصهم.
ومن ناحية ثالثة، نبهوا إلى خطورة المرحلة وما يحاك ضد قضية فلسطين، ومحاولة طي ملفها، وتضييع حقوق الشعب الفلسطيني والعبث بثوابته، وعلى رأسها حقه في تحرير كامل أرضه ومقدساته، وفي سيادته عليها، وحقه في العودة؛ وبالتالي ضرورة استنهاض وتحشيد كافة قوى الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج مدعوماً بأمته العربية والإسلامية، وبأحرار العالم، لمواجهة المشروع الصهيوني، وكل المشاريع التي تستهدف تصفية قضيته.
ولذلك، كان ثمة إدراك عميق بضرورة وأهمية استعادة فلسطينيي الخارج لدورهم الأساس في المشروع الوطني الفلسطيني، والحفاظ على الثوابت. ولم يكن ذلك جديداً ولا غريباً عن دورهم الرائد منذ نكبة 1948 وكارثة 1967. فإنشاء الفصائل الفلسطينية الرئيسية وقيادتها كانت على أيديهم، وإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها كانت على أيديهم كذلك، وقيادة المقاومة والعمل العسكري المقاوم، والمشروع الوطني الفلسطيني منذ 1948 وحتى 1993 كانت على أيديهم، وهو ما ينطبق على الاتحادات والنقابات الطلابية والمهنية والشبابية والنسائية. فحيثما كان الاحتلال الصهيوني يجثم على صدر الداخل الفلسطيني، ويمنع القدرة على العمل والمقاومة ويسحقها، كان الخارج يقوم بواجباته ومسؤولياته، فيتولى المبادرة، ويمدّ إخوانه وأهله في الداخل بعناصر الصمود والقوة والثبات.
أما بعد اتفاقات أوسلو 1993، فإن قيادة المنظمة والسلطة الفلسطينية تتحمل وزر تغييب فلسطينيي الخارج، وتقزيم أدوارهم، وتعريض حقوقهم وثوابتهم للخطر والضياع.
وككل المشاريع الكبيرة التي تواجهها العقبات والصعوبات، فإن هناك أسباباً ذاتية وأخرى موضوعية تجعل المنجز دون طموح القائمين على المشروع.
ومن الأسباب الذاتية أن هذا المشروع شاركت فيه شخصيات بخلفيات سياسية شتى، وجاؤوا من بيئات جغرافية متنوعة، ولديهم درجات متفاوتة من الرؤى والطموح، ودرجات متفاوتة من الاستعداد للعمل، ولديهم وجهات نظر متنوعة حول أولويات المرحلة وطرق الوصول إلى الأهداف؛ فهناك من يحاول تجميع الجهود باتجاه انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير، وهناك من يحاول تركيز الجهود باتجاه دعم الداخل الفلسطيني وانتفاضته لدحر الاحتلال؛ وهناك من يرى أولوية تفعيل الجاليات والنقابات والاتحادات المهنية، وتعبئة الشعب الفلسطيني في الخارج للحفاظ على الثوابت وعلى رأسها حقّ العودة؛ وهناك من يحاول المزج بين هذه النقاط. وقد انعكس ذلك على عملية بناء التصورات والخطط والمسارات، التي احتاجت وقتاً غير قصير من النقاش والتداول في أروقة الأمانة العامة والهيئة العامة للمؤتمر.
ولعل حاجة المؤتمر، من ناحية ثانية، إلى مزيد من الرموز والشخصيات الفاعلة في أوساط الجاليات الفلسطينية تضاف إلى العوامل الذاتية. كما أن ضعف الإمكانات المالية وقلة المتفرغين لهذا العمل، تضاف إلى العوامل المعوِّقة لقدرة المؤتمر على الانطلاق والتوسع السريع.
أما العوامل الموضوعية فلها تأثير كبير في عملية التعويق. ولعل أولها أن أعضاء المؤتمر منتشرون في الخارج في أرجاء الكرة الأرضية، من أستراليا إلى الأمريكيتين الجنوبية والشمالية. وبالرغم من توفر وسائل التواصل عبر الانترنت، إلا أن الكثير من القضايا التي تحتاج نقاشاً معمقاً خصوصاً في مرحلة التأسيس، تستدعي الحضور والاجتماع، وهو أمر يستهلك المال والجهد، ولا يمكن أن يتم إلا بضع مرات في السنة، وعلى مستوى الأمانة العامة.
أما من الناحية أخرى فإن البيئة العربية الرسمية، وحيث يتواجد الثقل الشعبي الفلسطيني، هي بيئة ذات سقف سياسي منخفض وذات بيئة حريات منخفضة؛ وهي في الوقت نفسه بيئات تتعامل إما بخصومة أو بحذر مع التيارات المؤيدة للمقاومة أو تيارات “الإسلام السياسي”؛ وهي بيئات متساوقة مع مسارات التسوية السلمية، ولا ترغب في إغضاب قيادة فتح والمنظمة، كما لا ترغب في إغضاب الأمريكان. وبالتالي؛ فإن سقف عمل المؤتمر الشعبي يظل محدوداً في هذه البيئات، التي يعيش فيها أكثر من 80% من فلسطينيي الخارج. ويكون تفعيل الجاليات وإعادة تنظيم وتنشيط الاتحادات والنقابات، وأوجه النشاط السياسي والإعلامي والتعبوي محكومة بسقف النظام وشروطه. ومع ذلك، فإن هناك مجالات لعمل معقول، وإن بدرجات متفاوتة، في عدد من البلدان العربية كلبنان وقطر والكويت والأردن وفي بلدان إسلامية كتركيا وماليزيا، وفي معظم بلدان العالم الغربي.
أما وقد مضى عامان على المؤتمر، وقد استقر بنيانه، ونضجت إلى حدّ كبير تصوراته ومساراته؛ فإن العمل الرتيب لم يعد كافياً، حتى لا يتسرب الإحباط والضعف في نفوس المشاركين. وآن الأوان لانطلاقة قوية ممنهجة، تتعامل بواقعية مع الحقائق على الأرض، ولكن لديها من الإرادة والطموح، والقدرة على المبادرة، وتحمل الأعباء ودفع التكاليف، بما يكفي لتجاوز العقبات، وتحقيق نتائج ملموسة، تكون حافزاً للكفاءات والخبرات والطاقات المذخورة في الشعب الفلسطيني للانضمام للمسيرة ودعمها. كما لا بدّ من طمأنة المتشككين والمترددين قولاً وعملاً، من أن هذا الإطار ذو أجندة وطنية خالصة، ومفتوح للجميع ومنفتح على الجميع، وليس بديلاً عن أحد، ولكنه إطار جامع لإطلاق طاقات الشعب الفلسطيني في الخارج والمحافظة على ثوابته.
محسن صالح