دولي
صفقة القرن.. وسلوك السلطة الفلسطينية
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 17 فيفري 2019
منذ أن بدأ الحديث عن نية أمريكية في فرض وقائع جديدة في الشرق الأوسط، أُطلق عليها اسم صفقة القرن، وبعد اتضاح بعض معالمها، سواء أكانت صفقة أم توجهات عملية على الأرض، أبدت السلطة الفلسطينية رفضها للمساعي الأمريكية، ورفعت الصوت عالياً في وجه ترمب بعد قراره نقل السفارة الأمريكية للقدس.
أمام هذه الخطوة الخطيرة، كان من المتوقع أن تذهب السلطة الفلسطينية بعيداً في المصالحة الفلسطينية، الأمر الذي لم يكن، بل على العكس من ذلك، فقد بدأت ملامح الانقسام المتمترس في أرضه، تتحرك لكن باتجاه انفصال كامل ما بين جناحي الوطن.ما بين التصريح والسلوك على الأرض، يجد المتابع نفسه أمام حقيقة أنّ السلطة الفلسطينية، تُساهم بشكل فعّال في تمرير ذلك الانفصال، الذي سيكون حجر الأساس في تطبيق الرؤية الأمريكية، التي ستحول غزة إلى دويلة، فيما ستجعل من الضفة أشلاء ممزقة تحت مسمى سلطة أو حكم ذاتي.
قد يكون من الصعوبة بمكان الحكم على النوايا، ففي الوقت الذي رحب الجميع برفض السلطة لصقة القرن، فإنّ الجميع بات يُشكك بأنّ ممارساتها على الأرض، بالفعل تُساهم بهذا الاتجاه، سواء قصدت السلطة ذلك أم لم تقصد، لكنّها تُقدم خدمة عظيمة للرؤية الأمريكية، التي سيكون لظاها الأشد موجهاً للضفة الغربية، مكان تواجد السلطة الفلسطينية.إنّ ما ذهبت إليه السلطة الفلسطينية مؤخراً، بالاستمرار في سلسلة قطع رواتب الموظفين العموميين في غزة، هو بالتأكيد لن يكون إلّا في اتجاه المزيد من الضغط على غزة، ليس باتجاه تحقيق المصالحة الفلسطينية، التي بات من المعلوم أنّ اطرافاً دولية وإقليمية وبما في ذلك "إسرائيل" ستمنع تحققها، بل باتجاه أن تتحمل غزة عبء نفسها بنفسها، وهو أحد المحركات الرئيسة لتبدأ سلطة غزة، فهم الواقع الجديد، الذي يُحتم عليها العمل بشكل منفرد، لتحقيق اتفاقات وتفاهمات تُفضي لتكون غزة المسؤولة عن معابرها وجباية مقاصتها، وبالتالي الوصول إلى حلول تلبي الطموح الإسرائيلي، بدويلتين فلسطينيتين، لشعب واحد مشتت في أصقاع الأرض.
قبل نحو شهرين من الآن، قرأت لعضو الكنيست عوفير شلح، مقالاً مهما حيال الرؤية الإسرائيلية للتغيرات في المنطقة، عند تعليقه على نية الولايات المتحدة سحب قوّاتها من سوريا، أشار إلى أنّ الولايات المتحدة تجاهلت مصلحتها أمام المصلحة الإسرائيلية، وأكد أنّ "إسرائيل" تعي ذلك، بما في ذلك رئيس وزرائها، لكنّه لا يملك ما يستطيع تغيير اتجاه رياح هذا القرار الأمريكي.فإذا كانت "إسرائيل" التي تحظى بهذا القرب الكبير من صانع القرار الأمريكي، والتي تُعتبر ربيبتها في المنطقة، لم تستطع أن تُسيّر الرياح كلّها وفق رغباتها، فإنّ الطالع ينبئ أنّنا أمام مجزرة قادمة أكثر ضراوة بحق القضية الفلسطينية، ليس من حق من ساهم فيها أن يصرخ رافضاً لها، وأن يتباكى على أطلالها.
إنّ السوك العام في الإقليم والمنطقة، لم يعد يعر أي اهتمام للواقع الفلسطيني في الضفة الغربية، بل إنّ مسيرة التطبيع، وغض الطرف عن الاستيطان، وتهويد القدس والمقدسات الفلسطينية، فقد وقعه في آذان من صدّعوا رؤوسنا داعمين لنا ولحقنا الشرعي، في أرضنا ومقدساتنا، مدينين الاستيطان ورافضين العلاقة مع الاحتلال، إلّا بحل عادل لأقدس قضايا الأرض.أمام تغييرات كبيرة، تمثلت قبل كل شيء، بمجيء رئيس أمريكي صريح لحد الوقاحة، فهو فقد الدبلوماسية في التعامل، لن يطلب من العرب عطايا بالأدب الأمريكي المعروف، ولم يعد ينصحهم بضرورة التطبيع مع الاحتلال، بل بات يعتبر ذلك حقّ طبيعي، فقد أظهر سطوة السيد تجاه العبيد، الذين لن يستطيعوا قول لا.
إنّ السلطة الفلسطينية، في ظل الواقع الصعب المتردي، وفي ظل بلع ما تبقى من القضية الفلسطينية، عليها أن تلتحم بشعبها أكثر، وأن تكون أكثر صراحة معه، ولن أقول عليها بالذهاب بمصالحة مع الشق الآخر في الوطن، لأنّ ذلك بات يبدو مستحيلاً.
منذ "نكسة حزيران" عام 1967، بدأ الاحتلال تنفيذ مخططاته التهويدية التوسعية على كامل الأرض الفلسطينية، وهيأ الضفة الغربية لتكون مستوطنة كبرى تضم عتاة المستوطنين المتطرفين، وسن أسوأ القوانين التي تضيّق الخناق على الفلسطينيين، وحوّل 60% من مساحة الضفة إلى أراض ممنوع استثمارها أو الاستفادة منها من قبل أصحاب الأرض، وفعلاً نفذت أدوات «إسرائيل» مئات عمليات الهدم في هذه المناطق، وهجرت قرى، وحطمت عائلات، وما زالت تمارس أبشع خططها.
قبل أيام قليلة، أحيا «الإسرائيليون» وثيقة استيطانية تدعو لحقن الضفة بمليوني مستوطن، والعمل على إحلالهم، وهذا يعني زيادة عمليات اقتلاع الفلسطينيين، ومضاعفة التنكيل الذي يتعرضون له جراء اعتداءات قطعان المتطرفين المتفاقمة، ما يعني نكبة جديدة على من بقي في الأرض المحتلة، وتهجيرهم وممارسة التطهير العرقي بحقهم.هذه الوثيقة ليست شيئاً عابراً؛ إذ إن من وضع فصولها إسحاق شامير الذي ترأس حكومة الاحتلال لدورتين في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ولكن من سار على نهجها وأعاد طرحها من جديد، هم من أعلى الهرم العصابي الحاكم في «إسرائيل» الآن، فوقّع عليها أعضاء «كنيست» ووزراء، كما تظاهر «إسرائيليون» أمام بيت بنيامين نتنياهو لتطبيقها على أرض الواقع، وهو يدل على أن الأوضاع تسير للأسوأ، خاصة أن نتنياهو سيخضع لهذه الضغوط لتحصيل تفوق في الانتخابات المقبلة، فهو يعلم يقينا أنه كلما أوغل ضد الفلسطينيين فإن حظوظه سترتفع.
وجاء في الوثيقة تعهد خطير، كتب فيها: «أتعهد بأن أكون مخلصاً لأرض «إسرائيل»، وعدم التنازل عن أرض الأجداد والآباء، كما أتعهد وألتزم بالعمل على تحقيق خطة تسوية؛ لتوطين مليوني يهودي بالضفة الغربية»، وهو يعني أن الفتات المتبقي من الأرض الفلسطينية، يقع ضمن الخطة الصهيونية، التي تسعى لاستعادة ما يسمى زورا «أرض الآباء والأجداد»، وهذا الذي يفسر زيادة وتيرة الاستيطان ومضاعفة التهويد وقلع الوجود الفلسطيني. ومن هذا المنطلق فإن أي حديث «إسرائيلي» حول سلام أو حل الدولتين هو ضرب من العبث، ومجرد ذر الرماد في العيون، ومحاولة لكسب الوقت، فعلى الأرض ما يكذب زيفهم، وادعاءاتهم.
وبالتالي، فإن المناداة بما يسمى «تسوية عادلة»، ودعوة الاحتلال إلى الخضوع لها، تضييع للوقت، والجهود. فالسلام مع الاحتلال لا يمكن أن يتحقق، ومن ينادي به فهو يحلم، والأحلام هي أمنيات خيالية لا وجود لها على الواقع، فالسلام بالنسبة له، هو تحقيق نبوءة «إسرائيل» الكبرى» على الأرض العربية من النيل إلى الفرات، وما دون ذلك فهم يرون أنهم في خطر داهم.
عماد عواد