دولي

أملاك الغائبين في فلسطين وقانون القومية ومسار التهجير

القلم الفلسطيني

...واللافت أن تطبيق قانون أملاك الغائبين الذي اقٌره الكنيست الإسرائيلي بدأ يسري أيضاً على أملاك تعود إلى الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية، فقد خضع لتعديلاتِ عديدة لضم أكبر قدر مُمكن من الأراضي والعقارات لصالح المشروع الاستيطاني والتوسعي في الأراضي المحتلة، وكان جديد هذه التعديلات في 2004، حيث أصدرت الحكومة الإسرائيلية آنذاك تعديلا يُتيح للشخص القيم والمسؤول على أملاك الغائبين (موظف تابع لوزارة المالية الإسرائيلية) بأن يتصرّف في هذه الأملاك، ويبيعها لما تسمى إسرائيليًا "سُلطة التطوير" المُنضوية تحت جناح ما تسمى دائرة أراضي إسرائيل. وبعد ذلك تقوم سلطة التطوير بتخصيص هذه الأراضي للشركات الاستيطانية، كشركتي عميدار وهمينوتا، والتي تستخدمها لبناء المستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية وتوسيعها، خصوصا في القدس الشرقية. وفي 15 إبريل/ نيسان 2015، أصدرت محكمة العدل العليا في إسرائيل قرارها النهائي، بسماحها تطبيق قانون أملاك الغائبين على أملاك سكان الضفة الغربية، وقطاع غزة والكائنة في القدس الشرقية وعقاراتهم ومصادرتها. وبالتالي، فان السياسة الإسرائيلية الاستيطانية المُستمرة، منذ النكبة داخل فلسطين 48، هي نفسها تلك المُمارسة في الضفة الغربية، فالشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده داخل فلسطين هدف إسرائيليٌ للترحيل. 

وقد سـعت إسـرائيل إلى انتـزاع الاعتـراف بيهودية الدولة مـن الجانب الفلسـطيني في إطار عملية التسوية السلمية لقضايا الحل النهائي عام 2007، حين اشـترطت لاســتئناف المفاوضــات الاعتراف بيهودية الدولة. وكان المحامي واكيم واكيم، أحد مسؤولي جمعية الدفاع عن مهجري الداخل، قد أورد في ورقة له، أن جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين أرسلت مذكّرة إلى محمود عبّاس، بصفته رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، طالبته فيها بعدم الانصياع للمطلب الإسرائيلي الاعتراف والإقرار بيهودية "دولة اسرائيل"، لأنّ الغرض من ذلك، وفق التصريحات الإسرائيلية، إغلاق الملف بشأن الصراع العربي الصهيوني برمّته، وليس فقط بهدف منع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في فلسطين التاريخية، وايضا التمهيد المستقبلي لوضع الخطط بشأن ترحيل فلسطينيي الداخل، قسريا أو طوعيا، باعتبار أن إسرائيل دولة الشعب اليهودي، وفلسطين (وفق حدود اتفاق أوسلو) هي الوطن القومي لكل أبناء الشعب الفلسطيني. الاعتراف بيهودية "دولة إسرائيل" مرفوض، ويجب الإصرار على عدم الإذعان للاشتراطات الإسرائيلية في هذا الشأن، لأن ذلك سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش حق العودة لكلّ اللاجئين الفلسطينيين، ووصفة سحرية لتقوم المؤسسة الإسرائيلية بإخراج مخططات الترانسفير لمن بقي على أرض الوطن إلى حيّز التنفيذ. وما يؤكد التوجه الصهيوني، في هذا السياق، إقرار الكنيست قانون"الدولة القومية"، بموافقة 62 نائباً من أصل 120، الذي يمنح اليهود حصراً حق تقرير المصير، ويعتبر أن إسرائيل هي "الوطن التاريخي للشعب اليهودي". والقانون طرحه عام 2011 الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) وعضو الكنيست، آفي ديختر، بغرض "تكريس يهودية الدولة دستورياً بوصفها القيمة العليا والمرجعية القانونية والمعنوية الحاسمة". 

ولذا فان مهجّري الداخل سيواجهون صعوباتٍ أكثر فيما يتعلق باستعادة ممتلكاتهم، والعودة إلى  

"الفقرة الخامسة بشأن لمّ الشتات تفيد بأن الدولة مفتوحة أمام قدوم اليهود ولمّ الشتات، وهذا لا يشمل الفلسطينيين الذين اعتبروا مواطنين" قراهم التي هجروا منها. حيث يضمن القانون الجديد حقوق اليهود في الأرض التي استولوا عليها، ومن بين المبادئ الأساسية: 

أ‌) أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وفيها قامت دولة إسرائيل. 

ب‌) دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير. 

ج‌) ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودي. 

وأكثر من ذلك، فإن الفقرة الخامسة بشأن لمّ الشتات تفيد بأن الدولة مفتوحة أمام قدوم اليهود ولمّ الشتات، وهذا لا يشمل الفلسطينيين الذين اعتبروا مواطنين، وما زالو مقيمين في الكيان الصهيوني. كما أن الفقرة السابعة تؤكد على أهمية الاستيطان اليهودي، حيث تعتبر الدولة تطوير الاستيطان اليهودي قيمةً قوميةً، وتعمل لأجل تشجيعه، ودعم إقامته وتثبيته. 

وفي هذا الإطار، فإن إقرار يهودية الدولة يكرس مبدأ مشروع التوسع الصهيوني، وتكريس الاستيلاء على مزيد من الممتلكات والأراضي، فإسرائيل من الدول القليلة التي لا تعلن حدودها. وحسب الباحث الفلسطيني أنيس صايغ، في دراسة له عن الوصايا العشر للحركة الصهيونية، صدرت عام 1998؛ فإن فلسفة التوسع الصهيوني في فلسطين تقوم على مبدأ ثابت أن فلسطين ليست إلا خطوة إلى الانطلاق في بناء الدولة الصهيونية. تتسع إذا أمكن، ولكنها لا تصغر، ولا تتضاءل، وتنكمش ولا تتراجع حدودها الى الداخل. ويشير صايغ إلى أنه لا حدود لإسرائيل بالمعنى الجغرافي، وحدودها، بالمعنى الواقعي والعملي، الزمن والظروف هما ما يرسمانها ويضعانها ويتلاعبان بها، فللحدود بعد إمكاني لا مكاني. 

وعلى الرغم من أن العرب (حوالي مليون وستمائة ألف) ويمثلون ما يقارب 21% من مجموع السكان في الأراض المحتلة عام 48، واعتبارهم ظاهرياً مواطنين متساوين في الحقوق مع المستوطنين الصهاينة، إلا أن فلسطينيي الـ 48 يعانون من اضطهاد عرقي وديني، ومن تمييز عنصري على كل المستويات، بغرض التضييق عليهم، ودفعهم إلى مغادرة أراضيهم ومدنهم، فكيف هؤلاء المصنفون غائبين، وعلى الرغم من هذا كله، هم حاضرون على الدوام، ويتمسكون بحقوقهم، وبممارستها باعتبارهم مواطنين. والمواطنة التي فرضت عليهم هي الصيغة الممكنة للبقاء في وطنهم، وحماية ما تبقى منه من التهويد.

محمود العلي

 

من نفس القسم دولي