دولي

أملاك الغائبين في فلسطين وقانون القومية ومسار التهجير

القلم الفلسطيني

بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948، تم إعلان القرى المهجّرة مناطق عسكرية مغلقة، بموجب أنظمة الطوارئ، ومنع المهجّرون الفلسطينيون في الداخل من العودة إلى بيوتهم وقراهم، على الرغم من وجودهم داخل الكيان الصهيوني، وحصولهم على "الجنسية الإسرائيلية". 

واتخذت السلطات الإسرائيلية إجراءاتٍ لتسهيل نقل ملكية الأراضي من الأيدي العربية إلى الإسرائيلية. 

وفي هذا الصدد، فإن قانون أملاك الغائبين الصادر سنة 1950، والذي أصدرته حكومة الإحتلال الإسرائيلي آنذاك ينص على جواز مُصادرة أملاك اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا منها في أثناء النكبة، بذريعة وجودهم خارج حدود دولة إسرائيل، أو في دول مُعادية (مصر والأردن وسورية ولبنان والعراق واليمن والسعودية). 

ويعتبر الفلسطيني المقيم داخل الخط الأخضرغائباً، إذا ترك قريته، وانتقل إلى إحدى المدن والقرى المجاورة.

كما ويجعل القانون المالك الفلسطيني غائباً، إذا انتقل من حيٍّ إلى آخر، ضمن إحدى المدن الكبيرة، أو إذا نقلته قوات الاحتلال الصهيوني بالقوة من مكان إلى آخر. 

وفي يوليو/ تموز سنة 1948، عيّن قيم عام على أملاك الغائبين، وفي ديسمبر/ كانون الأول 1948 أصدرت الحكومة الإسرائيلية أول مجموعة أنظمة بشأن أملاك الغائبين. 

كما أصدرت الحكومة الإسرائيلية في يونيو/ حزيران وسبتمبر/ أيلول ونوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول سنة 1949، قوانين تحدّد مفعول الأنظمة المذكورة. وكان الهدف الواضح من هذه الأنظمة منع عودة أيٍّ من المهجرين العرب إلى الأراضي أو الممتلكات التي تركوها قبيل 1948، أو في أثنائها أو بعدها. 

وفي هذا الصدد، يعد قانون أملاك الغائبين الصادر سنة 1950 ذا أهمية كبرى، لأنه جاء تتويجاً لإجراءات وقرارات صدرت منذ سنة 1948، ولأنه من جهة أخرى الأساس الذي استندت إليه السلطات الإسرائيلية في مصادرة جزء كبير من الأراضي العربية في فلسطين المحتلة، بحيث تصبح أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم في عهدة ما يسمى "حارس أملاك الغائبين"، بدعوى الحفاظ عليها، وبدون حق التصرّف فيها أو بيعها إلا لما تسمى سلطة  

"يبلور قانون أملاك الغائبين بصورة نهائية الموقف الإسرائيلي المعارض لعودة الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم" التطوير. 

وباستخدام القانون المذكور، صادرت الحُكومات الإسرائيلية المُتعاقبة منذ ذلك الحين مئات آلاف من الأراضي والعقارات داخل ما سمي حينها الخط الأخضر. 

ويبلور القانون بصورة نهائية الموقف الإسرائيلي المعارض لعودة الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم، خلافاً لما قضت به قرارات الأمم المتحدة. وفوق ذلك، فان المهجّرين الفلسطينيين في أراضي 1948 كانوا يقعون تحت ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) التي أسست بموجب قرار الجمعية العامة 302 عام 1949 كهيئة مؤقتة. وتتركز مهامها على تقديم المساعدات الإنسانية للاجئي فلسطين، بمن فيهم من بقوا في المنطقة التي أعلنت عليها دولة إسرائيل، عرباً كانوا أم يهوداً، وبات المهجّرون في داخل الكيان الصهيوني يتلقون مساعداتٍ، كبقية اللاجئين الواقعين تحت ولاية "أونروا" في محيط الجزء المحتل من فلسطين. وقد جرى استثناؤهم من ولاية "أونروا" عام 1952 بطلبٍ من السطات الاسرائيلية، حين تعهدت برعاية حقوقهم. 

وكان الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي قد أقر قانون المواطنة في 14 يوليو/ تموز 1952، حيث حاز على المواطنة كل من أقام داخل منطقة الخط الأخضر، وبلغ حينها عدد العرب الحائزين على مواطنة إسرائيلية حوالى 000. 167 شخص، منهم المهجّرون. 

وكان 156,000 من العرب يعيشون في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية عند انتهاء الحرب. أما الآخرون فهم من سكان وادي عارة في المثلث الشمالي الذي سلمه الجيش الأردني لإسرائيل في إطار اتفاقية الهدنة. وعلى الرغم من ذلك، كان الفلسطيني يعتبر غائباً، إذا ترك قريته وانتقل إلى إحدى المدن والقرى المجاورة، بل ويجعل القانون المالك الفلسطيني غائباً إذا انتقل من حي إلى آخر، ضمن إحدى المدن الكبيرة، أو إذا نقلته قوات الاحتلال الصهيوني بالقوة من مكان إلى آخر. 

وبالتالي، شمل تعريف الغائبين السكان العرب الذين غابوا بتاريخ 1 سبتمبر/ أيلول 1948 من الأراضي الواقعة تحت سيادة دولة إسرائيل، كما الذين اضطروا للفرار إلى الدول العربية، وأيضا الذين فرّوا إلى قرى الجليل والمثلث ومدنهما. 

وقد تعرّض اللاجئون الذين بقوا على أرض الوطن إلى مختلف سياسات الاضطهاد القومي والتمييز العنصري، أسوة بكلّ أبناء الشعب الفلسطيني الذين بقوا في وطنهم، إضافة إلى اعتبارهم غائبين وهم أحياء يُرزقون، حيث أطلق على هؤلاء مصطلح "الغائبون الحاضرون". 

وكذلك جرى تبديل أسماء التجمعات السكنية والمواقع العربيه إلى أسماء عبرية، بغرض تسهيل تسويق الرواية الصهيونية "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض "، ومن ثمّ تسويق مفهوم أن الذين بقوا على أرض الوطن غائبون، لا يحقّ لهم العودة أو ممارسة حقّ الملكية على اراضيهم ومتلكاتهم. 

وفي ندوةٍ في مركز حق العودة الثقافي في نابلس، قبل أكثر من عشر سنوات، قال المهندس سليمان الفحماوي، المهجر من قرية أم الزينات (على سفوح جبال الكرمل)، والناطق حينها باسم جمعية الدفاع عن حقوق المهجّرين داخل فلسطين (48، وأيضاً منسق لجان حق العودة داخل فلسطين، إن عدد القرى المهجّرة بلغ 280. 

وأكد وقوع تمييز عنصري كبير على الفلسطينيين في الداخل، يحمل خصوصية خاصة بالمهجرين، فهؤلاء نازحون تم إبعادهم عن أرضهم ومكانهم، ولا يستطيعون العودة إلى أراضيهم ولا بيوتهم، ولا حتى الصلاة في أماكن عبادتهم، بسبب منع القوات الإسرائيلية لهم القيام بذلك، وهم ليسوا كباقي اللاجئين، فهم يحملون الجنسية الإسرائيلية "كمواطنين"، ولكنهم في الحقيقة بلا مواطنة فعلية، حيث يعيشون في أماكن قريبة من قراهم المهجرة. وحديثاً بلغ عدد مهجّري الداخل ما يقارب 350 ألف فلسطيني، وقد بادر آلاف من أهالي القرى المهجّرة وأنصارهم من غير المهجّرين منهم، للمشاركة الفعلية في الأنشطة المتعلقة بحقهم في العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم، والقيام بنشاطات إحياء ذكرى النكبة الفلسطينية وذكرى سقوط القرى والمدن، ومن بين هذه النشاطات المسيرات الكبيرة التي كانت أولها مسيرة الغابسية بتاريخ 1998/3/28، ثم تلتها مسيرة صفورية في الذكرى الخمسين للنكبة الفلسطينية في مايو/ أيّار 1998، وأصبحت المسيرات تقليدا سنويا يشارك فيه عشرات الآلاف من مهجّرين وغير مهجّرين.

... يتبع

محمود العلي

 

من نفس القسم دولي