دولي
هل تستطيع قوى اليسار جمع شتاتها في التجمع الديمقراطي الجديد؟!
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 27 جانفي 2019
لم يستمر الطريق الثالث طويلا؛ فقد حصل على مقعدين فقط في انتخابات 2006 أحدهما شغله د. سلام فياض والآخر شغلته د. حنان عشراوي، وقد لوحظ أن عشراوي اتخذت أو حافظت على مسافة واضحة من زميلها، وواصلت نشاطها السياسي ضمن عضويتها في اللجنة التنفيذية لـ(م.ت.ف) ولم تنخرط في الحكومة التي ترأسها د. فياض وشغل لفترة وزارة المالية فيها وذلك بعد أحداث الانقسام صيف 2007 وهذا ظرف حساس للغاية، وعامل مؤثر على حكم الجمهور، ليس من حيث الأداء بل من حيث التعاطي مع مرحلة ما.
على كل حال هناك أسئلة وأشياء ربما تحتاج إلى توضيح وشرح من د. سلام فياض شخصيا، سواء عبر كتاب أو مقالات متسلسلة أو ندوات نقاش أو فيديوهات تفاعلية، حتى تتضح صورة مرحلة كان عنوانا بارزا فيها، وما سوى ذلك سيظل تخمينات وترجيحات أو أحكاما انطباعية رغبوية.
ولكن هل يمكن اختزال الأمر، بنتيجة انتخابات أو بمرحلة مسئولية في ظرف له تعقيداته، أليس هذا بعدا عن الموضوعية، وإهمالا لا يليق؟
فالتيار الثالث بقيادة فياض أكبر من الحكم عليه وفق هذه الآلية، فهو يتعداها إلى كونه مدرسة أو نظرية ثقافية وسياسية وحتى اقتصادية وفكرية، بل إن الإعلام الغربي قد نحت مصطلحا خاصا لوصفها ألا وهو(Fayyadism) وبصماتها واضحة في المجتمع الفلسطيني.
لذا أكرر أننا بحاجة إلى دراسة معمقة يكون الرجل شريكا ومحاورا فيها، أما الإعلام الغربي وخاصة الأمريكي فهو مولع بأسلوب الإثارة وإطلاق مصطلحات من هذا القبيل والنظر إلى أوضاع الأمم والشعوب ومنها شعبنا من زاوية تختلف عن الزاوية التي ننظر منها.
وقد لفت نظري مقال منشور في جريدة (الأيام) التي تصدر من رام الله للكاتب (حسين حجازي) والذي لا أعرف حتى اللحظة ميوله وتوجهاته السياسية والفكرية، بعنوان (عن "الطريق الثالث"، والاستقطاب الفلسطيني الجديد...!) بتاريخ 24/12/2005م أي قبل شهر من انتخابات 2006 وقد أشار حجازي إلى أن الطريق الثالث (لا يستطيع ولا يملك مقومات القدرة على الحسم) ولكنه يرى وجوده كإطار تعبيرا عن غياب المبادرة من فتح وحماس لاحتواء الوسط الذي يمثله الطريق الثالث، وهو تعبير عن أزمة أو لنقل تحولات اليسار، مع النخب الثقافية ومنظمات الـ NGO'S وعلى كل حال لا مجال لوضع نص المقال كاملا هنا ولمن شاء الرجوع إليه فهو موجود في الأرشيف.
ولكن من وجهة نظري الشخصية؛ فإن الطريق الثالث أراد أن يحاصص حركة فتح، بافتراض حصولها على الأغلبية، كي يشكّل معها ائتلافا، يضمن فيه بناء على اتفاق تثبيت وإقرار تشريعات وقوانين معينة يؤمن بها أقطاب هذا الجسم السياسي-الثقافي-الفكري الذي لم يعمّر طويلا، أما أثره الاجتماعي والسياسي فهو بحاجة إلى بحث مفصل يستند إلى معلومات وبيانات وحقائق، لا إلى تصورات وانطباعات ومشاعر رغبوية.
أعلن قبل حوالي شهر (أواخر عام 2018) عن تشكيل ائتلاف جديد هو (التجمع الديموقراطي الفلسطيني) والذي يضم الجبهتين الشعبية والديموقراطية والمبادرة الوطنية، وفدا وحزب الشعب وشخصيات مستقلة.
والهدف البارز المعلن هو الضغط الشعبي والسياسي لإنهاء الانقسام، والمبادئ والشعارات الأخرى معروفة، وفي كلمات قادة من هذا التجمع تلمس التباين، الذي لم ينكروه بل أكدوا وجوده، بين رؤية التجمع بديلا للاستقطاب الثنائي حماس-فتح أو ائتلاف وطني داعم للحراك والنضال الشعبي.
ولا شك أن التجمع الجديد يعبر بطريقة أو بأخرى عن أزمة اليسار الفلسطيني المتواصلة؛ فاليسار عجز حتى عن التوحد ولو في ائتلاف انتخابي في الانتخابات الرئاسية والبلدية والتشريعية في 2005/2006 وأستحضر هنا مقالا للكاتب(عدنان الصبّاح-أبو علي) والذي كان في شبابه من كادر الجبهة الديموقراطية وأسراها في السجون الإسرائيلية، وقد نشر المقال في مطلع 2005 بعنوان (حكماء لا أمناء) انتقد فيه بشدة وقسوة (القوى الديموقراطية أو التيار الديموقراطي) وهو الاسم الذي راق لأحزاب وحركات وتجمعات اليسار أن تسمي نفسها به والصبّاح دعاها أن تنهض وتتوحد وتترك منطق التبرير واستخدم التعبير الدارج (إلحقوا حالكم) وقد قال الصباح صراحة: أيها السادة الأفاضل قادة وكوادر وقواعد قوى وفصائل التيار الديمقراطي الفلسطيني: أنتم الآن على منعطف حاد في مستقبلكم ومستقبل أدائكم واستعداد جماهيركم للتعاطي معكم أو الاستماع لكم أيا كانت السيمفونيات التي ستجدون الفرصة للعزف عليها، الحالة الفلسطينية الآن بإمكانها أن تحتمل وجودكم طرفا ثالثا وليس مائة طرف لا يتقن إلا التفريخ ألفاضي المضمون ولا يتقن إلا الأسماء واليافطات وصحف هزيلة ومكاتب مظلمة لا ترى الشمس ولا يزورها أحد من الناس، وقد يكون من يعرف أسماء بعض القوى من الجمهور والأعضاء معا لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
وتلا ذلك انشقاقات أخرى، ولم تتوفر أي مراجعة جادة لنهج اليسار ومساره السياسي والأيديولوجي عند أي منعطف أو مفترق طرق، مع أن هذه المراجعة كانت وما زالت ضرورة ملحة لهذا الجسم أو المكوّن.
ومع أن اليسار قد ساهم ونفذ عمليات نوعية ضد الاحتلال الصهيوني، لا سيما ج. ش، وقدم شهداء وسجنت قيادات وكوادر وعناصر منه في سجون الاحتلال، بل إن الأمين العام للجبهة الشعبية (أحمد سعدات) معتقل الآن في سجون الاحتلال ومحكوم عليه بالسجن 30 سنة، وهو كان خليفة الأمين العام الذي اغتيل بقصف طيران مروحي لمكتبه في انتفاضة الأقصى (أبو علي مصطفى الزبري)، ومع أن اليسار قدم ورفد الحركة الثقافية بأشخاص وأعمال مهمة، ومع أن اليسار إلى حد كبير يسبق غيره في تحليل المجتمعات، وتقديم رؤية-بغض النظر عن درجة اتفاقنا معها- للطبقات وتدافعها وصراعها.
مع كل ذلك ظل اليسار قاصرا عن منافسة فتح قبل انطلاقة حماس، ومن ثم ظل ينتقل إلى تراجع وراء تراجع في الساحة الفلسطينية.وبخصوص التجمع الديموقراطي العتيد، فلا أريد الحكم عليه من الآن، ولكن برأيي أنه محاولة لا بأس بها لتوحيد أحزاب اليسار ولو بالحد الأدنى ضمن هذا الائتلاف، أما عن قدرته على التأثير من أجل إنهاء الانقسام، فأنا بصراحة أشك بوجود أي قدرة تذكر له؛ ليس فقط لأن الانقسام يتعدى الوضع الداخلي إلى تجاذبات خارجية لا يستهان بتأثيرها، ولا لأن القطبين يملكان من القوة والانتشار ما لا يدع مجالا لأحد لزحزحة المعادلة في المدى المنظور، إلا وفق إرادتهما.
مع أهمية كل هذه العوامل فإن الأزمة في التجمع ذاته ونظرته إلى القطبين، فمن مكوناته من هو متطابق مع فتح (فدا مثلا) سياسيا ومن هو متأرجح في موقفه، ومن هو محيّر لأنك تسمع على لسان قادته كلاما لا يكشف أين يقفون.
على كل حال سأستكمل بعون الله الحديث عن اليسار الفلسطيني وأزمته، في المقال القادم إن شاء الله تعالى.
سري سمّور