دولي

هكذا تحاول "النقابات" لجم السلطة عن "جيب المواطن"!

الإضرابات وإن كانت ذات أبعاد اقتصادية إلا أنها تعكس حالة الرفض الشعبي لسياسات السلطة

تعيش الضفة الغربية اليوم حالة من الاحتقان الشعبي المتصاعد بسبب سياسات السلطة المالية. هذا الاحتقان الذين تُرجم على الأرض من خلال عدد من الإضرابات والخطوات الاحتجاجية التي أطلقتها بعض النقابات المختلفة. 

فما إن توقف إضراب المعلمين الحكوميين قبل حوالي عامين، حتى أعلنت نقابة السائقين العموميين عن إضراب مشابه، لتخوض بعدها نقابة المحامين عدداً من الإضرابات المتفرقة والمتباعدة، واليوم تشهد الضفة إضرابات مماثلة أعلنتها نقابة الأطباء وجمعية مستوردي السيارات المستعملة في السوق المحلية، هذا عدا عن الاحتجاجات المتواصلة ضد قانون الضمان الاجتماعي المثير للجدل.

ويرى مراقبون أن هذه الإضرابات وإن كانت ذات أبعاد مطلبية محددة، غير أنها تعكس حالة المزاج الشعبي الرافض لسياسات السلطة الاقتصادية القائمة على زيادة الرسوم والجباية والضرائب من الطبقة المتوسطة والفقيرة، مقابل خلل في توزيع حصة الوزارات من الموازنة العامة وفساد مالي وإداري لا يزال مستشرياً.

أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية في نابلس نائل موسى، تحدث وفق "المركز الفلسطيني للإعلام" عن أصل المشكلة، فقال: "اتخذت السلطة منذ نشأتها عام 1994مجموعة من الإجراءات التي أدت لتضخم مصروفاتها المالية وتوسّع عريض في قاعدة نفقاتها. السلطة كانت تعتمد بالأساس على المساعدات والمنح والهبات الخارجية لتغطية هذه النفقات".

وأضاف أنه بعد تراجع هذا الدعم خلال السنتين الماضيتين تحديداً ولأسباب مختلفة، أخذت السلطة تبحث عن مصادر مالية أخرى لتغطية هذا العجز، فولّت وجهها نحو الداخل، ورأت في جيب المواطن بديلاً مُتاحاً (...)، هذه السياسة الجديدة التي تبنتها السلطة ولّدت غضبًا داخليًّا نجم عنه هذه الإضرابات المتلاحقة التي نراها اليوم".

وكانت حكومة الحمد لله قد أعلنت أن موازنتها للعام 2018 قد بلغت 5.8 مليار دولار، منها 775 مليون دولار فقط، هي إجمالي التمويل والمنح الخارجية. 

وحسب موسى؛ فإنه كان المفترض أن تبحث السلطة عن مصادر دخل أخرى، وأن تأخذ المال العام ممن يجب عليه أن يدفع، وأن تدفعه لمن يستحق أن يأخذه، مشدداً على أن السلطة تأخذ الضرائب من الشريحة الفقيرة والمتوسطة في حين تكون الإعفاءات الضريبية من نصيب أصحاب النفوذ ورؤوس الأموال الكبيرة.

نائل موسى: "اتخذت السلطة منذ نشأتها عام 1994 مجموعة من الإجراءات التي أدت لتضخم مصروفاتها المالية وتوسّع عريض في قاعدة نفقاتها، السلطة كانت تعتمد بالأساس على المساعدات والمنح والهبات الخارجية لتغطية هذه النفقات".

وعن الحلول المتاحة أمام السلطة لتغطية عجزها المالي غير زيادة الضرائب على المواطنين، ذكر موسى: "المطلوب أن تعمل الحكومة على رفع كفاءة استخدام المال العام، كأن تقلص أجور أصحاب المناصب العليا في الوزارات المختلفة، مشدداً على وجود رواتب مرتفعة وغير معقولة يتخطى بعضها حاجز الـ5 آلاف دولار".

ويلفت موسى لوجود مشكلة أخرى تعاني منها بُنية السلطة الاقتصادية وهي سوء توزيع في أموال الحكومة على وزاراتها المختلفة؛ فأموال كثيرة تصرف لقطاعات على حساب قطاعات أخرى أكثر أهمية وفاعلية.

وكان تقرير سابق صادر عن الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة- أمان قد أشار لوجود إشكاليات بنيوية في آلية توزيع موازنة الحكومة للعام 2018، حيث ما زالت وزارة الداخلية والأمن تستحوذ على نصيب الأسد منها، بنسبة تفوق الـ 27% من إجماليّها.

ويتابع موسى: "هناك مشكلة أخرى لا يمكن القفز عنها عند الحديث عن أزمة السلطة الحالية، وهي مشكلة الفساد المالي، علينا الاعتراف بوجود أزمة ثقة بين الشارع والسلطة؛ لأنه لا يوجد محاسبة ومساءلة للفاسدين،. في كل يوم نسمع عن قصص فساد بالملايين تطال أشخاصاً محددين دون أن يعتَقلوا ويحقَّق معهم أو تُصادر الأموال التي سرقوها". 

وختم أستاذ الاقتصاد قائلاً: "من المتوقع أن تستمر هذه الإضرابات، وهي بالمناسبة إضرابات محقة وعادلة وشكل حضاري من أشكال الاحتجاج، وربما قد تتصاعد لتطال قطاعات أخرى إذا لم تتراجع السلطة عن سياستها الجديدة المعتمدة بالأساس على المواطن".

بدوره قال الكاتب والمحلل السياسي صلاح حميدة: إنه من الواضح أنّ هناك إحباطًا جماهيريًّا شديدًا من أداء السلطة التنفيذية، على كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، وهناك حالة عدم ثقة عميقة تجاه الأشخاص القائمين على إدارة السلطة عمومًا، وهذا ملموس جليًّا في لغة الشارع والخطاب الشعبي أينما حللت، والإضرابات النقابية التي تشهدها الضفة الغربية اليوم.

ويضيف وفق ذات المصدر أن المشكلة تكمن في إصرار السلطة التنفيذية على تغييب السلطة التشريعية وإضعاف السلطة القضائية، فالسلطة التشريعية هي سلطة الشعب التي تحكم كل السلطات، ولذلك فالشعب بدأ يحاول اليوم أخذ زمام المبادرة والنزول للشارع بعد أن مُنع من القيام بهذا الدور الرقابي من خلال المجلس التشريعي.

صلاح حميدة: المشكلة تكمن في إصرار السلطة التنفيذية على تغييب السلطة التشريعية وإضعاف السلطة القضائية؛ فالسلطة التشريعية هي سلطة الشعب التي تحكم كل السلطات، ولذلك فالشعب بدأ يحاول اليوم أخذ زمام المبادرة والنزول للشارع بعد أن مُنع من القيام بهذا الدور الرقابي من خلال المجلس التشريعي.

وعن أسباب تفاعل المواطنين في الضفة مع الاحتجاجات ذات الطابع الاقتصادي وعزوفهم عن الخروج في مسيرات رافضة لخط السلطة السياسي، أوضح حميدة: "بالرغم من أن هذه الفعاليات تأخذ طابعاً اقتصادياً واجتماعياً وتتجنب الحديث عن المطالب السياسية حتى لا تضرَب بحجة الأزمة السياسية بين غزة والضفة، إلا أن هذا الاحتجاج سياسي في جوهره ويجاهر برفض سياسة السلطة التنفيذية ويشكك في نزاهتها علانية".

وبيّن حميدة في حديثه لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" أن المشاركين في هذه الفعاليات الاحتجاجية يعتقدون اعتقاداً جازماً أن إجراءات السلطة الاقتصادية نابعة من سوء إدارة للموارد وفساد مالي وإداري، وليست ذات خلفية وطنية لضمان استقلالية الموارد والتخلي عن المساعدات الخارجية، كما تزعم السلطة.

ويشير الكاتب والمحلل السياسي إلى أن المحتجين يتساءلون علانية عن مصير الكثير من أموال الشعب الفلسطيني الموجودة في صناديق مختلفة في الداخل والخارج وتحت مسميات عديدة، ولا يعرفون كيف تدار ولا كيف تصرف. 

وختم قائلاً: "من الواضح أن استمرار السلطة في هذا الأداء سيزيد من نسبة الاحتجاجات، وسيؤدي إلى تصاعدها، خاصة أن سلوك السلطة التنفيذية على الأرض لا يُظهر أي نية للتراجع ولا يبشر بخير مع بداية العام الجديد".

 

من نفس القسم دولي