دولي

للفلسطينيين وطن لا بقايا وطن

القلم الفلسطيني

يبدو أن "صفقة القرن" باتت تعاني موتا سريريا، بعد تأجيل الإعلان عن بنودها مرات، حتى يمكن القول إن فرص متابعتها والإعلان عنها باتت ضئيلة، بعد فقدان الإدارة الترامبية شجاعة الإعلان عمن يعيق التوصل حقيقة إلى أنها "التسوية الموعودة"، في وقتٍ لا يريد الإسرائيليون سوى وأدها، طالما هي لا تحقق لهم كامل أهدافهم التهويدية والتوراتية، وسلب الفلسطينيين كامل حقوقهم في وطنهم التاريخي؛ بل وسلبهم حتى ما تبقى لهم من بقايا أراضٍ وممتلكاتٍ وهوية وطنية تتوزعها الغايات والأهواء والمصالح الأنانية والنرجسية لسلطة وسلاطين "أمر واقع"، ما برح يضغط أكثر على خناق شعب بأكمله، لا سيما في السنوات التي سجلت اتفاقيات أوسلو بدء نهاية المشروع الوطني الفلسطيني، وما زالت آثارها المدمرة تهيمن، وتتفشّى في واقع الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم، ليس بفعل التآمر الأميركي – الإسرائيلي والتواطؤ الإقليمي التطبيعي الذي بات يلعب على المكشوف، بل بفعل التفتت والانقسام السياسي والجغرافي، والتهاون والتعاون "القيادي"، وتنسيقه مع الاحتلال فكرا وواقعا في أكبر عملية تزييفٍ للوعي الذي بات يحصر المسألة الفلسطينية في منعرجاتٍ لا وطنية، يحاولون اليوم من خلالها استكمال تبديل الوطني بالاقتصادي، واختيار البدائل الأكثر طواعيةً ومطواعيةً للاحتلال وحماته الغربيين.  جديد الاستنتاجات الإعلامية تقول إن خطة صفقة القرن لن ترى النور قريبا، بدعوى أن مؤشرات كثيرة تحول دون تنفيذها في الوقت الراهن. وذلك استنادا إلى تصريحات للسفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، الذي استبعد إعلان الإدارة الأميركية الخطة، نظرا إلى أن احتمال قبولها وتنفيذه لم يصل إلى القناعة بإمكانية الإعلان عنها، الأمر الذي يعني أنه يمكن الاعتراف بتأبين الصفقة وإعلان موتها. 

هذا "التقبير" أو "التأبين"، وهما تعبيران استنتجهما المحلل السياسي الإسرائيلي، شلومو شامير، إزاء الخطة التي طال انتظارها، من دون أملٍ يرتجى منها، نظرا إلى أن الطاقم الأميركي المنوط به بلورتها ليس مؤهلا للمهمة التي أوكلت إليه من رئيس ليس مؤهلا هو الآخر لمهمة على هذا المستوى، فالجميع في الجانب الأميركي – الترامبي يفتقرون للخبرة السياسية، وليس لديهم الدراية الكافية بمجريات الصراع العربي – الإسرائيلي، والتعقيدات الإقليمية التي تحيط به. في وقت بدا ويبدو فيه الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، ورئيسه نتنياهو، واليمين المتطرف بشكل عام، أكثر هشاشةً، وفي أسوأ حالات الفشل، وانكشاف مسألة الردع في مواجهة المقاومة الفلسطينية، من جهة. ومن جهة أخرى في مواجهة توصيات الشرطة الإسرائيلية في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول باتهام رئيس الوزراء البالغ 69 عاما بالرشوة والاحتيال. وهذه المرة الثالثة التي توصي فيها الشرطة بتوجيه الاتهامات لنتنياهو الذي يتولى المنصب فترة رابعة، وينفي ارتكاب أي مخالفات. بينما الوضع الإقليمي وأبرز القوى المؤثرة فيه تعاني معضلات لن يكون من السهل الخروج منها، حتى بمساعدة ترامب، وأركان إدارته، وبعض حلفائه من شعبويي اليمين المتطرّف في العالم. لهذه الأسباب مجتمعة، لن ترى الصفقة النور؛ لا الآن ولا في المستقبل المنظور أو المتوسط.

أما المقال الاستفزازي الذي كتبه جيسون غرينبلات، ونشرته صحيفة القدس المقدسية (30 /11 /2018)، فقد لخص وضع الصفقة، بحرفه اتجاه المطالب الأميركية من الإسرائيليين، محولا إياها باتجاه الفلسطينيين، مركّزا على ما هو اقتصادي، متجاهلا ما هو سياسي/ وطني للفلسطينيين، محملا القيادة الفلسطينية المسؤولية عن الفشل في الوصول إلى "حل سياسي محتمل". 

لكنه من جانب آخر يعكس موقف نتنياهو وائتلافه اليميني، في شأن "السلام الاقتصادي"، حين يعود إلى القول إنه "قد حان الوقت لبناء الاقتصاد الفلسطيني ومنح الفلسطينيين الفرص التي يستحقونها"؛ لكنه لم يقل أين يمكن تحقيق هذه الفرص؟ واقتصاد من من الفلسطينيين هو المعني بالأمر (البناء)؟ في فضاء الاحتلال أم في فضاءات أخرى، بعيدا عن سيادة الفلسطينيين وامتلاكهم قرارهم السيادي في وطن لهم (فلسطين) أم بقايا من بقايا فلسطين التاريخية. وهنا نقع على عقدة التسوية منذ بدأ الحديث عنها، وصولا إلى تسويةٍ تصفويةٍ يحاولها اليوم أميركيو ترامب من دون جدوى، على ما يستخلص غرينبلات بين سطور مقاله الموارب كثيرا. على الرغم من استنتاجه الصحيح في نهاية فقرة من فقراته، التي أنهاها بالقول"إننا ندرك أن الفلسطينيين ليسوا مهتمين بالسلام الاقتصادي وحده"، فالمهتمون بمثل هذا السلام أقلية من نخب سلطوية، لم تعد تهتم أو تلتفت لواقع شعبها في كل أماكن وجوده، قاطعة كل صلة لها بواقع الفلسطينيين الفعلي هنا وهناك وهنالك، وحتى في الجليل والمثلث والنقب وفي الشتات. 

نعم الأمر كذلك، لا يمكن أن يقوم سلام في هذه البلاد من دون أن يحقق الفلسطينيون، بوصفهم شعبا موحدا، لا كأشتات مفتتة وموزعة ومقسمة، سلام استعادة وطنهم وأرضهم وممتلكاتهم، وفق تسويةٍ سياسيةٍ وطنيةٍ، لا وفق تسوية عقارية، كما يفهمها ترامب، وينظّر لها اليوم مساعدوه المنحازون للرواية التوراتية والإنجيلية والصهيونية المسيحية.

المواربة الترامبية، كما الإسرائيلية، تجلت في حديث غرينبلات عن الاقتصاد الفلسطيني، وكأنه يتحدث عن اقتصاد سنغافورة، أو أي اقتصاد مشابه، وهو يعرف جيدا أن اقتصادا لشعب تحت الاحتلال لا يمكن أن ينمو أو أن يكون طبيعيا كما في بلدان أخرى، فعن أي "إمكانات غير مستغلة"، وأية "ظروف اقتصادية مؤسفة" يتحدث غرينبلات، حيث يعتقد "أن أسباب هذه المسألة معقدة"، فيعيدها إلى أن رغبة القيادة الفلسطينية في منع الفلسطينيين من الشعور بالارتياح عامل رئيسي، فهؤلاء القادة يعتقدون أنه إذا شعر الفلسطينيون بالارتياح من الناحية الاقتصادية، فإنهم سيفقدون الاهتمام بالقضية (الوطنية) الفلسطينية".

يجانب غرينبلات الحقيقة التي لا يعرفها، وإن كان يعرف، فهو لا يريد أن يغضب الإسرائيليين، فهو يضع اللوم على القيادة الفلسطينية في كل ما يعترض طريق "صفقة القرن". 

ماجد الشيخ

 

من نفس القسم دولي