دولي

التعاطي الإسرائيلي مع الإعلان الفلسطيني

القلم الفلسطيني

لم يكن مشروع التسوية أو "عملية السلام" يحظى باهتمام لا من الشارع الإسرائيلي ولا من القيادة السياسية في تلك المرحلة العصيبة من تاريخ الثورة الفلسطينية وفصائل منظمة التحرير الممثلة لها (على الأقل خارج الأرض المحتلة)، فقد عزّز اليمين الصهيوني والديني مكانته بعد حرب عام 1973، وتصاعد معه العداء للشعب الفلسطيني ولحقوقه المشروعة والتعاطي مع الفلسطينيين كمجموعة من السكان بحاجة إلى دعم إنساني، ففي استطلاع للرأي العام الإسرائيلي بعد أشهر من اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1988م رأى 7% فقط من الجمهور الإسرائيلي أن سياسيات القمع التي يمارسها الجيش الإسرائيلي ضد الانتفاضة قاسية، بينما اعتبر 40% أنها لينة ومتساهلة جداً، بينما أيد 46% سياسات البطش والتنكيل وطالبوا بتصعيدها.

وبالنظر إلى البرامج الانتخابية لأكبر حزبين صهيونيين "الليكود والعمل" في انتخابات الكنيست الثاني عشر والتي فاز بها حزب الليكود اليميني في نوفمبر/ تشرين الثاني 1988 فإن الفروق تكاد تتلاشي عندما يتعلّق الأمر بالقضية الفلسطينية والرؤية السياسية للحل، فقد توحد الحزبان في رفض فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، ورفض الانسحاب الكامل من الأراضي التي احتلت عام 1967، ورفض فكرة المؤتمر الدولي للسلام، وعدم الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، مع التشديد على بقاء القدس موحدة تحت "السيادة الإسرائيلية"، وأضاف حزب الليكود في برنامجه الانتخابي التأكيد على بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، واعتبار الأراضي المحتلة عام 1967 أراضي "محررة" تم استرجاعها بعد حرب الأيام الستة وبالتالي لا يجوز تسليمها لأي جهة أجنبية، ولن يحصل الفلسطينيون على أكثر من حكم ذاتي كما ورد في اتفاقيات كامب ديفيد، والذي لا يتضمّن أي صلاحيات سياسية أو تنفيذية، وبالمناسبة وبعد 30 عاماً من ذلك، ورغم اتفاق أوسلو والانسحاب الإسرائيلي من غزة وبعض أجزاء الضفة، فإن الرؤية السياسية لجميع الأحزاب الصهيونية من اليمين واليسار تكاد تجمع على مبادئ الحل الرئيسية مع الفلسطينيين مع اختلافات طفيفة في الشكل أو التخريجات.

على جميع الأحوال، وبعد أن أعلنت منظمة التحرير عن خطتها السياسية مع إعلان الدولة في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 1988م والتي تضمنت الدعوة لمؤتمر دولي للسلام على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338 الصادرين بعد حرب عام 1967م و1973م وهي من الشروط التي تشبثت بها الإدارة الأميركية كمدخل أساسي لأي عملية سياسية، لم تجد الخطة الفلسطينية آذاناً صاغية لدى الحكومة الإسرائيلية، ولم تعر أي اهتمام لها وكأن الأمر لا يعنيها، رغم أن خطة التحرك الفلسطينية استبطنت تنازلات وتراجعات فلسطينية واضحة، خاصة الاعتراف مواربةً بإسرائيل وحقها بالوجود ضمن حدود آمنة، وقراري مجلس الأمن 242 و338.

ولكن الإدارة الأميركية كان لها رأي آخر، فقد سعت، وبحكم مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، إلى تسوية سياسية تضمن أمن إسرائيل وتحقق بعضاً من الطموحات الفلسطينية، هذا من جانب، أما من جانب آخر فإن الإدارة الأميركية توقعت من حكومة إسرائيل تقديم أي شيء للفلسطينيين من باب المجاملة، وتشجيع القيادة الفلسطينية على الانخراط أكثر في مشروع التسوية وتوفير أدوات للقيادة الفلسطينية المتحمسة للتسوية لمواجهة المعارضين من داخل وخارج منظمة التحرير وقطاع عريض من الشعب الفلسطيني الذي يعارض أي تنازلات تمسّ الحقوق والثوابت الفلسطينية.

لذلك كان على رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق شامير من حزب الليكود اليميني أن يقوم بتحرك سياسي ما ولو كان قفزةً في الهواء، وأن يقدم مبادرة سياسية ولو كانت من باب اللهو والتسلية السياسية، لذلك اعتمدت الحكومة الإسرائيلية في 14 أيار/مايو 1989م "مبادرة السلام الإسرائيلية"، والتي لم تقدم سوى بعض الفتات الخالي من أي مضمون، وتستبطن استسلاماً كاملاً للرؤية الإسرائيلية، ولا يمكن لأي فصيل فلسطيني القبول بها مهما بلغت براغماتيته، ومما تضمن في المبادرة في بنود الفرضيات، والمشكلة الفلسطينية:

- تعارض إسرائيل إقامة دولة فلسطينية.

- لن تتفاوض إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية.

- لا بد من جهد دولي لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، وتحسين ظروف معيشتهم وإعادة تأهيلهم.

- الشروع في مفاوضات بين إسرائيل وممثلي السكان في غزة والضفة، لإقامة حكم ذاتي يستمر لمدة خمس سنوات كفترة انتقالية، يتولى فيها السكان إدارة شؤونهم الحياتية اليومية، بينما يبقى بيد إسرائيل الأمن والشؤون الخارجية.

واستكملت حكومة الليكود اليمينية ردّها على المبادرة الفلسطينية بنص قرار للجنة المركزية لحزب الليكود الحاكم، بعد خطاب مطول لشامير في 6 تموز/ يوليو 1989م، وفيه تأكيد على بعض ما ورد في المبادرة من قبيل رفض الدولة الفلسطينية، ورفض التفاوض مع منظمة التحرير كونها "إرهابية"، وفيه إضافات أخرى تشكّل عقبات أخرى يستحيل معها أي تسوية، ومن هذه البنود:

- إنهاء الانتفاضة "العنف والإرهاب" قبل البدء في أي مفاوضات مع العرب.

- استمرار الاستيطان في غزة والضفة "يهودا والسامرة".

- لن تكون هناك أي سيادة أجنبية على أي جزء من "أرض إسرائيل".

- استمرار عملية السلام بموجب اتفاق كامب ديفيد، ووفق مبادرة الحكومة الإسرائيلية.

وبهذا تكون إسرائيل قد ردت على مبادرة السلام الفلسطينية والتنازلات الجوهرية من الحقوق الفلسطينية، والتي جاءت في سياق إعلان الدولة عام 1988م والتوجه الجدي نحو خط التسوية، بمبادرة تعجيزية لا تؤدي إلى أي شيء سوى التسويف والمماطلة وكسب الوقت وإرهاق الآخر في دوامة لا تنتهي، وبالتالي تكون التنازلات الفلسطينية في دورة إعلان الدولة، وفي خطاب ياسر عرفات أمام الجمعية العامة بعد شهر من ذلك والمؤتمر الصحافي الذي عقده مباشرة في جنيف (الاعتراف بإسرائيل، و"نبذ الإرهاب"، والاعتراف بـ 242 و338)، قد ذهبت أدراج الرياح، ولم يحصل الفلسطينيون إلا على القليل من الإطراء الذي لا يغني ولا يسمن، واعتراف 95 دولة حول العالم حتى ذلك التاريخ بالدولة الفلسطينية العتيدة، والتي لا يزال الشعب الفلسطيني ينتظرها بعد مرور ثلاثة عقود على إعلانها.

أنس عبدالرحمن

 

من نفس القسم دولي