دولي

هل يتم التوافق على تطبيق جزئي لمسار التهدئة بين "حماس" وإسرائيل؟

خلافات فلسطينية على مسار التهدئة

لا يمكن حصر العوائق التي تحول دون التوافق على مسار للتهدئة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية فقط في التباين الكبير بين الشروط التي تضعها إسرائيل وتلك التي توافق عليها المقاومة لإنجاز هذا المسار، ولا في موقف السلطة الفلسطينية من هذا المسار؛ بل إن التباين في المواقف داخل الفصائل والحركات الفلسطينية يمثل عائقاً إضافياً يقلص فرص التوافق.

التكتم الشديد على المداولات التي تجريها الفصائل الفلسطينية في القاهرة حالياً حول مسار التهدئة المقترح، وحرص ممثلي الفصائل على عدم إظهار الخلافات بينهم بشأنه، لا يحجبان حقيقة أن هذه التباينات تحول دون التوافق على تطبيق هذا المسار.

وعلى الرغم من خلافاتها الكبيرة من قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، إلا أن الفصائل اليسارية تحديداً لا تبدو متحمسة للموافقة على أي مسار يتجاوز المنظمة والسلطة، خشية أن يمهد تطبيقه لتوفير الأرضية لتكريس المشروع الأميركي للتسوية، الذي يطلق عليه "صفقة القرن"، وهو ما يجعل هذه الفصائل تخشى من أن تتحمل هي وسائر الفصائل الأخرى المسؤولية التاريخية والوطنية عن ذلك.

ومن دون أن تعلن ذلك، فإنّ هذه الفصائل تبدي حساسية كبيرة إزاء أي مسار تهدئة، لا تلعب السلطة الفلسطينية دوراً رئيساً في تطبيقه، ويقوم على تدشين مشاريع بنى تحتية في شمال سيناء أو يمكن أن يكرس ربط غزة بمصر، مثل تدشين ميناء ومطار لخدمة القطاع في بورسعيد والإسماعيلية.

ويعني تشبث هذه الفصائل بهذا الموقف أن إنجاز مسار التهدئة يجب أن يسبقه إنهاء الانقسام الداخلي والتوافق على تطبيق اتفاق المصالحة الوطنية بين حركتي "فتح" و"حماس"، مع إدراكها أنها وحركة "حماس" وسائر الفصائل الأخرى، لا يمكنها أن تتعايش مع الشروط التعجيزية التي يضعها رئيس السلطة محمود عباس لتطبيق اتفاق المصالحة، وضمنها تفكيك سلاح المقاومة وتسليمه للسلطة، وهو الشرط الذي لم تجرؤ إسرائيل على طرحه خلال كل المداولات التي سبقت طرح مسار التهدئة المقترح.

ويبدو موقف حركة "حماس" حرجاً إلى حد كبير، فعلى الرغم من أن الحركة و"الجهاد الإسلامي" تتحملان العبء الرئيس للعمل المقاوم ضد إسرائيل، إلا أنها في المقابل لا يمكنها أن توقع على اتفاق تهدئة غير مباشر مع إسرائيل من دون الحصول على موافقة هذه الفصائل، على اعتبار أن الحركة هي التي ستتحمل أمام إسرائيل والأطراف الدولية والإقليمية الضامنة تبعات أي خرق للاتفاق.

إلى جانب ذلك، فإن "حماس" التي تتحمل عبء إدارة الحكم بشكل فعلي في قطاع غزة، معنية بإنجاز اتفاق التهدئة من أجل توفير الفرصة أمام إحداث تحول على الواقع الإنساني والاقتصادي بشكل يخفف من وطأة الظروف المعيشية للناس في القطاع.

وتعي حركة "حماس" أن تفجر مواجهة شاملة مع إسرائيل ستكون مسألة وقت، في حال لم يتم إنجاز اتفاق تهدئة يفضي إلى تغيير الواقع الإنساني والاقتصادي في القطاع.

لكن على الرغم مما تقدم، فإنّ الخلافات بين الفصائل يمكن ألا تعيق تطبيق المرحلة الأولى من مسار التهدئة، على اعتبار أن هذه المرحلة تضمن فقط العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل انطلاق حراك مسيرات العودة في 30 مارس/ آذار الماضي وإحياء تفاهمات التهدئة السابقة التي توصلت إليها "حماس" وإسرائيل بشكل غير مباشر بعد انتهاء عدوان 2014، برعاية مصرية.

لكن المرحلة الثانية من مسار التهدئة التي تفتح الطريق أمام تطبيق مشاريع البنى التحتية الكبيرة، هي التي تردع الفصائل الفلسطينية عن خوض مسار التهدئة بمعزل عن السلطة الفلسطينية، لا سيما تلك المشاريع التي يخطط لتدشينها في سيناء، على اعتبار أن تدشين هذه المشاريع في هذه البقعة الجغرافية تحديداً يُثير الربط بين مسار التهدئة و"صفقة القرن".

من هنا، فلن يكون من المستبعد أن يتم التوافق على تطبيق المرحلة الأولى من مسار التهدئة دون الإعلان عن ذلك ضمن هذا المسار وذلك ضمن معادلة "الهدوء مقابل الهدوء"، على أن يتزامن تطبيق هذه المرحلة مع تكثيف الجهود الهادفة لإحداث اختراق بشأن تطبيق المصالحة، يسهم في إقناع السلطة بالعودة لإدارة شؤون القطاع.

ولا يخدم هذا الخيار فقط الفصائل الفلسطينية التي تتخوف من الربط بين مسار التهدئة و"صفقة القرن"، بل يخدم أيضاً كلاً من مصر والأمم المتحدة اللتين تتوسطان لإنجاز مسار التهدئة، على اعتبار أن هذين الوسيطين توصلا إلى قناعة مفادها بأنه لدواع إدارية وقانونية لا يمكن تطبيق المرحلة الثانية من اتفاق التهدئة من دون السلطة.

إلى جانب ذلك، فإنه على الرغم من الخلافات بين نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، التي وصلت إلى حد عدم تردد الأخير في توجيه إهانة كبيرة للنظام من خلال رفضه استقبال مدير المخابرات المصرية عباس كامل أثناء زيارته الأراضي المحتلة، فإن القاهرة غير معنية بأن يسفر اتفاق التهدئة عن تكريس حكم حركة "حماس"، التي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من جماعة "الإخوان المسلمين"، التي يناصبها السيسي العداء، ما يجعل النظام معنياً بعودة السلطة لإدارة شؤون القطاع.

وقد يخدم هذا الخيار رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب أفيغدور ليبرمان، إذ إن ذلك يمكنهما من تسويق اتفاق التهدئة داخلياً في ظل الاعتراض داخل صفوف اليمين على أي اتفاق يتضمن تنفيذ مشاريع بنى تحتية ضخمة في القطاع من دون حل مشكلة الأسرى الإسرائيليين لدى حركة "حماس".

 

من نفس القسم دولي