دولي
غزة واستراتيجيات التعامل
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 15 أوت 2018
منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي لم يمر عليه حالة من التهديد وتنامي الخطر الاستراتيجي كالذي يعيشه اليوم، لعل ذلك يعود إلى استحداث وتوسع جبهات الصراع حوله وظهور العدو الأيديولوجي وغيره، وسنعمل في هذا المقال على الحديث عن الجبهة الجنوبية "غزة" واستراتيجيات تعامل الطرف الإسرائيلي معها وما هو الشكل القادم لها.
تعتبر جبهة غزة من الجبهات التي ظهرت حديثا، كمهدد يمكن وصفة بالاستراتيجي على إسرائيل هذه الجبهة توصف بأنها تتطور بشكل سريع، تعود العداوة فيها منذ فترة طويلة وتعتبر بؤرة لعدم الاستقرار ومصدر للإزعاج من النظرة الإسرائيلية، ولكن بعد فوز حركة حماس وسيطرتها على القطاع عملت الأخيرة على التطوير الدائم لقدرتها العسكرية والعلمية، وبسط نفوذ سيطرتها والتنسيق مع كل مكون داخلي أو خارجي تلتقي معه بهدفها الاستراتيجي الذي ترفعه، ولكن تتصف هذه الجبهة بأنها الأضعف مقارنة بغيرها، تعتبر هذه الجبهة داخلية، وذات مقربة كبيرة من المدن الإسرائيلية، كل ذلك يجعل عملية تطورها خطر داهم لا يمكن السكوت عنه وهذا ما يفسر كثرة العدوان عليها والعمل الدائم على إضعافها وفرض الحصار عليها.
اليوم إسرائيل تواجه مخاطر على الجبهات المختلفة بشكل متزامن وأيضا قد تكون بشكل متداخل، وجميعها يمكن وصفها الآن بأنها على درجة عالية من السخونة التي يمكن أن تتطور بها مجريات الاحداث، ففي لبنان وسوريا حالة التسلح غير المسبوقة بالإضافة إلى البرنامج النووي الإيراني، وفي غزة مسيرات العودة وحالة الاستنزاف التي تحدث على الحدود ومستوطنات الغلاف للقطاع بالإضافة إلى ملف المفقودين من جنودها وحالة التسلح الدائم، تعمل إسرائيل وفق العديد من السيناريوهات وتحاول أن تجزء المشهد وترسم استراتيجيات خاصة بكل جهة على حدة، وسوف أتحدث بنوع من الخصوصية عن جبهة غزة وذلك لأنها الأكثر تسارعا بالأحداث مع التنويه على حجم ارتباط المشهد والتأثر المتبادل بين غزة وباقي الجبهات الأخرى.
يوجد لدى إسرائيل العديد من الاستراتيجيات في التعامل المبنية على السياسات المختلفة التي يمكن ان تتعامل بها مع القطاع بعضها تم تطبيقه وبعضها لم يطبق، سنعمل على الحديث عن هذه الاستراتيجيات
وعملت على هذه السياسة الخشنة الغير مرنة في الفترة السابقة، لتقديرها الدائم بإمكانية تحقيقها في جبهة غزة الضعيفة بنظرها، وتحركت وفق هذه الاستراتيجية بشكلين:
العمل العسكري المباشر كما حدث في 2008 و2012 و2014م، وتعتبر هذه الاستراتيجية قد فشلت فشلاً ذريعاً، ويعتبر عدوان 2014م انتكاسة كبيرة فلم يتم انهاء حركة حماس بل ازدادت قوتها أضعاف ما كانت عليه قبل العدوان رغم استمرار العدوان لأكثر من 50 يوم، بل تركت إسرائيل خلفها أبنائها الذين لا تعلم عن مصيرهم أي شيء، وبذلك أعطت حماس ورقة قوة، وأيضا الخوف من الآثار السلبية على الجبهات الأخرى في حال عدم تحقيق هدف أي عمل عسكري ناهيك عن إمكانية اشتعالها أيضا، كل ذلك كان نتيجة الإخفاق الأمني وسوء التقدير لدى صانع القرار بإسرائيل.
فرض الحصار وحث المواطن على الخروج عليها، والعمل على إنهاء حكمها من خلال التضييق المباشر على المواطن من محاربة اقتصادية ومنع للكهرباء والماء وغيرها من اشكال الخنق والحصار التي يتعرض لها سكان القطاع منذ أكثر من 12عام، ولكن زادت وتيرتها بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
وأما خروج الشارع الغزي على الحركة فهذا أمر مستبعد لان الشارع الفلسطيني يعي جيدا من هو المتسبب في ازماته، ولما استحكمت المؤامرات على القضية تحركت الجماهير بعشرات الآلاف على السياج الحدودي مع الكيان الإسرائيلي بعنوان مسيرات العودة وكسر الحصار بدعوة من حركة حماس والفصائل الفلسطينية والنخب المجتمعية، فتوجهت كرة اللهب صوب الاحتلال وانفجر الشعب بوجه السجان واظهرت حماس من جديد مدى قوتها وحجم تأثيرها وسيطرتها.
وخلاصة القول ان هذه الاستراتيجية صعبة التحقق وإن تحققت، يوجد لها مخاطر كثيرة وكبيرة من خلال فقدان السيطرة على القطاع وحالة الفوضى والتبعية الاقتصادية وغيرها من القضايا التي تخدش أيضا هدف هذه الاستراتيجية في حال تحققها من الزاوية الإسرائيلية كل ذلك يجعل صانع القرار في تل أبيب يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على أي عمل عسكري.
قد تظهر هذه السياسة بعد فشل المحاولة في انهاء المقاومة في قطاع غزة بالتأكيد ستكون عبارة عن وفق إطلاق النار من الطرفين "هدنة"، ومجموعة المشاريع والبرامج الاقتصادية التي تعمل على تحسين الواقع في القطاع، ولعها يمكن، أن تأخذ بعض الاشكال التي سنجملها بالآتي.
الإبقاء على الوضع القائم: يستمر من خلالها جيش الاحتلال بمشروع الجدار حول الحدود والاستمرار في تطوير قدراته بهدف التقليل من آثار القوة التي تتملكها المقاومة، ويكون ذلك من خلال بعض التسهيلات الاقتصادية وبعض المشاريع الدولية التي تمنع القطاع من الانفجار وتعمل على تسكينه.
شبه إدارة ذاتية: وهو من خلال منح غزة بعض الصلاحيات في إدارة ذاتها في اغلب القطاعات المجتمعية عبر جهات دولية وجمهورية مصر العربية.
المصالحة الفلسطينية: وهو من خلال فرض المصالحة على حركة حماس وإعادة تفعيل الأجهزة الأمنية التي تتبع للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة وسيطرة الحكومة على القطاع، والعمل على التحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية.
ولو نظرنا إلى هذه الاشكال المختلفة سنجد أن الشكل الأول لن يعطي حل حقيقي وانما ستكون الأمور قابلة للانفجار بأي لحظة وحالة الهدوء التي تحققه هي حالة مزيفة مع العلم أنه تقريبا هو الشكل القائم منذ حرب2014م ، أما الخيار الاخر فهو خيار له بعض الايجابيات من الطرف الإسرائيلي لأنه يتماشى مع فكرة حصر فلسطين في المستقبل بهذا القطاع والعمل على ابتلاع الضفة الغربية وتوسيع وزيادة البؤر الاستيطانية، ولكن تواجه هذه الخطوة برفض لدى أطراف كثيرة في المنطقة ولها مخاطر وسلبيات من وجهة إسرائيل، لإمكانية توفر بيئة لدى المقاومة تؤهلها للعمل والتطور بشكل كبير.