دولي
تغطية جرائم الحلفاء.. معزوفة لا تملّها أميركا
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 13 أوت 2018
"لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"، هكذا كان رد الخارجية الأميركية على مقتل سيدة فلسطينية حامل مع طفلتها البالغة عاما ونصف العام بالقصف الإسرائيلي لمنزلها يوم الخميس في غزة. واشنطن تعرف أن إسرائيل بادرت بالعملية الجوية من دون سبب مباشر. لكن كيف جرت الحادثة؟ لا لزوم "إلى التطرق إلى ذلك... لأن حماس هي المسؤولة في النهاية"، كما قالت الناطقة الرسمية باسم الوزارة، هاذر ناورت. مكسر العصا موجود والحقائق مقولبة وبما يسهل رفع التهمة ومنح إسرائيل الأسباب التخفيفية وحتى البراءة، ولو أن واشنطن تعرف جيداً ما جرى.
هذه المعزوفة مألوفة وليست جديدة، رددتها سائر الإدارات الأميركية، بدرجة أو بأخرى، وتكررت في كل عدوان أو مجزرة أو قتل بدم بارد مارسته تل أبيب ضد الفلسطينيين. فهي جزء من خطاب الحماية المطلقة الملتزمة بها واشنطن تجاه الدولة العبرية، والتي تعني ضمناً أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن احتلالها.
لكن في السابق كانت هذه المقولة تتردد مشفوعة بالتعبير عن "القلق" أو "الأسف" عندما تكون الشراسة الإسرائيلية فاقعة، على الأقل رفعاً للعتب. في هذا الزمن، لا مكان حتى لمثل هذه المجاملات المفضوحة هشاشتها بكل حال. جيسون غرينبلات، الذي يساعد في الإشراف على الملف الفلسطيني – الإسرائيلي في إدارة دونالد ترامب، ذهب في الاستخفاف بعقول الناس إلى أبعد من ذلك. يزعم في مقال له بأن "كل المآسي الفلسطينية تسببت فيها حماس". وكأن الاحتلال كان رحمة. تناسى أو تجاهل أن حماس برزت على المسرح في العقد الأول من القرن الحالي بعد أن كان قد مضى على أوسلو أكثر من عقد ونصف من الزمن عملت إسرائيل خلاله على نسف وتحطيم أسس "عملية السلام ".
الجديد في زمن ترامب أن التماهي مع إسرائيل بلغ ذروة غير معهودة، تجسّدت في اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، مع نقل السفارة الأميركية إليها. خطوة لم تترك للحياد المزعوم أي مساحة للتلطّي خلفها. معها تآخت السياسة الأميركية مع الإسرائيلية في الإملاء ومطالبة الجانب الفلسطيني بالرضوخ الكامل المكشوف.
وهذا نهج معتمد، إلى حد بعيد، في التعامل مع عموم المنطقة: "إما أبيض وإما أسود" ولا لون بين الاثنين. فالإدارة تمنح "الصديق والحليف" تغطية كاملة، حتى في الحالات المفضوح فيها الاعتداء على حقوق الإنسان، وعلى رأسها حقه في الحياة، منها الموقف قبل يومين من قصف حافلة للطلاب في اليمن. "نأسف" قالت الخارجية. وأضافت "على الطرفين التحلي بالحذر" مع الدعوة إلى "قيامهما بالتحقيق في الحادثة". لا أثر لكلمة إدانة أو شجب ولا حتى قلق.
لكن هذا النهج الفاقع في تماهيه مع إسرائيل، بدأ ينتج حالة من الرفض، خاصة في القطاع الأكاديمي، الذي كان أحد أهم مواقع التأييد لإسرائيل في أميركا. وكان مثل هذا التوجه قد بدأ يطل برأسه في السنوات القليلة الأخيرة، من خلال الدعوة إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية المصنعة في المستوطنات. تحركت الجهات المعنية في الكونغرس وفي حكومات الولايات لتحريم مثل هذه المقاطعة قانونياً. لكنها لم تقو على قمعه.
وقبل يومين، أصدرت لجنة الحريات الأكاديمية الأميركية، بياناً دعت فيه الجامعات إلى عدم الاشتراط على الناشطين والمتحدثين في صروحها بألا يكونوا من جماعة مقاطعة إسرائيل؛ على أساس أن ذلك يتضارب مع مبادئ الحرية الأكاديمية التي لا يجب أن تخضع للاعتبارات السياسية.
تطور جديد وجريء قياساً بما كانت عليه الأمور في السابق. قوانين الصمت والولاء التي طالما أخرست الأصوات المعارضة لإسرائيل، لم تعد سارية كما كانت عليه في السابق، واللافت أن بدايات مثل هذا الاختراق تأتي في وقت تكاد فيه الإدارة الراهنة تندمج كلياً مع الاستباحات الإسرائيلية.