دولي

ماذا تبقّى من الصفقة؟

القلم الفلسطيني

يقدّم لنا التقرير، الذي نشرته مجلة الفورين بوليسي الأميركية أخيرًا، معلومات مسرّبة على درجة كبيرة من الأهمية والدلالة، عن نوايا صهر الرئيس الأميركي، جاريد كوشنير، تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهي الدلالة التي يحملها عنوان التقرير نفسه "ترامب وحلفاؤه في الإدارة والكونغرس يسعون إلى إلغاء وضع اللاجئ لملايين الفلسطينيين". 

تتمثل الهجمة الرئيسة اليوم على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي تعمل الإدارة الأميركية على تشويهها، وتجفيف المساعدات المالية لها، من أجل إنهائها على أرض الواقع، وهي الخطة التي تفضحها رسائل كوشنير الإلكترونية (كشفها التقرير وموجهة إلى مسؤولين أميركيين)، إذ يقول: "من المهم أن يكون هناك جهد صادق ومخلص لتعطيل أونروا". ويضيف: "هذه الوكالة تسعى إلى إدامة الوضع الراهن... ، ولا تساعد السلام"، "لا يمكن أن يكون هدفنا الإبقاء على الأمور مستقرّة، كما هي، في بعض الأحيان عليك أن تخاطر استراتيجياً بكسر الأشياء من أجل الوصول إلى هناك"! 

الخلاصة قدّمها لنا معدّا التقرير، كولوم لينتش وروبي غريمر، وهي : تبدو إدارة ترامب مستعدةً لإعادة صياغة شروط قضية اللاجئين الفلسطينيين لصالح إسرائيل، كما فعلت في قضية رئيسة أخرى في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عندما اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. 

تقودنا هذه الخلاصة إلى النقاشات والحوارات الجارية حالياً في الولايات المتحدة عمّا تسمى "صفقة القرن"، المنتظرة باعتبارها خطة تطرحها الإدارة الأميركية للتسوية السلمية، تحت إشراف كوشنير نفسه، إذ أفادت تقارير إعلامية بأنّ هذه الخطة قد توضع على الرفّ خلال الفترة القريبة المقبلة، أو إلى حين انتهاء الانتخابات النصفية في أميركا، وذهبت تسريبات أخرى إلى وجود خلافات بين ترامب وصهره، تعطل الصفقة، وتضعف نفوذ الأخير في الإدارة. 

مع ذلك، وبغض الطرف عن التسريبات بشأن الصفقة ومضمونها، فإنّ بيت القصيد يتمثل في السؤال الاستنكاري المهم الذي طرحه رئيس وزراء أردني أسبق، وسياسي خبير، وهو طاهر المصري، على خلفية النقاشات والحوارات الجارية اليوم بشأن الصفقة: ماذا تبقى أصلاً من الصفقة لم ينفّذ؟ 

وضع القدس أنهاه الرئيس الأميركي ترامب. ملف اللاجئين، يكشف تقرير "فورين بوليسي" حجم إصرار الإدارة الحالية على دفنه تماماً. السيادة الفلسطينية مرفوضة وغير مطروحة. يهودية الدولة كرّسها قانون إسرائيلي أخيرا. كل ما تريده إسرائيل تحققه على أرض الواقع، فما الداعي لوجود صفقة ومفاوضات أصلاً، طالما أنّ سيناريو الأمر الواقع هو الصفقة الحقيقية الكبرى. 

لن تجد إسرائيل فرصة ذهبية مواتية للمضي في مشروع تصفية القضية الفلسطينية أفضل من اللحظة التاريخية الراهنة، بشقيّها... الأول، متمثل في فريق أميركي محيط بترامب صهيوني أكثر من الصهيونيين أنفسهم، من نائب الرئيس، إلى صهره، وصولاً إلى وزير الخارجية، مروراً بسفير أميركا في إسرائيل، ومندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وغيرهم من أعضاء متحمّسين لخدمة إسرائيل، وتنفيذ أهدافها أكثر من اليمين الإسرائيلي نفسه. 

ويكشف تقرير آخر نشرته مجلة النيويوركر في الشهر الماضي، وأعدّه أدم أنتوس، عن حجم تأثير رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الهائل على الرئيس الأميركي، وعن قوة النفوذ الكبير والدور الفاعل الذي يقوم به السفير الإسرائيلي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، ما يدفع الطرفين (اليمينين الإسرائيلي والأميركي) إلى محاولة الإجهاز على القضية الفلسطينية بصورة كبيرة خلال الفترة الحالية. 

ويتمثل الشق الثاني، من اللحظة التاريخية، في الانكشاف الفلسطيني، وحالة الضعف الاستراتيجي العربي الراهنة، ليس على صعيد محاولات تمرير الصفقة المشؤومة من خلال ما يُسمّى "الحل الإقليمي"، بل بما هو أخطر من ذلك وأهم؛ أي تهميش القضية الفلسطينية وإخراجها من قائمة الاهتمامات العربية، في مقابل أفكار هزلية، كإقامة "ناتو عربي" في مواجهة النفوذ الإيراني، والقصة في حقيقتها لا تتجاوز ابتزازا أميركيا للعرب بلا مقابل. 

الصفقة، يا سادة، ليست بحاجة إلى طرف آخر يقبل أو يرفض، هي قائمة على قدم وساق اليوم، لم يتبق منها إلّا القليل، وسيناريو الأمر الواقع أخطر بكثير مما يدور في الكواليس أو تكشفه التسريبات والتقارير.

محمد أبو رمان

 

من نفس القسم دولي