دولي

القيادة الفلسطينية وقانون القومية الإسرائيلي

القلم الفلسطيني

أقر البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، قبل أيام، قانون أساس القومية، ويحاول الاحتلال عبره تحقيق مجموعة من الأغراض، أهمها تثبيت الاعتراف الأميركي بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، ووضع القيود والعقبات أمام أي ضغوط شعبية عالمية، تطلب السماح للفلسطينيين بممارسة حقهم في تقرير المصير، بالإضافة إلى محاصرة ومحاربة اللغة العربية التي حولها القانون من لغة رسمية إلى لغة ذات مكانة خاصة. كما نشهد على الجانب المقابل تصاعد ونمو حملة التضامن الشعبية الدولية مع القضية الفلسطينية، متمثلة في توالي نجاحات حركة المقاطعة  الدولية لإسرائيل BDS المتفرقة والمتوالية، ونجاح مسيرات العودة في الحفاظ على نسقها وتنظيمها ودوريتها حتى الآن، بل وتمدّدها، وبدأنا نلمس انعكاساتها داخل جزء كبير وواسع من الأراضي الفلسطينية، مثل حراك حيفا، ومظاهرات الضفة الغربية، وخصوصا رام الله، والتي تطالب بإلغاء جميع إجراءات سلطة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، تجاه قطاع غزة المحاصر أصلاً. 

ويدفع هذا الأمر إلى التساؤل: كيف يتمكّن الاحتلال من المضي في ممارساته الإجرامية والعنصرية، في ظل هذه الأجواء الدولية والمحلية الشعبية التي تنضح بالمقاومة والوعي بحقوقنا وبحتمية النضال من أجلها؟ إذ لا يمكن حصر الإجابة على هذا السؤال بحجم الدعم الدولي الذي تتلقاه إسرائيل وطبيعته، ولا بمقدار توافق هذه الممارسات العنصرية مع الأجواء الدولية الرسمية العنصرية المتصاعدة أخيرا، والتي باتت سمة حملات انتخابية وحكومات  منتخبة عديدة في العالم، وفي مقدمتها الحكومة الأميركية متمثلة برئيسها دونالد ترامب. بل لا بد من النظر، وبتمعّن، إلى مساهمة القيادة الفلسطينية، بقصورها وضعفها وتخبطها، في ذلك، إذ إنها تعجز عن توجيه أجواء التضامن الدولية، وموجات الغضب الفلسطيني، بما يخدم قضيتنا العادلة، ويساهم في محاصرة إسرائيل سياسيا وقانونياً، من أجل اللهاث خلف أوهام حل الدولتين، وخلف صراع سلطوي وسياسي داخلي، لا يسمن ولا يغني من جوع. الأمر الذي يمثل حلقة جديدة في مسار فشل القيادات الفلسطينية تاريخيا في مواكبة النضال الشعبي، وفي تحقيق أهدافنا الوطنية المحقة، مهما كانت الظروف والشروط الذاتية والموضوعية، ما يجعلها تتحمل مسؤولية كبيرة عن وضعنا الراهن. 

إذا، لا ينبغي اليوم الاكتفاء بنقد قانون أساس القومية، أو بفضح عنصريته وعنصرية الاحتلال وجرائمه العديدة والمتعدّدة بحق الشعب الفلسطيني، بل لا بد كذلك من فضح أخطاء القيادة الفلسطينية ونقدها، وعجزها عن تحويل أهدافنا الوطنية إلى واقع ملموس، كما علينا وضع حد نهائي لجميع التجاوزات التي تمارسها القيادات، وأهمها تغيير البرامج أو الأهداف الوطنية تحت أي ذريعة كانت، فقد انتخبت أو فوضت من أجل تحقيق الأهداف المعلنة، وبالتالي هي مسؤولة عن حمايتها وتحقيقها، كما أن البرنامج الوطني ثابت وطني لا يحق لأي شخص المساس به؛ مهما كانت سلطته السياسية أو الفصائلية، لذا لا بد من ربط أي تغيير في هذين العنصرين بالإرادة الشعبية الكاملة التي لا تستثني أي مكون شعبي، مهما كان انتماؤه السياسي، أو مكان وجوده الجغرافي، سواء داخل فلسطين أو خارجها. وهو ما يعيدنا قليلاً إلى الخلف، من أجل التدقيق في جميع التعديلات والتغييرات التي مارستها القيادات الفلسطينية في الخطاب السياسي والإعلامي الوطني، حتى طاول بعضها البرنامج والأهداف الوطنية، وكأنهم يحاولون إيهامنا بأن الخلل والسبب الرئيسي في استمرار معاناتنا ومظالمنا لا يتعلق بهم وبأخطائهم، بل يكمن في أي شيء آخر، حتى لو كان الثمن تغيير أهدافنا وبرامجنا وربما حقوقنا في قادم الأيام. 

ملاحظ عند عقد أي مقارنة بين النهجين السياسيين، الفلسطيني والإسرائيلي، مدى تخبط الأول وعشوائيته، من خلال تتبع تقلبات المزاج والخطاب السياسي منذ النكبة في العام 1948، ما يوضح ضعف عملية نقد المسيرة النضالية الفلسطينية بشكل علمي ومنهجي، الأمر الذي انعكس على شكل تغيير في الأهداف والبرنامج، بدلا من العمل على تغيير الوسيلة النضالية أو تعديلها، كي تواكب التغيرات الداخلية والخارجية. وعلى المقلب الآخر، نجد مدى إصرار النهج  الإسرائيلي وعزيمته ومواصلة الثاني على الأهداف نفسها، وإن تغيّرت الوسائل أحيانا، فمثلا يعود طرح قانون أساس القومية داخل الكنيست فقط إلى العام 2011. ومنذ ذلك العام، أجريت عليه تعديلات ثانوية، غالبيتها لا تمس صلب القانون أو مشروع القانون في حينه، بقدر ما تهدف إلى تسهيل تمريره وتجميله دوليا، كما تهدف إلى اقتناص اللحظة الدولية والإقليمية المناسبة، من أجل تمريره وإعلانه وتسويقه دولياً، وهو ما يبدو أنه قد تحقق اليوم، في ظل الأجواء العنصرية السائدة دوليا، وحالة الانهيار والاستسلام عربياً. 

وعليه، نحن مطالبون باصطفاء القيادة التي تمثلنا وتمثل أهدافنا وبرنامجنا الوطني الآني والمستقبلي، من أجل تحقيقها أولاً، وبهدف إيقاف حالة الانهيار والاستسلام والتنازل المستمرة منذ مدة ليست قصيرة ثانيا، فقد حان الوقت كي نتمكن من تحويل أي حراك ونضال جماهيري، وأي حالة تضامن شعبية مع قضيتنا العدالة، إلى انعكاسات ميدانية ملموسة، مثل محاصرة الاحتلال، وإرغامه على وقف ممارساته الإجرامية والعنصرية، وصولاً إلى استعادة حقوقنا المستلبة. وهو ما يجعلنا نتوسم خيراً في أجواء النقاش الفلسطيني الجارية الآن، والتي تدور حول البرنامج الوطني الفلسطيني، والتي أعتقد أن المشاركة فيها للمساهمة في حل أزمة البرنامج والقيادة الفلسطينية عمل ذو أولوية لا تقل أهمية عن أي شكل من مواجهة الاحتلال، فمن غير المقبول الاستمرار في مسار التنازل عن حقوقنا وأهدافنا التي باتت عنجهية الاحتلال وداعمه الأكبر الولايات المتحدة الأميركية، تهددها جميعها، من حق العودة إلى الحق في كامل الأراضي المحتلة منذ 1948. 

أخيرا، يمكن القول إن ضعف تمثيل القيادة الفلسطينية لشعبها وقضيتها، هو العنصر الأهم في تعزيز سلطة الاحتلال الإسرائيلي، وتكريس سياساته ميدانيا وواقعيا. وعليه، تتطلب المرحلة المقبلة من الفلسطينيين استعادة برنامجهم الوطني الذي يمثلهم، واصطفاء القيادة المثلى لهذا الهدف، بحيث يتم تقييمها وفقاً لدورها في تحقيقه فقط، ومن جميع الفلسطينيين، فالطريق الأقصر والأنجع في مواجهة الاحتلال، وعنصريته وإجرامه، ينطلق من صيانة برنامج الحركة الوطنية وأهدافها على اعتبارها البوتقة التي تجمع جميع النضالات وتصوبها في خدمة مصالح الشعب الفلسطيني، وأهدافه المحقّة والشرعية.

حيّان جابر

 

من نفس القسم دولي