دولي

هل سنشهد حرباً إسرائيليةً إيرانيةً؟

القلم الفلسطيني

يبدو أن الحروب التقليدية قد أصبحت من التاريخ وذلك لعدة أسباب:

تبدو الحروب التقليدية (التي تدور بين دولتين على الأقل وتستخدم فيها الأسلحة التقليدية كالحرب العراقية الإيرانية أو حرب 1973 أو الحرب العالمية الأولى والثانية) قد أصبحت من الماضي مثل الحروب غير التقليدية (النووية مثلاً). 

• فدقة الأسلحة التقليدية الحديثة وقدرتها التدميرية الهائلة ترعب مثل الأسلحة غير التقليدية وربما أكثر؛ فما تدمره القنبلة النووية يمكن تدميره بأسلحة تعتبر تقليدية وغير محرمة دولياً، ومشاهد الضاحية الجنوبية والشجاعية والموصل وحلب وحمص وحماة ومخيم اليرموك وغروزني قبل ذلك، لا تختلف عن مشاهد هيروشيما وناغازاكي بعد إلقاء القنابل النووية عليها، وأي قرار حرب يعني مخاطرة كبيرة وربما تهديد وجودي للدولة المغامرة كما للدولة الأخرى المعتدى عليها.

• والمنظومة الدولية أكثر مهنية من ذي قبل وأكثر تدخلاً في علاقات الدول ببعضها، بل وفي شؤونها الداخلية أيضا.

• وتلعب العولمة دوراً مهماً كذلك بجعل أي دولة مهما بلغت قوتها غير قادرة على التصرف بمعزلٍ عن المحيط الإقليمي والدولي، فالاقتصاد متشابك بين الدول حتى بين الخصوم أنفسهم، فقد رأينا الدول تخوض صراعاً وحروباً بالوكالة ضد بعضها ولكنها تحافظ على علاقات اقتصادية وتبادلٍ تجاري بينها والأمثلة أكثر من أن تحصى.

• وتطور وسائل الإعلام يجعل المواطن البسيط مطلع على التطورات الأمنية كالقائد في أعلى هرم السياسة، لذا لم يعد سهلاً خوض حربٍ دون إقناع أغلبية الجمهور بأنها حربٌ اضطرارية ولا مفر منها.

• وتطور وسائل الاتصال يسهل الوساطات بين الخصوم بل الاتصال المباشر بين الخصوم أنفسهم وهو ما يمنع سوء الفهم وسوء تقدير الموقف، ويسهل قراءة أفكار الطرف الآخر جيداً، وهذا يذكر بالتلفون الأحمر بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة أيام الحرب الباردة.

• التكلفة الاقتصادية الهائلة للحروب في ظل تطور الإعلام ومعرفة الجماهير بما يحدث، وارتفاع مستوى المعيشة للمواطنين وهو ما تهدده الحرب، كل ذلك يجعل خيار الحرب بالنسبة للمواطن مستبعداً وغير مرغوب، وبالتالي يجعل خيار الحرب مستبعداً لكل قيادة تعتمد على التأييد الشعبي لها حتى في الدول غير الديمقراطية.

• تطور منظومة الرقابة القانونية والحقوقية دولياً يجعل خوض حرب تقليدية أمراً مليئاً بالمخاطر والفخاخ في ظل مؤسسات ترصد كل جريمة وكل عمل عسكري وأثره على المدنيين والأبرياء.

• تطور أنواع حروب أقل من تقليدية مثل حروب الجيل الرابع والإرهاب والعصابات والغوريلا وحروب الوكالة، يوفر وسائل عنيفة تعاقب الدول بعضها البعض بها ومن خلالها عوضاً عن حرب تقليدية مباشرة.

هذه الأسباب وغيرها تجعل أي دولة حتى الدول العظمى تفكر ألف مرة قبل الغزو أو إعلان حرب على دولة أخرى حتى لو كانت دولة ضعيفة، وهذا لا يعني أن الحرب التقليدية غير ممكنة نهائياً ولكن يمكن القول أن لا أحد في العالم يرغب بها، ولكن سنجد من يقرع طبولها في محاولةٍ لمنعها من خلال الضغوط الدولية على قاعدة (امسكوني) كما يفعل نتنياهو ومن خلال ضرب اذرع الدولة المستهدفة دون ضربها بشكلٍ مباشر، واستعراض القوة وتجريب الأسلحة إلى حد سباق التسلح مما يذكرنا بأجواء الحرب الباردة حيث الكثير من التهديد والوعيد واستخدام الوكلاء في صراعات محدودة وإقليمية دون أن تلتقي الدولتان في حربٍ مباشرة.

وإذا أضفنا لما سبق أسباب تتعلق بإيران تحديداً سنجد تاريخاً من ضبط النفس والتوسع البطيء منذ ما قبل الإسلام ، فهناك إمبراطورية لا يسهل استفزازها، تتحدث بمنتهى الهدوء وتسعى لامتلاك أكثر الأسلحة فتكاً، فمشروعها أكبر من رد الاعتبار هنا وهناك، وحساباتها أكبر من غارة مجموعة من الجنود، وتاريخ من الضعف واستخدام التقية يجنبها عنتريات، ويمكنها من ابتلاع الصفعات على طريق تحقيق مشروعها.

صلاح الدين العواودة
 

من نفس القسم دولي