دولي

قراءة نقدية في خطاب عباس بشأن تفجير غزة

القلم الفلسطيني

... هناك ثلاث رسائل ضمنية حملها خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماع القيادة الفلسطينية برام الله (19 مارس/آذار 2018).

الرسالة الأولى إعلان فشل المصالحة وفق النموذج الموقع سنة 2011 والملاحق التالية؛ والثانية رغبة قيادة السلطة (قيادة حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية) في الهيمنة على المشروع الوطني الفلسطيني دونما شراكة حقيقية.

والثالثة رغبة قيادة السلطة في مواصلة التزاماتها تجاه "إسرائيل" ومسار التسوية واتفاق أوسلو، من إخضاع قطاع غزة لاستحقاقات وسقف هذا المسار، رغم كل ما يُقال عن إحباطها من الأميركان والإسرائيليين.

هل يستحق الأمر أن يُهدم النظام / التعايش السياسي الفلسطيني، بسبب حادث لم يتم التأكد من معرفة فاعليه؟

كان الخطاب الذي ألقاه عباس صادماً في الوسط الفلسطيني، وكان مستغرباً مستوى الشتائم والاتهامات التي كالها عباس لحركة حماس، بشكل لا يتناسب مع زعيم سياسي. كان بإمكان زعيم مثله أن يترك مهمة الهجوم الإعلامي والشتائم لأحد كوادر أو موظفي الدرجة الثالثة.

واللافت للنظر أن وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) -التي نشرت نص خطاب عباس- حذفت منه عبارات أو كلمات يبدو أنها شعرت (نيابة عن الرئيس) بالحرج في نشرها، فحذفت قول عباس "بكل حقارة ونذالة" عندما قال إن حماس وقفت وراء هذا الحادث وارتكبته.

كما حذفت جملة متعلقة بحماس عندما قال إن "الكنادر والصرامي ستنصب على رؤوسهم، على رؤوس أكبرهم وأصغرهم". وحذفت أيضاً لفظة "ابن الكلب" في شتم السفير الأميركي لدى الكيان الإسرائيلي.يحاول هذا المقال أن يناقش ثلاث قضايا فقط مما أورده عباس في خطابه:

القضية الأولى: محاولة الاغتيال؛ فهناك أسئلة كبيرة تضع نفسها برسم الإجابة من عباس: أولها لماذا الإصرار الغريب والحاسم بأن حماس وراء الانفجار قبل اكتمال التحقيقات؛ بمعنى أن عباس يعرّض مشروع المصالحة وإعادة بناء المشروع الوطني للانهيار بناء على معطيات غير مؤكدة.  محاولة الاغتيال؛ فهناك أسئلة كبيرة تضع نفسها برسم الإجابة من عباس: أولها لماذا الإصرار الغريب والحاسم بأن حماس وراء الانفجار قبل اكتمال التحقيقات؛ بمعنى أن عباس يعرّض مشروع المصالحة وإعادة بناء المشروع الوطني للانهيار بناء على معطيات غير مؤكدة.

وثانيها لماذا رفضت حكومة السلطة برام الله التعاون مع الأجهزة الأمنية في القطاع؟ فقد وُجدت عبوة أخرى لم تنفجر (على بعد 37 متراً) مرتبطة بشريحة هاتف، وتُوصّل إلى طرف خيط. غير أن الحكومة قامت بأمر شركتيْ "جوال" و"الوطني" بعدم تسليم كشف أسماء مستخدمي أرقام هواتف الشركتين ساعة وقوع الانفجار، وهو ما أبقى المجرم حراً.

وثالثها أن الطرف الإسرائيلي -حسب إذاعة الجيش الإسرائيلي والقناة الإسرائيلية الثانية- أبلغ حكومة عباس أن كاميراته عند معبر بيت حانون (إيرز) -الذي يتولىالجانب الفلسطيني منه أمن سلطة رام الله- كشفت عبور ثلاثة أشخاص معهم حقيبة. وأنهم قطعوا الشارع حيث مكان الانفجار ومكثوا عشرين دقيقة؛ وأن الإسرائيليين أبلغوا أمن السلطة بتلك المعلومات لمعرفة حقيقتهم، ولم يتلق توضيحات.

ورابعها أن الأجهزة الأمنية في غزة تتمتع بكفاءة عالية لا تقل عن نظيرتها في الضفة، وأن شعور المواطن في غزة بالأمن هو أعلى أو لا يقل عن شعور المواطن بالضفة في السنوات الماضية؛ وفق استطلاعات رأي قامت بها مؤسسات موجودة في الضفة نفسها.

فلماذا لا تمارس هذه الأجهزة عملها الطبيعي؟ وإذا كان ثمة طعن بولاء الأجهزة الأمنية بغزة لحماس أو لبرنامج المقاومة؛ فلماذا لا يحق لقوى المقاومة أيضاً أن تطعن في ولاء قيادات أو ضباط الأجهزة الأمنية بالضفة التي تُنسق مع الاحتلال ودربها الأميركان، ويأتي جزء كبير من ميزانيتها من الداعم الغربي، وتقمع الانتفاضة وتطارد رموز المقاومة؟

وخامسها سؤال جوهري عادة ما يتم سؤاله أمنياً وسياسياً في حالات كهذه؛ وهو: من المستفيد من عملية التفجير؟! ثمة إجماع على أن حكومة عباس هي المستفيد الأكبر، لرغبتها في استعجال السيطرة المباشرة على ملف الأمن بغزة (قبل استكمال ترتيبات المصالحة)، عبر إظهار اضطراب الوضع الأمني في القطاع. سؤال جوهري عادة ما يتم سؤاله أمنياً وسياسياً في حالات كهذه؛ وهو: من المستفيد من عملية التفجير؟! ثمة إجماع على أن حكومة عباس هي المستفيد الأكبر، لرغبتها في استعجال السيطرة المباشرة على ملف الأمن بغزة (قبل استكمال ترتيبات المصالحة)، عبر إظهار اضطراب الوضع الأمني في القطاع.

وأن المتضرر الأكبر هو حماس التي قامت بخطوات كبيرة السنة الماضية باتجاه المصالحة وباتجاه فكّ الحصار عن غزة. وكان الملاحظ الإجماع الشامل بين كل قيادات حماس على إدانة العملية والمطالبة بكشف فاعليها، لدرجة أن أحد مسؤولي حماس طالب بتعليق الفاعل على المشنقة، حتى ولو كان يحيى السنوار نفسه (جريدة الحياة، 22 مارس/آذار 2018).وسادسها هو الإخراج الرديء لما سُمي بعملية التفجير؛ وهي لعبة مكرورة وممجوجة تقوم بها عادةً جهاتٌ لها مصلحة خاصة في خلط الأوراق وإفساد الأوضاع.

والذي يعرف حماس يعلم تماماً حرصها على سمعتها، وعلى أمن من يدخل إلى مناطق تحت هيمنتها؛ ولنفترض جدلاً أنها تريد أن تغتال شخصاً سياسياً (وهذا ليس في سلوكها)، فلن تلجأ إلى هذه الطريقة الرديئة المكشوفة في العمل.

القضية الثانية: فزاعة التمكين؛ يقول أبو مازن إنه بعد نحو ستة أشهر من اتفاق القاهرة (12 أكتوبر/تشرين الأول 2017) فإن تمكين الحكومة كانت نتيجته صفرا؛ وأن من يقول غير هذا فهو "كذاب ومنافق"؛ حسب تعبيره، والملاحظة الأولى: أن هناك من قيادات فتح أنفسهم من تحدثوا عن التعاون الإيجابي في تسليم الوزارات والمؤسسات إلى الحكومة (د.محمد اشتية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2017؛ وعزام الأحمد في 8 ديسمبر/كانون الثاني 2017).، أما الملاحظة الثانية: أن اتفاق القاهرة الأصلي (4 مايو/أيار 2011) لم يتطرق إلى تسليم الأجهزة الأمنية أو سلاح المقاومة للحكومة، والإطار العام يتحدث عن إصلاح الأجهزة الأمنية في الضفة والقطاع (وليس في القطاع وحده)، وفق مسار متفق عليه.

الملاحظة الثالثة: أن الالتزامات تجاه ملف المصالحة -بما في ذلك تمكين الحكومة- فيها مسارات متوازية واستحقاقات متبادلة. وبينما تضغط قيادة فتح أو السلطة برام الله على الطرف الآخر فقط لتنفيذ استحقاقات محددة؛ فإنها لم تلتزم بما يليها من استحقاقات. أن اتفاق القاهرة الأصلي (4 مايو/أيار 2011) لم يتطرق إلى تسليم الأجهزة الأمنية أو سلاح المقاومة للحكومة، والإطار العام يتحدث عن إصلاح الأجهزة الأمنية في الضفة والقطاع (وليس في القطاع وحده)، وفق مسار متفق عليه.

... يتبع

محسن صالح

 

من نفس القسم دولي