دولي

فدائيّو أراضي 48 .. انتماء وطني وبطولات تواجه عنصرية "إسرائيل"

بدا الإرباك واضحا على بيانات شرطة الاحتلال

عادت عمليات المقاومة التي ينفذها فلسطينيو الداخل الفلسطيني المحتل، لتثير الرعب في الكيان الصهيوني، بعد عملية الدعس الأخيرة التي نفذها فلسطيني من مدينة شفا عمرو بمدينة عكا المحتلة، وقد بدا الإرباك واضحا على بيانات شرطة الاحتلال وأجهزة الأمن "الإسرائيلية"، فخرجت بيانات متتالية تحمل معلومات متضاربة حول طبيعة الحدث ودوافعه.

بدأ الحديث عن عملية دعس اعتيادية، ثم تطور إلى حديث عن عملية دعس بدوافع انتقامية، بعد تحرير مخالفة مرورية للسائق، ثم استقر الأمر على عملية بدوافع "قومية"، وهو التعبير الذي تستخدمه دوائر الأمن الصهيونية في وصف عمليات المقاومة.

هذا التضارب في تفسير دوافع هذه العملية وغيرها من العمليات التي ينفذها فلسطينيو الداخل، يكشف بشكل جليّ سعي دوائر الأمن لامتصاص الصدمة ومنع انتشار حالة من الهلع والذعر في صفوف "الإسرائيليين"، وفق محلل الشؤون العبرية بـ"المركز الفلسطيني للإعلام".

وعلى مدار سنوات النضال الفلسطيني، لم تنقطع مشاركة فلسطينيي الداخل في المقاومة جنبا إلى جنب مع فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يؤكد أنهم لا يزالون جزءا أصيلا من مكونات الشعب الفلسطيني، وفشل كل محاولات "إسرائيل" لإبعادهم عن قضايا شعبهم، لا سيما أنهم لم يسلموا طول الوقت من عنصرية وجرائم الاحتلال.

ونفذ عبد الحكيم عاصي، وهو شاب فلسطيني من مدينة نابلس بالضفة لكنه يحمل الهوية الزرقاء، عملية طعن شمال سلفيت الشهر الماضي، قتل فيها حاخاما يهوديا، قبل أن يتمكن من الانسحاب والاختفاء حتى اليوم، وتكتسب العمليات التي ينفذها فلسطينيو الداخل مزايا عديدة تجعلها أشد تأثيرا، حتى ولو كانت خسائرها المادية في صفوف "الإسرائيليين" محدودة أحيانا.

ففلسطينيو الداخل، وبحكم حملهم الهوية الزرقاء، يتمتعون بحرية التنقل بين أرجاء الأرض المحتلة عام 1948، ويساعدهم إلمامهم باللغة العبرية في سهولة التنقل ودخول التجمعات "الإسرائيلية"، كما أن احتكاكهم اليومي بالإسرائيليين ووجودهم في التجمعات السكانية اليهودية، يجعلهم أكثر قدرة على معرفة مواطن الضعف فيها وانتقاء الأهداف بعناية، بل وابتداع أساليب نوعية في المقاومة.

هذه المخاوف المتصاعدة بعد كل عملية، والتي تغذيها كثيرا أجواء الكراهية والعنصرية تجاه فلسطينيي الداخل، تضاعف قلق "إسرائيل" ممن عدّتهم منذ النكبة "قنبلة موقوتة"، لا يمكن التكهن متى ولا أين ولا كيف ستنفجر.

وعلى سبيل المثال، يشير محلل الشؤون العبرية بالمركز إلى أن عملية نشأت ملحم في تل أبيب، ضربت مشاعر الأمن والثقة بالنفس لدى "الإسرائيليين"، لا سيما وأنها وقعت في قلب المدينة الرمز، وأن منفذها انسحب وظل طليقا أسبوعا، ويتابع "لذا، وفي محاولة لتعزيز الشعور بالأمن واستعادة الثقة والهيبة، حرصت أجهزة الأمن ووسائل الإعلام الصهيونية على طمأنة جمهورها عبر الحديث عن عمليات تفتيش تجريها في الضفة بالتعاون مع أجهزة السلطة".

كما حرصت على تصوير عملية قتل الشهيد ملحم وكأنها قصة نجاح بطولية، وتعمدت القنوات التلفزيونية نشر صور متكررة بشكل ملفت لجثمان الشهيد الذي فجّر الرصاص رأسه وسط بركة من الدماء.

وتحاول دوائر الأمن الصهيونية التقليل من أثر هذه العمليات باتجاهين، الأول عبر امتصاص الصدمة بإصدار بيانات أولية ترجح بأن الحدث هو مجرد حادث اعتيادي، ومن ثم تبدأ بالحديث عن الدوافع القومية، ويترافق مع الاعتراف بالدوافع القومية، تسريب معلومات هدفها التقليل من خطورة العملية ومنفذها، مثال: الحديث عن ماضٍ إجرامي أو أخلاقي سيئ للمنفذ، أو أنه يعاني من مشاكل أسرية، أو اضطرابات نفسية، أو خلافات في العمل.

وفي الاتجاه الآخر، تعمل على اتخاذ إجراءات عقابية صارمة بحق المنفذين، كسحب الجنسية كما حدث مع علاء زيود، أو طرد أقاربهم إلى الضفة كما حدث مع والدة خالد أبو جودة، ولم تعد سرًّا مخاوف الدوائر الأمنية الصهيونية من انخراط فلسطينيي الداخل في عمليات المقاومة، مع ارتفاع وتيرة هذه المشاركة.

وقبل شهرين، نشر الخبير الأمني بصحيفة "معاريف" العبرية يوسي ميلمان، تقريرا قال فيه: إن أجهزة المخابرات قلقة من المخاطر التي تواجه "إسرائيل" من هجمات مسلحة ينفذها شبان فلسطينيون آباؤهم من الضفة أو غزة ممن تزوجوا بفلسطينيات من الداخل، وأضاف: "المعطيات المتوفرة لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية تفيد بأن نسبة هذه العائلات المختلطة من العدد الإجمالي لفلسطينيي الداخل تقترب من 5%، بعدد يقدر بمائة ألف نسمة، لكنهم يشكلون 15% من نسبة المنخرطين بتنفيذ العمليات.

وهذه النسبة تأخذ بالازدياد في أوساط الفلسطينيين من سكان النقب، حيث يشكل أبناء العائلات المختلطة 12% من النسبة الإجمالية للسكان.

وتشير المعطيات إلى أنه بين عامي 2000- 2017، بلغ عدد الشبان الفلسطينيين من النقب المشاركين في عمليات المقاومة 44 شابا، وشملت نشاطاتهم: تحضير عمليات، وتجنيد منفذين، وجلب مساعدين، ونقل أموال لأنشطة المقاومة، وحيازة سلاح ووسائل قتالية.

وبحسب ما نقلته وسائل إعلام عبرية عن مصدر أمني "إسرائيلي" كبير؛ فإن العائلات العربية المكونة من مثل هذا الزواج المختلط تشكل بيئة مهيأة لتجنيدها من التنظيمات الفلسطينية المسلحة، بسبب توفر جملة عوامل مشجعة لهم، خاصة الدوافع الأيديولوجية للأزواج الفلسطينيين القادمين من الضفة وغزة.

 

من نفس القسم دولي