دولي
عن المصالحة والتمكين!
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 26 نوفمبر 2017
لم تكن النتيجة السلبية لحوارات القاهرة الأخيرة وما سبقها من حوارات وتنازلات قدمتها حركة "حماس" عن مظاهر فوزها الانتخابي وتمثيلها للإرادة الشعبية غريبا على من يتابعون الشأن الفلسطيني الداخلي، امتدادا إلى قراءة طبيعة العوامل المحلية والإقليمية والدولية المؤثرة في القرارات والعلاقات الفلسطينية الداخلية، وطبيعية البنية الفكرية والثقافية والسياسية للمتحاورين، والتي عرفت مجازا بـ(عملية) المصالحة؛ استلهاما لما تمر به (عملية) التسوية التي دخلت نفقا لا يؤدي إلى أيتها نتيجة إيجابية للشعب الفلسطيني.
من الواضح أن قيادات الفصائل لم تسلك الطريق الذي يقود إلى المصالحة، فلا يمكن أن تصل إلى مدينة نابلس (شمالا) إذا سلكت طريق الخليل (جنوبا)، ومن البديهي أن لا يخرجوا مستغربين عن سبب عدم وصولهم إلى المحطة المطلوبة.
أول خطوة مطلوبة لتحقيق المصالحة تتمثل في الاعتراف بنتيجة الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي مثلت الإرادة الشعبية الفلسطينية
حدث الانقسام الفلسطيني العنيف بعد رفض العالم والإقليم وجهات فلسطينية لنتيجة الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وسعوا إلى إفشال التجربة الديمقراطية عبر الحصار والعنف والحرب.
إن أول خطوة مطلوبة لتحقيق المصالحة تتمثل في الاعتراف بنتيجة الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي مثلت الإرادة الشعبية الفلسطينية، وتاجا للشرعية الفلسطينية وبناء مؤسسة برلمانية منتخبة بحرية في منطقة تفتقر لمثل تلك المجالس وللممارسات الحرة، ولذلك كان القفز عن هذه الخطوة والذهاب إلى الحديث عن الحكومة وتمكينها سطحيا وخارجا عن سياق منطق الأشياء، فالمنطق والقانون يقولان: إن الحكومة تخضع للبرلمان رقابيا وتشريعيا، وإن الحديث يجب أن يكون عن تمكين الإرادة الشعبية الفلسطينية عبر تمكين البرلمان الممثل لها بانتخابات حرة ونزيهة.
من الواضح أن (تبويس اللحى) والذهاب باتجاه التعميم، والمجاملات، وسلق المراحل، وتجاهل أساسيات الإشكال أدى إلى تحول الحكومة إلى حالة اشتراطية على الحوار الوطني وعلى مستقبل العلاقات الفلسطينية الداخلية، وبدلا من أن تعبر الحكومة عن الإرادة الشعبية وتخضع لها، أصبحت تفرض عقوبات عليها، وعوضا عن أن تخضع لإرادة الشعب المتمثلة في المجلس التشريعي (البرلمان)، وأن يتم تمكين الإرادة الشعبية من رقبة الحكومة، انقلب الوضع للحديث عن تمكين الحكومة من رقبة الإرادة الشعبية، وهذا انقلاب واضح على منطق الأشياء وعلى القانون الأساسي الفلسطيني، ولعل الخلل في هذا الأمر نابع من استسهال من وقعوا على اتفاق القاهرة القفز عن خطوة دستورية مفصلية تتعلق بحلف الحكومة لليمين أمام المجلس التشريعي، وهذا هو أحد أهم الأسباب التي تفسر السلوك السلبي للحكومة تجاه الحوار الوطني.
إن الحديث عن التمكين في ظل وجود الاحتلال أمر يثير التندر، ففي الوقت الذي تعاني فيه الحكومة من عدم قدرتها على التمكين (التحرر من الاحتلال) في الضفة الغربية، فإن إصرارها على ما تسميه تمكينا وسلاحا واحدا في قطاع غزة؛ الذي ضحى الشعب الفلسطيني فيه بآلاف الشهداء ليتم تمكين إرادته وخلع إرادة الاحتلال، عبر اقتلاع مستوطنات ومعسكراته، وبات الاحتلال يتذكر بحسرة أيام تمكينه التي كان يتجول فيها بحرية في قطاع غزة.
المدخل الطبيعي للمصالحة وللسير على طريق نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه يكمن في مغادرة مربع التفرد والأبوية السياسية، ومنع الحكومة الإدارية الذاتية من التغول على القرار الوطني وعلى المؤسسات التمثيلية
تحمل دعوة تمكين الحكومة تناقضا واضحا مع القانون الدولي، فهي حكومة خدمات تحت الاحتلال وسلوكها محكوم ومقيد بإرادته، وهي والواقع لا ينفيان ذلك، ولذلك لا يمكن لها أن تتوهم أنها دولة ذات سيادة تسعى إلى ممارسة سيادتها على حالة ثورية تقاوم الاحتلال، وفي الوقت الذي يأخذ فيه الشعب الفلسطيني حقوقه الثابتة كاملة ويحرر جذريا من الاحتلال، فإن تمكين الشعب سيقود إلى تمكين برلمانه فحكومته حسب القوانين الدولية والمحلية.
إن انحصار الحديث في الحاجات اليومية للفلسطينيين يعتبر انجرارا للمربع الذي يريده الاحتلال عبر جعل حاجات الشعب الحياتية الطبيعية مدخلا لابتزاز مواقف سياسية، ولذلك ظهرت علامات الفشل على الحوار الوطني ولجأ المتحاورون إلى التعميم لتجنب ردة الفعل الشعبية.
إن المدخل الطبيعي للمصالحة وللسير على طريق نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه يكمن في مغادرة مربع التفرد والأبوية السياسية، ومنع الحكومة الإدارية الذاتية من التغول على القرار الوطني وعلى المؤسسات التمثيلية، ولذلك لا بد من تمكين الإرادة الشعبية الفلسطينية عبر خضوع الحكومة للبرلمان (رقابيا وتشريعيا) وحلفها لليمين الدستوري أمامه، ومن ثم الذهاب إلى التمكين الشعبي الكامل عبر انتخابات حرة ومتزامنة وشفافة وشاملة للمجلس الوطني والتشريعي وللبلديات وللنقابات وللهيئات المختلفة.
صلاح حميدة