دولي

حماس وتشابكات ملفّ المصالحة.. وقائع غريبة وأسئلة جوهريّة

القلم الفلسطيني

لا جديد في تشابك القضية الفلسطينية مع قضايا المحيط العربي، فهذه سمتها منذ وجودها، بل كانت في أصلها -ويُفترض أنّها لم تزل- قضية عربية، فقد خاض العرب الحروب على أرض فلسطين، وهُزموا مرتين، فكانت النكبتان في عامي 1948 و1967.

وظلّت القضية الفلسطينية وثيقة الاتصال بقضايا العرب الكبرى، لأكثر من اعتبار، من أهمها ذلك الاعتبار الكلّي المتمثل في الدور الاستعماري المتحصّل بوجود الكيان الصهيوني، ونتائج وجوده على الأوضاع والظروف العربية، كما تبيّن من بعد الثورات العربيّة، حينما جدّدت تلك الثورات شعوره بالأزمة الوجودية.

واليوم، يبرز هذا التشابك على نحو بالغ التعقيد، ومحفوف بجدار سميك من الغموض، تمور من خلفه الحيرة والارتباك لجميع الفاعلين، بما في ذلك الفاعلون الفلسطينيون، وفي طليعتهم حركتا فتح وحماس، اللتان تناوران اليوم في سياق خُطّة المصالحة، التي بدأت غامضة، ولم تزل غامضة، في أهداف راعيها، وفي مسلك أطرافها العجيب.

بداهة، لم يكن كافيًا القول إنّ الرغبة المصرية في استعادة دورها الإقليمي، هي الهدف الوحيد الذي يمكن به تفسير التحوّل المصري في الموقف من قطاع غزّة وحركة حماس، ولا شك أن الرحمة بالفلسطينيين، والمحبة لحماس، لم تهبطا مرّة واحدة على صانع القرار المصري، أو على الأجهزة صاحبة القرار في مصر، لاسيما وأنّ علائق النظام المصري بدول الإقليم والعالم، وبالكيان الصهيوني، لا تتيح له التصرّف في هذا الملف الخطير على نحو مستقل، ومن ثم بدأت حكاية المصالحة متصلة اتصالاً وثيقًا بالأطراف المتعددة ذات الصلة.

أرادت حماس من جهتها رفع الحصار عن قطاع غزّة، وربما استثمار ما بدا فرصة متاحة لبناء علاقة جديدة مع النظام المصري. وفي أداء حماس في هدا الملف، إن في العلاقة مع المصريين أو مع حركة فتح، لم يتضح للمتابع، تعريف الحركة للنظام المصري، وهو التعريف الداخلي، الذي يتيح لها حدود الاقتراب والثقة والمناورة؛ إذ بدت الحركة أكثر انفتاحًا واستعدادًا لتقديم التنازلات مما يمكن أن يسمح به التعريف الواجب المكتسب من طبيعة النظام والتجربة المرّة معه.

وكذا لم يتضح للمتابع تقدير الحركة للأهداف والنوايا التي تقف خلف التحوّل المصري في ملف المصالحة، خاصة وأنّ هذا التحول قد جاء في سياق ما أشيع عنه أنه رغبة أمريكية في فرض تسوية معينة، قد تكون تسوية مؤقتة، لكنّ الهدف منها تسهيل التطبيع بين بعض الدول العربية، خليجية منها على وجه الخصوص، وبين الكيان الصهيوني، وإدخال هذا الأخير في تحالف إقليمي يستهدف إيران.

والمصالحة في هذه الحالة، إمّا أنّها تمهيد لهذه التسوية، أو تمهيد لخطوة تسبقها، وهي إحلال قيادة بديلة، والمقصود على الأرجح، حتى اللحظة، النائب الفتحاوي محمد دحلان، المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة، أبرز داعمي ورعاة النظام المصري الحالي.

إلى حدّ ما يفسّر ذلك تحفّظ السلطة الفلسطينية، وبطئها في السير في خطوات المصالحة، دون نفي أسباب أخرى تُشكّل موقف السلطة تجاه موضوع المصالحة، وتحديد السرعة في إنجاز خطواتها وتفكيك ملفاتها، فمن اللحظات الأولى، وقيادة السلطة، وعلى رأسها الرئيس محمود عبّاس، تبدو متوجّسة من تدخلات معيّنة، تهدف إلى تحقيق تغيير في القيادة الفلسطينية، وفرض تنازلات جديدة على الفلسطينيين.

أخيرًا، سرت شائعات شبيهة، بعد زيارة الرئيس عبّاس الأخيرة للسعودية، حث قيل إن هذه الزيارة مرتبطة بملف خطّة التطبيع المقترحة مع الكيان الصهيوني، أو خطّة ترمب الأوّليّة بخصوص القضية الفلسطينية، وما يزال الذي جرى في تلك الزيارة غامضًا حتى اللحظة.

تبدو حماس أمام شبكة متضافرة العُقد، ومستحكمة التعقيد، وهي تدير في ذلك اتصالات وحوارات وتفاهمات مع أطراف متناقضة، بعضها في الأصل لا يخفي تناقضه مع الحركة، ومن جملة ذلك البعض محمد دحلان الذي تقيم معه الحركة علاقة متقدّمة على علاقتها بالرئيس عبّاس، وقد شاركت الحركة في حفل دحلان التأبيني للرئيس السابق ياسر عرفات بكلمة ألقاها القائد الرفيع فيها خليل الحيّة، وبعد وقت وجيز جاء الاجتماع المغلق بين مدير المخابرات العامّة ماجد فرج ورئيس حماس في غزّة يحيى السنوار، وقبلها كان تصريح اللواء توفيق أبو نعيم مدير أمن غزّة في الثناء البالغ على ماجد فرج.

إنّ السؤال هنا ليس عن قدرة الحركة على إدارة علاقات مدروسة ومتوازنة بين كل هذه الأطراف، ومهما قيل عن هذه القدرة، فإنّها بالتأكيد سوف تعاني بعض الاختلال، كما يقال في علاقتها الراهنة مع كل من قطر وتركيا بعد لقاءات السنوار بدحلان، ولكن السؤال عن الحسبة من ناحيتين، في الاستفادة الخاصّة الراهنة الضيقة، وفي الاستفادة العامّة بالنسبة للقضية الفلسطينية.

من غرائب ما يجرى، أن الحركة موعودة برفع الحصار ومزيد من الانفتاح من محمد دحلان الذي يقال إنّه الشخصية المُعدّة للمضي في مشاريع التصفية والتطبيع، وحتمًا فإنّ أحدًا عاقلاً لا يرفع رأسًا بتصريحات دحلان وتياره الثوريّة، وفي المقابل فإنّ الذي يضيّق الخناق على الحركة ويبطئ من سير المصالحة ويبتز الحركة في ملفي الأمن والسلاح، هو الذي يقال إنّه اليوم الذي يعارض المشاريع والخطط الإقليمية والترمبية التصفويّة!

ساري عرابي

 

من نفس القسم دولي