دولي
محاولة اغتيال اللواء أبو نعيم.. سياقات معقّدة
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 29 أكتوبر 2017
محاولة اغتيال اللواء توفيق أبو نعيم، مدير قوات الأمن الداخلي بغزّة؛ أول ما تشير إليه؛ هو حجم التحديات الأمنيّة التي يواجهها قطاع غزّة عمومًا، وحركة حماس هناك خصوصًا، وهي الإشارة المُتَضَمَّنة في تعدد الاحتمالات، إذ يُفترض ابتداءً أن يكون الاحتلال هو المتهم الوحيد في أي عمل أمنيّ من هذا القبيل، بيد أنّه لم يعد المتّهم الوحيد، نتيجة بروز أعداء جدد، من أظهرهم في هذا السياق، المجموعات المحسوبة على "تيار السلفية الجهادية" والمرتبط بعضها بتنظيم "داعش".
والحال هذه، فإنّ الأمر لا يخلو من تداخلات معهودة تعيد توظيف، أو الاستفادة، من هذه المجموعات، كما في اغتيال الشهيد مازن فقها، إذ لم يكن ثمّة مسافات فاصلة بين "الشاباك" الصهيوني، والمجموعات التي ينتمي إليها القاتل المباشر، فقد استفاد الأول من وجود الثاني ووظّفه لصالحه، وعلى نحو من شأنه أن يضيف إلى استفادته من التعمية على الفاعل الحقيقي؛ خلط أوراق حماس في غزّة.
ثمّة عامل جديد ناهض الآن بهذه التحديات، وهو المسؤوليات التي يبدو أنّ حماس باتت تحملها إزاء تعقيدات الظرف الإقليمي، والمترتبة على العلاقة المستجدة مع مصر، وإن كان غير واضح بعد، الكيفيات التي ستكون عليها هذه المسؤوليات، في حال مضت المصالحة أكثر إلى الأمام؛ وحملت السلطة الفلسطينية الالتزامات الأمنية التي تكفّلت بها حماس تجاه سيناء، ويفترض بناء عليها منع أي تواصل عملياتي لهذه المجموعات بين غزّة وسيناء.
هنا يمكن الحديث في نقطتين مباشرتين؛ الأولى أن حماس بالفعل حتى هذه اللحظة، وقبل ترتيب الوقائع الأمنية في القطاع بينها وبين السلطة الفلسطينية، قامت بالتضييق على هذه المجموعات، التزامًا تجاه مصر، سواء باعتقال بعض رؤوس تلك المجموعات داخل القطاع، أو باستهداف حركتها ما بين القطاع وسيناء، وهذا بالضرورة سيستدعي مخاطر أمنيّة جديدة، قد تكون محاولة الاغتيال واحدة منها.
والثانية، أنّ المصالحة لا تُرتِّب في التوّ، أو في مراحلها الأولى حالة الازدواج الأمني والعسكري التي يمثّلها الوجود المسلح للمقاومة في القطاع، وما تملكه بالإضافة إلى سلاحها من أجهزة أمنية ضرورية لأمنها وعملها، ومن ثمّ، فإن امتلاك حماس قدرًا من البسطة الأمنية، سيجعلها مستهدفة دائمًا من هذه المجموعات التي ترى في حماس عدوًّا، حتى لو حلّت السلطة بأمنها في قطاع غزّة.
إلا أنّ الأخطر، وفيما يتجاوز المباشر، هو أن تظلّ حماس، نتيجة الواقع الأمني المعقّد سابق التوصيف، محلّ اتّهام من الأطراف الإقليمية، والتي ربّما لن تفوّت إمكانية توظيف هذه المجموعات لابتزاز حماس، أو لاستهداف مقاومتها، وقدراتها الأمنيّة.
يُضاف إلى ذلك في النقاط المباشرة المتعلقة بمحاولة الاغتيال الفاشلة، أنّ حجم هذه التحديات والمخاطر، وتعدد الأعداء، لا يتيح أيّ قدر من الاسترخاء الأمني، وكان يُفترض أنه وبعد اغتيال الشهيد مازن فقها أن تكون القوى الأمنية، سواء تلك الحكومية التي تديرها حماس، أو الخاصّة بالمقاومة، قد استفادت من الحادثة، بما يضيّق الفرص أمام محاولات الاستهداف المحتملة، وهذا يعني أن وصول محاولة اغتيال اللواء أبو نعيم إلى هذه الدرجة التي كاد يُستشهد فيها اللواء؛ يؤشّر على مشكلة ما.
صحيح أن الأمر ينبغي تركه من الناحية الفنيّة للقوى الأَمنيّة المختصّة، وأن بعضًا من التحليلات كتلك التي ربطت الحادثة بالمصالحة؛ قد تكون مستعجلة، لكن ثمة ما يمكن قوله في أكثر من اتجاه، ومن ذلك أن الثغرات الأَمنيّة، واستسهال استهداف قيادات قطاع غزّة، هو بالضرورة يصبّ في مصلحة الاحتلال، حتى لو لم يكن الاحتلال هو الطرف الذي يقف مباشرة خلف الاستهداف.
إن تكرّر مثل هذه الحادثة سيغري الأعداء بالمقاومة، وأمن قطاع غزّة؛ أكثر، وكون هذه العملية تبدو بدائية في أدواتها كما قيل، فهو جدير بأن يغري بأمن القطاع أكثر، وذلك أن الهواة وصلوا إلى هذه الدرجة من الوصول إلى الهدف، فكيف الأمر مع المحترفين لو قصدوا فعل شيء يمسّ بأمن القطاع؟
فيما هو غير مباشر، يجب البحث في اتجاهين، في الماضي، وفي المستقبل، فأمّا المتعلق بالماضي، فهو الكيفية التي نشأت فيها هذه المجموعات داخل قطاع غزّة، حتى أصبحت تحديًّا أمنيًّا، الذي وبصرف النظر عن مستواه، إلا أنّه لا يخلو من الخطر المجتمعي والأمني والسياسي والفكري، ومفتوح على ممكنات التعاظم.
والسؤال الجوهريّ هنا، هو أن القطاع لم يعانِ من حالة فراغ جهاديّ تتسلل إليه هذه المجموعات، ومن ثمّ وإن كانت ظروف موضوعية قد خدمت تسلّلها، فإن البحث في الأسباب الذاتية، وكفاءة حركة حماس الثقافية والفكرية في مواجهتها، واجب بالضرورة، وكذلك البحث في التقديرات السياسية التي سمحت لها بالوجود حتى وصلت اليوم إلى هذه الدرجة من الخطورة.. هذا البحث في الماضي، مفتوح على الراهن، والمستقبل، إذ المعنى في البحث في تلك الكيفيات؛ هو ابتداع الأدوات لمعالجة المشكلات الراهنة، ومنعها مستقبلاً.
ثمة سياقات مستقبلية أكبر، فبصرف النظر عن بدائية أدوات العملية، فإنّ المواجهة مع هذه المجموعات يجب أن تُحسب داخل تقدير سياسي، يَنظر إن كان ثمّة نوايا إقليمية، تريد من ضرب حماس بهذه المجموعات؛ جرّ الحركة، وربما مجمل الحالة في قطاع غزّة، إلى مواجهة تمتد إلى سيناء، ضمن خطّة مرتبطة بغايات سياسية أكبر.
عمليّة قد يتأكّد أنها بدائية، إلا أن سياقاتها بالغة التعقيد فعلاً، وهو ما يفاقم من مهمّات حمّاس في هذه المرحلة.
ساري عرابي