دولي

مشهد حماس الداخلي في غمرة المصالحة

القلم الفلسطيني

ألقت لقاءات السنوار، قائد حماس بغزة، بمحمد دحلان، في القاهرة، بظلال ثقيلة على الأجواء الداخلية لحركة حماس، انعكست في نقاشات نشطاء ومؤيدي الحركة علنًا على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ قيل إن تلك اللقاءات لم تكن نتيجة عملية تشاورية كاملة، بالشكل الذي تفترضه أنظمة الحركة ولوائحها، ولكن ما أظهرته ظروف توقيع إعلان المصالحة الأخير في القاهرة، بين حركتي فتح وحماس، أعطى انطباعًا بأن حماس قد تجاوزت ذلك لصالح استعادة منطق المؤسسة، وتكامل أقاليم الحركة، ومجمل مكوّنات جسدها التنظيمي.

ثمة ثلاثة عناصر تخصّ الحالة الداخلية لحماس، ظهرت إلى العلن، في حوارات القاهرة، وفي مشهدية توقيع إعلان المصالحة، وهي بروز القيادة الجديدة ممثلة بشكل أساسيّ بالسنوار وصالح العاروري، وحضور قيادات ممثلة لكل أقاليم الحركة في الداخل والخارج، وتصدّر صالح العاروري المشهدية من جهة حماس بصفته نائب رئس الحركة، فقد انتخب للتوّ في منصبه هذا، قبل الحوارات الأخيرة التي أفضت إلى ذلك التوقيع.

خرج الشيخ صالح العاروري من السجن، وأبعد إلى الخارج، قبل خروج يحيى السنوار من سجنه في صفقة وفاء الأحرار، هذا يعني أن العاروري قد تولّى مهماته القيادية قبل السنوار، وتولّى المسؤولية عن مكتب الضفة، قبل أن يتولّى السنوار أخيرًا المسؤولية الأولى عن إقليم غزّة، وأن تزاملا في أعلى الهيئات القيادية للحركة منذ الدورة الانتخابية قبل الأخيرة والتي كانت في العام 2012.

بمعنى أن للرجلين تاريخًا قريبًا في قيادة الحركة، قبل تصدرهما المشهد بشكل كامل من بعد الدورة الأخيرة، وكما تجلّى في حوارات القاهرة الأخيرة، ولكن الفارق في التصدّر الكامل لهما، وبما يعكس بروز نخبة جديدة للحركة، تعكس بدورها التوازنات الداخلية الجديدة فيها، وجملة من التطورات من أهمها خروج عدد من الأسرى المحررين في "صفقة شاليط".

من أبرز هؤلاء الأسرى في قطاع غزّة يحيى السنوار وروحي مشتهى اللذان صعدا إلى أعلى المؤسسات القيادية في غزّة وعلى المستوى العام في الحركة، وقد تولّى السنوار من بعد استشهاد أحمد الجعبري المسؤولية السياسية عن كتائب القسام والمرجعية التنظيمية لها، وقد خلق هذا بدوره توازنات جديدة على مستوى قيادة حماس في غزة، وعلى مستوى قيادة القسام أيضًا.

بالنسبة للضفّة، صعد الأسرى المحررون المنفيون للخارج في صفقة وفاء الأحرار إلى قيادة مكتب الضفة، ومع التوازنات الداخلية التي بدأت بالتحول منذ العام 2005، أي مع نهايات انتفاضة الأقصى وانسحاب الاحتلال من غزّة، كان إقليم الخارج، الذي تولّى قيادة الحركة مركزيًّا لسنوات طويلة، قد أخذ بالتراجع، لصالح الداخل.

بيد أن حماس في الضفّة لم تكن تملك مع ظروفها المعاكسة، التي بدأت بعملية السور الواقي، ثم بحملات الاجتثاث من بعد "الحسم العسكري"؛ ممكنات للتوازن الداخلي، نتيجة تفكيك تنظيماتها، وضمور فاعليتها على الأرض، بالرغم من تمتّعها بشعبية كبيرة، دلّت على تحسن صورة الحركة في الضفة من بعد "الحسم العسكري"، وعلى نفور شعبيّ من السلطة، وهو الأمر الذي ظهر في الانتخابات الجامعية التي تجرى في ظروف غير مواتية لحماس، وفي تواضع النتائج التي حققتها فتح في الانتخابات المحلية.

فعليًّا، ومنذ أكثر من عشر سنوات، كانت الحركة قد أعادت تنظيم بنيتها القيادية، بحيث يجرى توزيعها على ثلاثة أقاليم جغرافية، اثنين منها، داخل فلسطين، أي الضفة الغربية وقطاع غزّة. وكان إقليم الخارج قد مرّ بعملية تحوّل طويلة خلال هذه الفترة كلّها، والحال هذه، فإن نخبة قيادية جديدة قد برزت تلقائيًّا في آخر انتخابات للحركة، هي التي قادت عملية المصالحة الأخيرة.

الذي لا شكّ فيه، أن تركّز ثقل الحركة في قطاع غزّة، لا ينعكس سلبًا فقط من جهة آليات اتخاذ القرار، ونوع السياسات، التي ستتأثر بالضرورة بهذا الاختلال، ولكن مواجهة السياسات الاستعمارية، والتي منها فرض التشظي والتقسيم وخلق الظروف المتباينة؛ من أهم أوليات أي حركة تحرر وطني، وبالإضافة إلى كون هذه واحدة من أولى مهماتها بداهة، فإنّها ضرورة لحماية النفس من الضمور، فتعلق مصير الحركة ومستقبلها كلها بموقعها في غزّة ليس علامة صحّة، وقد خاضت الحركة في غزّة سلسلة حروب، دون أن تتمكن بقية فروعها من إسنادها على النحو الذي يؤثّر بمجريات الحرب، وعلى ظروف الحصار.

هذا يعني أن الأهمّ من اعتبارات العمل الدبلوماسي المتصلة بموقع نائب رئيس الحركة، وبالصورة التي قدمتها الحركة في حوارات القاهرة، عن وحدتها، وانسجام فروعها، واحتكامها إلى منطق المؤسسة، أن يتفاعل ذلك داخل البنية التنظيمية، بالعمل التكاملي لاستنهاض فروع الحركة وتقويتها كلها، بعيدًا عن روح المحاصصة، والعمل على بثّ ثقافة تنظيمية تعبوية تنزع ما ترسّب في الجسد الحركي من تصورات مناطقية، وانطباعات خالية من المعرفة الصحيحة بأوضاعنا في مناطقنا التي فصلها الاحتلال قهرًا، وسوف يحتاج ذلك إلى قرارات جريئة ومدروسة في الوقت نفسه، لخلق أسباب القوّة في غير مكان لا في غزّة وحدها، بل ولا في فلسطين وحدها.

أيضًا بالنسبة لغزّة، فإن هذه المصالحة لو مضت إلى آماد أبعد، وقد تخلصت الحركة من استنزافها في تفاصيل إدارة شؤون الناس اليومية، فإنّ الأولوية التنظيمية ينبغي أن تتجه لإصلاح ما أفسدته ظروف الاستقرار وسنوات الحكم، ولإعادة الاعتبار للجسد التنظيمي، بأركانه ومهماته كلّها.

في كل حركة تكبر، ويتقادم عليها الزمن، سوف تحتكم بالضرورة لتوازناتها الداخلية، ولكن حركات التحرر الوطني، ولا سيما تلك التي تواجه ظرفًا استعماريًّا كما في فلسطين، تضع من الأدوات ما يجعل التوازنات في الإطار المقبول، ودون أن تسقط في فخ التقسيم الاستعماري، أو فخ الاستنزاف الأمني، أو القسر الأمني، الذي يعيق من عملية الاستفادة من كامل الكادر الحركي، بكلمة أخرى؛ إن الحدّ من الاستزلام، وتضخم النخبة، من مهمات الحركة الدائمة التي لا ينبغي أن تتوقف.

ساري عرابي

 

من نفس القسم دولي