دولي
حماس وتجربة المقاومة في الحكم
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 09 أكتوبر 2017
من وحي الذاكرة، ومعايشة الأحداث ساعة بساعة، أكتب في ومضات سريعة عن تجربة فريدة غنية وثرية، وإن كانت أليمة وصعبة؛ فإنها حملت الأمل في غدٍ أفضل، نكنس فيه الاحتلال، وتتطهر المقدسات، لتنعم فيه الأجيال بالحرية والاستقلال، وقد حرصت جاهدًا ألا أنكأ جراحًا في حديثي عن مرحلة كانت قاسية، ومخضبة بالدماء الطاهرة.
أتحدث عن تجربة مقاومة من على كرسي الحكم، وعن حركة انطلقت معها انتفاضة شعبية، واستمرت في ثورتها وما زالت، وإن جاءها الحكم صاغرًا.
إذ لم يكن صعود حركة حماس إلى منصة الحكم إلا بقرار شعبي فلسطيني ديمقراطي حر ونزيه، جاء بفوزها الكبير في الانتخابات النيابية مطلع عام ٢٠٠٦م، بناء على برنامج يستند إلى المقاومة، واستمرارها بكل الوسائل المشروعة في أماكن وجود الجريمة السياسية المتمثلة في الاحتلال الصهيوني العنصري.
لم يكن صعود حركة حماس إلى منصة الحكم إلا بقرار شعبي فلسطيني ديمقراطي حر ونزيه، جاء بفوزها الكبير في الانتخابات النيابية مطلع عام ٢٠٠٦م، بناء على برنامج يستند إلى المقاومة، واستمرارها بكل الوسائل المشروعة في أماكن وجود الجريمة السياسية المتمثلة في الاحتلال الصهيوني العنصري
ونتيجة لهذا الفوز الذي اقتربت به كتلة حماس البرلمانية "التغيير والإصلاح" من الثلثين من أعضاء المجلس التشريعي على وفق النظام الأساسي الفلسطيني كلفها الرئيس محمود عباس بتشكيل الحكومة، وبعد تسلم هذا التكليف دخلت الحركة في سلسلة لقاءات مع الكتل النيابية والقوى السياسية، بهدف تشكيل حكومة شراكة وطنية استمرت شهرين في الداخل والخارج، غير أن هذه الجهود لم تفلح لتحقيق المراد، لأن توجهًا داخليًّا لهذه الكتل والقوى ربما تقاطع مع توجه لا توجيه خارجي بعدم المشاركة.
وعليه شكلت الحكومة العاشرة من كفاءات حركية، وقد ضمت العديد من أعضاء مكتبها السياسي، وبهذه الحكومة خرجت حركة حماس إلى المشهد السياسي الفلسطيني الرسمي يتزعمها رأس كتلتها السيد إسماعيل هنية، في حين توزع وزراؤها ووكلاؤها بين شقي مناطق نفوذ السلطة.
فبقدر سهولة نيلها الثقة عندما عرضت وبرنامجها على البرلمان في جلسته العادية كان تسلم الوزراء وزاراتهم مستعصيًا، ليس في ترك الوزراء السابقين أماكنهم، بل في عدم تجاوب الموظفين في الوزارات مع الوزراء الجدد، وهنا بدأ حفل رقص "الخمسة بلدي".
وبقي الوزير وطاقمه غرباء في وزاراتهم، وكانت أبرز المناكفات قد شهدتها وزارة الداخلية والأمن الوطني، والتمرد الفعلي على تعليمات الوزير، وليس عدم التجاوب فقط، وازدادت بشاعة المشهد بأن يمنع رئيس الحكومة من عبور الحواجز الأمنية رجال أمن يفترض أنهم تحت مسؤوليته.
تمأسست حالة الانقسام السياسي والوزاري والاختلاف البرامجي، ولم تفلح في ردم الفجوة المتسعة حوارات القاهرة، ولا لقاء صنعاء، ولا إعلان الدوحة، حتى كان لقاء الشاطئ ٢٠١٤م الذي شكلت على أساسه حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمد الله
ولم يمض وقت طويل حتى كانت العملية البطولية المشتركة شرق رفح "الوهم المتبدد"، التي أدت إلى أسر جندي، ومقتل وإصابة آخرين في اقتحام لموقع عسكري على الخط الزائل.
وهنا انطلقت يد الاحتلال في حملة اعتقالات أمنية بالضفة الغربية شملت كل نواب كتلة حماس ووزراء الحكومة، وفي غزة تحركت فرق عسكرية مهد لها قصف الطيران والمدفعية لمقار حكومية ومواقع للمقاومة، وذلك لاجتياح كامل للقطاع.
غير أن عملية أسر لجنديين صهيونيين في الشمال غيرت مسار الأحداث وحولتها بالكامل، فبدأت حكومة أولمرت حربًا هجومية على لبنان، والضاحية التي كانت مركز النار المتواصل.
وقد استمرت اثنين وعشرين يومًا متواصلة تكبد فيها جيش الاحتلال خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، وفشل فشلًا كبيرًا في إدارة المعركة، وتصدعت الجبهة الداخلية، كما كشف جانبًا من تقرير (فينوغراد).
فتضعضعت الحكومة الصهيونية، وهذا ما ألفتها إلى وضعها الداخلي عن ملف شاليط المحجوز في غزة، إلى أن توجت حماس هذا الملف بصفقة "وفاء الأحرار"، فأخرجت من سجون الاحتلال ١٠٥٠ أسيرًا.
تُرك القطاع بلا رأس حكومي للوزارات، فترهلت إداريًّا وشحت مواردها المالية، وهذا ما دعا حركة حماس إلى الطلب من المجلس التشريعي بتشكيل لجنة حكومية إدارية لإشغال الشاغر الذي تركته حكومة الوفاق في غزة.
ومع استمرار وتصاعد المناكفات الداخلية تقدم الأسرى من سجونهم بوثيقة سياسية لتكون أرضية شراكة وطنية، لاقت هذا الوثيقة ترحابًا من الفصائل، وأجريت بشأنها حوارات، لتخرج بصيغة "وثيقة الوفاق الوطني"، وشكلت على أساسها وعلى وفق اتفاق مكة الحكومة الحادية عشرة برئاسة السيد إسماعيل هنية ووزراء من الحركتين، غير أنها لم تستمر طويلًا، فقد همشت لمصلحة مؤسسة الرئاسة.
ولم تفلح هذه الحكومة بفك الحصار الدولي، وبدأت الأحداث الداخلية تتصاعد تصاعدًا مستمرًّا بين الفصيلين الأكبرين على الساحة الفلسطينية، حتى انتهت الأحداث القتالية المؤسفة بسيطرة حماس على غزة، وفتح على الضفة.
فشكلت في الضفة حكومة برئاسة سلام فياض بقرار رئاسي دون عرضها على المجلس التشريعي، وفي غزة استمر وزراء من حكومة الشراكة في مزاولة أعمالهم إلى أن شكلت حكومة تستمد شرعيتها من رئاسة الوزراء والمجلس التشريعي.
وبذلك تمأسست حالة الانقسام السياسي والوزاري والاختلاف البرامجي، ولم تفلح في ردم الفجوة المتسعة حوارات القاهرة، ولا لقاء صنعاء، ولا إعلان الدوحة، حتى كان لقاء الشاطئ ٢٠١٤م الذي شكلت على أساسه حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمد الله.
ولم يمضِ غير شهرين على تسلم حكومة الوفاق لتقع عملية أسر لمستوطنين في الضفة الغربية؛ فتتصاعد الاعتداءات الصهيونية لتطال غزة والقدس؛ فترد فصائل المقاومة على هذا العدوان إلى أن كان الرد الكبير من كتائب القسام في مدن الجنوب برشقات صاروخية ردًّا مباشرًا على العدوان الذي زاد من إجرامه.
وهنا اشتعلت شرارة حرب العصف المأكول (الجرف الصامد)، وقد استمرت واحدًا وخمسين يومًا، صمد فيها الشعب الفلسطيني حين سطرت المقاومة أروع آيات الشجاعة، وصور البطولة ومواصلة رد العدوان بشكل أذهل الجميع.
وقفت الحرب بتفاهمات برعاية مصرية، غير أن المعركة لم تنته، وما زالت المقاومة تحتفظ بأوراق، منها "جنود فقدوا في ساحات المواجهة"، في الوقت الذي لا يزال فيه أسرى فلسطينيون وعرب في سجون الاحتلال، ولا يزال الحصار المفروض على حاله.
وتُرك القطاع بلا رأس حكومي للوزارات، فترهلت إداريًّا وشحت مواردها المالية، وهذا ما دعا حركة حماس إلى الطلب من المجلس التشريعي بتشكيل لجنة حكومية إدارية لإشغال الشاغر الذي تركته حكومة الوفاق في غزة.