دولي

لماذا تندفع السعودية باتجاه التسوية مع الاحتلال؟

القلم الفلسطيني

شكل خطاب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في الأمم المتحدة صدمة لكثيرين، بما شكله من بعد من الخطاب التاريخي السعودي المنحاز لصالح حقوق الفلسطينيين. 

الجبير الذي قال إن بلاده لا ترى مبرراً لاستمرار "النزاع الفلسطيني الإسرائيلي" في ظل التوافق الدولي بشأن الحل القائم على دولتين، دون أن يدين الاحتلال الإسرائيلي، بل سمّى ما يحصل "نزاعاً" بدلاً من احتلال.

هناك عدة أسباب لهذا الاندفاع السعودي باتجاه الكيان الصهيوني، أولها أنه سرت في العقود الأخيرة مقولة أن الذي يحظى بالقبول الإسرائيلي سينال بالتالي الرضى الأمريكي. وشرع أصحاب هذا القول بضرب الأمثال بجنوب السودان وأريتيريا وشمال العراق، لكن كل هذه النماذج لا تصلح تماماً، لأن (إسرائيل) لم تكن عاملاً وحيداً في الموضوع، بل لعبت عوامل عديدة في كل حالة على حدة، وكان الكيان الصهيوني عاملاً مساعداً، وليس حاسماً، بل يملك قوة محدودة جداً قياساً بالقوى الفاعلة.

ويمكن في حالة السعودية أن نلحظ أن المبادرتين الأساسيتين اللتين أطلقتهما بلاد الحرمين لم تؤدّيا إلى تحسين الوضع السياسي للمملكة وتعزيز دورها الإقليمي. فمبادرة الأمير فهد للسلام في آب/أغسطس عام 1981 والمؤلفة من ثماني نقاط، وكذلك المبادرة العربية للسلام التي أعلنها الأمير عبد الله من بيروت في آذار/مارس عام 2002، كلتا المبادرتين لم تعززا موقع السعودية، بل على العكس أكلت من رصيدها العربي والإسلامي لصالح قوى منافسة.

التبرير الذي يمكن أن يكون قد فكّر به صانعو القرار في السعودية هو أنه يوجد في المنطقة، بغياب مصر، أربع قوى إقليمية هي: تركيا وإيران والسعودية و(إسرائيل)، فلا بدّ من تحالف تنسجه المملكة مع إحدى هذه القوى لتحفظ دورها وتعزز نفوذها. وفي هذه  الحالة، كان من المتوقع أن تكون المبادرة باتجاه تركيا أولاً، على اعتبار أن ما يجمع المملكة وتركيا روابط ثقافية وتاريخية عميقة جداً، لكن السعودية آثرت الخيار الخطأ، وربما خشيت أن تنافسها تركيا في ساحتها الإسلامية، فاقتربت من (إسرائيل). متغافلة أن الملفات السياسية التي تصدع رأس المملكة (العراق، سورية، اليمن)، هي ملفات لتركيا نافذة أوسع عليها مما لدى الكيان الصهيوني. 

هناك مسألة أخرى، هو صعود ما يُسمّى بـ"التيار الليبرالي" في المملكة العربية السعودية بعد الغزو العراقي للكويت. وخلال السنوات الأخيرة استطاع هذا التيار السيطرة على معظم المؤسسات الإعلامية في المملكة، وتغلغل داخل نظام الحكم. وأبرز رموز هذا التيار تصر على القطيعة مع الثقافة السائدة، وترى تقاطعاً ثقافياً مع الكيان الصهيوني بليبرالية مزعومة أكثر مما ترى من المشتركات مع أبناء البلد الواحد. 

هذا التيار كما يبدو من كتاباته هو الذي يقود عملية التطبيع مع الكيان، كما يقود التحولات الثقافية في المملكة باتجاه التغريب. وللتذكير فإن وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني أمرت عام 2009 بترجمة مقالات معظم هؤلاء إلى اللغة العبرية، ونشرها على موقع وزارتها، لما تضمنته من مدح بالكيان وذمّ بالمقاومة.

في كل الأحوال تستطيع السعودية استعادة حضورها فقط من خلال تأكيد دورها الديني، واستعادة جزء مهم من تاريخها، بدءاً من قتال جيشها الوليد عام 1948 في معارك فلسطين، مروراً باستقبال مئات آلاف اليد العاملة الفلسطينية وصولاً حتى مساعدة مصر لاستعادة توازنها بعد هزيمة 67، وبناء معظم المشاريع الحيوية في سورية، وشعوب المنطقة لم تنس استشهاد ملكها فيصل بن عبد العزيز من أجل القدس.

أحمد الحاج علي

 

من نفس القسم دولي