دولي

الإخلال بالتوازن الديمغرافي.. خطوة "إسرائيلية" لضم القدس

المقدسيون يتعرضون لاعتداءات مستمرة من قبل الاحتلال

تنفذ الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة منذ احتلال القدس، سياسة لتدعيم "السيادة الصهيونية" على المدينة المقدسة، بخلق أغلبية حاسمة لليهود في المدينة، هدفها المعلن لـ"إسرائيل" هو الحفاظ على ما تسميه بـ (التوازن السكاني) في القدس، (يعني بطبيعة الحال الحفاظ على أغلبية يهودية دائمة في القدس).

ولكي يتحقق هذا الهدف تعمل "إسرائيل" على مدار سنوات طوال على زيادة أعداد اليهود في شرقي القدس من ناحية، ودفع الفلسطينيين من سكانها إلى مغادرة المدينة من ناحية أخرى، من خلال التمييز المنظم والموجه ضد السكان الفلسطينيين في شرقي القدس فيما يتعلق بمصادرة أراضيهم، ويترتب على هذه السياسة وجود نقص حاد يصل إلى آلاف الشقق للسكان الفلسطينيين، ونتيجة لعدم وجود بديل آخر يضطر المواطنون الفلسطينيون إلى مغادرة المدينة والبحث عن حلول أخرى للسكن خارج حدود مدينة القدس.

 

السكان

 

تشكل زيادة عدد السكان اليهود داخل وحول مدينة القدس جزءاً أساسياً من الاستراتيجية "الإسرائيلية" لضمان سيادتها المستمرة، وقد وُزع السكان اليهود في كل مكان من شرقي القدس التي ضُمت عن طريق بناء أحياء جديدة قريبة ذات كثافة سكانية عالية.

وقد تركزت معظم هذه الزيادة في عدد السكان اليهود في هذه المستعمرات، وكان نتيجة ذلك أن حققت "إسرائيل" أغلبية يهودية على الفلسطينيين في شرقي القدس (165 ألفاً مقابل 160.8 ألف فلسطيني)، وبلغ عدد اليهود في شرقي القدس وغربيها حوالي (406.4) أو ما يعادل 71.7%، وحينما يتم إشغال آلاف الأماكن التي يجرى التخطيط لها، والتي في طور البناء في المستعمرات، فإن الفلسطينيين تصل نسبتهم إلى 22% من المجموع العام لسكان القدس.

 

المساحة

 

تحتاج المستعمرات والشوارع التي ستخدم الزيادة الهائلة في عدد المستوطنين إلى مساحات من الأراضي، ونتيجة لذلك، فإن المساحة التي يعيش فيها الفلسطينيون تُقلّص بشكل مبرمج من خلال قوانين التخطيط والقيود على رخص البناء، ومصادرة الأراضي، بالإضافة إلى (البروتوكولات) التي تعدّ نموذجاً متطوراً في منع البناء العربي.

ولهذه الأسباب ونتيجة للزيادة السكانية الفلسطينية، فإن الفلسطينيين يجبرون على مغادرة الأحياء العربية المركزية إلى الأحياء خارج حدود بلدية القدس أو إلى الضفة الغربية؛ حيث تكون قوانين التخطيط والبناء أقل صرامة، وأسعار الأراضي رخيصة مقارنة بما هو موجود ضمن حدود بلدية القدس.

وفي مقابل ذلك، فإنه يتم ضمان البناء السريع للمستعمرات "الإسرائيلية" من خلال الحوافز الحكومية للمتعهدين الخاصين، وفيما تتقدم ألوف الوحدات السكنية اليهودية، تتقلص المناطق العربية، وبينما تشق الشوارع الجديدة للمستعمرات لربطها ببعضها بعضًا، تقسم هذه الشوارع المناطق والقرى العربية وتعزلها عن بعضها بعضًا.

 

الترتيب الزمني لتغيير حدود المدينة

 

في الفترة بين (1948– 1967) كان من المفروض أن تبقى القدس ذات كيان منفصل تحت الإشراف الدولي "كوربوس سبيراتوم"، وفي تشرين ثانٍ من عام 1947 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم (181) والذي دعا إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين: واحدة يهودية وأخرى للفلسطينيين، ولكن الفلسطينيين رفضوا القرار لكونه يعطي اليهود 52.5% من الأراضي التي كان يملكها الفلسطينيون في عهد الانتداب البريطاني. 

فالفلسطينيون الذين كانوا يملكون 94% من الأراضي حصلوا فقط على 44.5 % منها، بينما حصل اليهود على 55.5 % من الأرض رغم أنهم كانوا يملكون 6 % منها فقط، ولكن بسبب حرب عام 1948 استطاعت "إسرائيل" السيطرة على (78%) من أراضي فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني، وذلك من خلال تدمير 419 قرية فلسطينية وتهجير أهاليها الذين تجاوز عددهم آنذاك 900,000 لاجئ فلسطيني.

في هذه الحرب استطاعت "إسرائيل" السيطرة على الشطر الغربي من المدينة المقدسة، وصادرت الأملاك الفلسطينية فيها بقانون سنّته لهذه الأغراض (قانون أملاك الغائبين- 1950) والذي أقر خصيصاً من أجل تحويل ملكية الأراضي الفلسطينية إلى أملاك حكومية "إسرائيلية". 

وبالتالي أدت هذه الحرب إلى تغيير في حدود المدينة مرة أخرى؛ حيث قسمت إلى قسم شرقي تحت السيادة الأردنية، وقسم غربي تحت السيادة "الإسرائيلية". 

وبعد حرب عام 1967، احتلت "إسرائيل" ما تبقى من الضفة الغربية والقدس، وفي حين أنها لم تعلن ضمها لأراضي الضفة الغربية، إلا أنها سارعت إلى ضم شرقي القدس إلى "إسرائيل" وإعلان توحيد شطري القدس، وفي عام 1980، أقر الكنيست "الإسرائيلي" قرارا يعلن القدس الموحدة العاصمة الأبدية لدولة "إسرائيل" وأكبر مدينة "إسرائيلية"، حيث أدى هذا الضم إلى توسيع حدود المدينة من 6.5 كم² تضم البلدة لتصل إلى 112 كم².

وفي عام 1993 أحدثت السلطات "الإسرائيلية" توسعاً جديداً في المدينة المقدسة؛ حيث أصبحت مساحتها تقارب 130 كم². 

وفي عام 2005، أقرت ما يسمى لجنة تخطيط المدينة وبلدية القدس المخطط الهيكلي "القدس 2000- 2020" والذي يوسع الحدود الغربية للمدينة بحوالي 40%، ووفقاً للمخطط، فإن أكثر من نصف الجزء الشرقي من القدس صنف على أنه مناطق مبنية، وصنف حوالي 24.4% مناطقَ خضراء وساحات عامة.

وبالطبع فإن هذه التصنيفات لاستخدامات الأراضي تتغير وفق الحاجة "الإسرائيلية"، حيث عمدت السلطات "الإسرائيلية" إلى إعلان العديد من مناطق شرقي القدس مناطقَ طبيعية وساحات عامة بهدف مصادرتها، ومن ثم تغيّر تصنيف تلك الأراضي وتحوّلها إلى مناطق سكنية للمستوطنين اليهود في المدينة.

ولعل أوضح مثال على ذلك ما حصل في جبل أبو غنيم الذي غير "الإسرائيليون" تصنيفه من منطقة خضراء إلى مستوطنة "هار حوما" السكنية. 

 

السياسة السكانية "الإسرائيلية" لضمان تحقيق أغلبية يهودية في القدس

 

إن هبوط نسبة اليهود إلى حد معين يجعل من الصعب الادعاء أن المدينة هي عاصمة "إسرائيل"، لذلك رسمت السلطات الإسرائيلية عام 1967م حدودًا جديدة للمدينة، أخرجت بعض التجمعات السكانية الفلسطينية من الخارطة، ثم ضمت مناطق غير مأهولة بالسكان لبناء مستوطنات جديدة، وفي عام 1992 وسّعت المدينة من جهتها الغربية بهدف رفع نسبة السكان اليهود في القدس إلى 72% بينما يشكلون حوالي 50% من سكان "القدس الكبرى". 

 

الإخلال بالتوازن الديمغرافي

 

عزلت السلطات "الإسرائيلية" حوالي 147264 فلسطينيًّا من القرى والبلدات المحيطة بالقدس بواسطة الجدار العازل، كما ستعزل حوالي 130,000 من سكانها من حملة الهويات الزرقاء والذين يسكنون خارج الجدار، فيما ضمت من خلاله وستضم من خلال مخططات البناء حوالي 300,000 مستوطن إلى شرق المدينة، ما سيعني بالضرورة خلق أغلبية يهودية في شرق المدينة سيصعب تجاهلها في المستقبل، أضف إلى ذلك سياسة هدم المنازل الفلسطينية، ما أدى إلى هجرة السكان الفلسطينيين من المدينة.

 

التخطيط والتطوير المدني

 

ومن السياسات الأخرى التي تتبعها السلطات "الإسرائيلية" للإخلال بالتوازن الديمغرافي في المدينة هي سياسات التخطيط والتطوير المدني التي تمنع البناء والتوسع العمراني في المناطق الفلسطينية في المدينة، ونتج ذلك من خلال تقليص المساحات المسموح البناء فيها نتيجة مصادرة ثلث أراضي شرقي القدس لأغراض البناء الاستيطاني، وعدّ 60% مما تبقى أراضي مفتوحة أو خضراء يمنع البناء فيها، وهذا يترك فقط 13% من مساحة شرقي القدس للتوسع العمراني العربي، ما أدى إلى وجود كثافة سكانية عالية في المناطق العربية في شرقي القدس.

يتّضح من واقع بعض المؤشّرات الاجتماعية والاقتصادية والصحية حجم التحديات التي يتعرّض لها الفلسطينيون في القدس؛ حيث تمنَع السلطة الفلسطينية من تقديم الخدمات لهم من جهة، بينما لا تقدم لهم الخدمات بالتساوي والعدالة من الاحتلال "الإسرائيلي"؛ وذلك بهدف الضغط المتواصل عليهم لإجبارهم على مغادرة المدينة للهروب من التمييز والاضطهاد والمنع من البناء أو  التكاليف العالية للحصول على تراخيص البناء، والتي تقارب حوالي 25-30 ألف دولار أمريكي.

أمال. ص/ الوكالات

 

من نفس القسم دولي