دولي

الموقف الإسرائيلي من الأزمة الخليجية

القلم الفلسطيني

 

 

على غير العادة في مواقفها الغامضة وسياستها حمالة الأوجه؛ اختارت "إسرائيل" في الأزمة الخليجية الناشبة أن تصطف في المعسكر المعادي لدولة قطر.

ورغم أنه من المعروف عن السياسة الخارجية الإسرائيلية أنها تحرص على كسب كل الأطراف، وتعطي مواقف قد تبدو متناقضة تطبيقا لنظريتها الميكيافيلية المفرطة؛ فإنها هذه المرة أعلنت بشكل سافر: "إسرائيل" ضد قطر وتقف بجانب الحلف المعادي لها.

السطور التالية تسعى لتناول الموقف الإسرائيلي من قطع دول خليجية علاقاتها مع قطر، ولماذا تبدي "إسرائيل" ابتهاجها بهذه الخطوة؟ وما سر العداء الإسرائيلي للسياسة القطرية الإقليمية وتجاه القضية الفلسطينية بالذات؟ وهل ترى "إسرائيل" في قطر عقبة كأداء أمام تحقيق نفوذها الإقليمي؟

لم تكد تصدر قرارات ثلاث دول خليجية (السعودية والإمارات والبحرين) بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، حتى بدأت ردود الفعل الإسرائيلية تخرج بالترحيب العلني بهذه الخطوة، كونها تغييرًا مهمًا طرأ على طريقة تعامل دول المنطقة مع "إسرائيل".

"وأعلن أكثر من مسؤول إسرائيلي أن القرارات المقاطعة لقطر تعني أن هذه الدول باتت تعدّ إسرائيل شريكة -وليست عدوة- في الحرب ضد الجماعات الإسلامية وداعميها، بل إن هناك من المسؤولين الإسرائيليين من رأى في هذه الخطوة مقدمة لفتح الباب أمام إسرائيل للمشاركة في مكافحة ما تسميه الإرهاب"

وأعلن أكثر من مسؤول إسرائيلي أن القرارات المقاطعة لقطر تعني أن هذه الدول باتت تعدّ "إسرائيل" شريكة -وليست عدوة- في الحرب ضد الجماعات الإسلامية وداعميها، بل إن هناك من المسؤولين الإسرائيليين من رأى في هذه الخطوة مقدمة لفتح الباب أمام "إسرائيل" للمشاركة في مكافحة ما تسميه الإرهاب، وزيادة فرص التعاون مع الدول العربية في قتاله.

القارئ لردود الفعل الإسرائيلية نحو الخطوة الخليجية ضد قطر، يخرج بخلاصة مفادها أن "إسرائيل" تعدّها توجهاً جديداً بدأ يُرسم فـي الشرق الأوسط، ويفيد بتحول عداء العواصم العربية التي قطعت علاقاتها مع الدوحة من إسرائيل إلى قطر.

ويعزز ذلك تبني "إسرائيل" لرواية هذه الدول وتفسيرها بأنها مؤشر على أن هذه الدول باتت تدرك أن الخطر الحقيقي في المنطقة ليس "إسرائيل"، وهو ما يعزز إمكانيات التعاون مع هذه الدول بداعي محاربة الجماعات المعادية لـ"إسرائيل".

ومن ذلك أن الاشتراطات التي تعلنها هذه الدول للتراجع عن قطع العلاقات مع قطر، تتضمن التوقف عن دعم الدوحة واحتضانها واستضافتها قادة المقاومة الفلسطينية (خاصة حركة حماس)، مما يجعل "إسرائيل" تُبدي تفاؤلا واضحا بالتأثيرات السلبية لهذه الحملة على الحركة الفلسطينية.

ولعل ما قد يفسر الترحيب الإسرائيلي بالخطوة الخليجية ضد قطر، هو ما يتردد بـ"تل أبيب" من أنها قد تؤدي إلى تغيير التوازن في الشرق الأوسط، في ظل الضغوط التي قد تمارسها "إسرائيل" وبعض دول الخليج مجتمعة على الولايات المتحدة لحسم موقفها ضد قطر.

ففي حين تضغط العواصم المجاورة للدوحة على واشنطن بورقة الاستثمارات الضخمة التي تعهدت بها مؤخرا للرئيس دونالد ترمب للسير على خطاها واتخاذ منحى عدائيا تجاه قطر؛ فإن "تل أبيب" تضغط عبر اللوبي الصهيوني وجملة المستشارين اليهود المحيطين بترمب لممارسة المزيد من الضغط على الدوحة.

يبدو من الصعب -في تفسير الترحيب الإسرائيلي بالموقف الخليجي من قطر- القفز فوق مراسلات السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، ودوره في التحريض على قطر وحماس في الوقت ذاته، وإقامته لشبكة علاقات وثيقة مع مؤسسات موالية لـ"إسرائيل"، مما يجعل الدور الإسرائيلي فيما حصل يتجاوز الترحيب والتهليل إلى التخطيط والترتيب.

"إسرائيل تبدي تفاؤلها بكتابة وسائل الإعلام التابعة لتلك الدول بشكل أكثر هجومية تجاه حماس من جهة، وبشكل أكثر تعاطفا مع إسرائيل من جهة أخرى، كما ظهر ذلك قبل أيام في الحوار الأول من نوعه بين القناة الثانية الإسرائيلية وأحد الباحثين السعوديين"

"إسرائيل" -التي ربما لم تفاجأ بالقرارات المتخذة ضد قطر- وصفت هذه الخطوات بالهزة الأرضية التي ضربت الشرق الأوسط، وهي في انتظار تبعاتها المتوقعة، ومن أهمها إقامة محور إقليمي جديد تكون فيه "إسرائيل" هذه المرة بجانب الدول العربية التي قاطعت قطر.

كل ذلك يجعل "إسرائيل" تخرج رابحة من هذه الأزمة عبر توثيق عرى التعاون والتحالف مع الدول التي قاطعت قطر، وإبراز القواسم المشتركة بينها، ولذلك لم تتباطأ الأوساط الإسرائيلية في الحديث عما رأته مكاسب من القرارات المقاطعة لقطر، عادّة إياها تصب في خانة الأرباح والإنجازات.

ولعل أول المكاسب الإسرائيلية من التصعيد ضد قطر يتمثل في تضرر حركة حماس التي تستضيف قطر قيادتها السياسية، وهو ما يشكل لـ"إسرائيل" مصدر قلق وإزعاج، خاصة أن قطر مثلت للفلسطينيين خلال السنوات الماضية الرئة الكبرى والأهم في تقديم المساعدات المالية والاقتصادية.

كما سعت الدوحة لإبرام مصالحات عديدة بين الفرقاء الفلسطينيين، وكانت وما زالت محل اتفاق إلى حد كبير بينهم، وكل هذه معطيات ومؤشرات تجعل قطر عقبة كأداء أمام استمرار الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وإدامة الانقسام بين الفلسطينيين.

المكسب الإسرائيلي الثاني من الحملة الجارية على قطر يتمثل في أن تعزيز هذه القرارات الأخيرة المحور الذي بدأ يتشكل بين إسرائيل والدول العربية المقاطعة للدوحة، في ضوء المصالح المشتركة بينها في استهداف قطر.

ولأن الأخيرة دعمت حركة حماس، فإن الأزمة الحاصلة ستشجع تلك الدول على اعتبار الحركة عدوا مشتركا، وهو ما تبدى في تصريحات وزير الخارجية السعودي علانية وبدون مواربة، حين قال -خلال زيارته لفرنسا- إن على قطر التوقف عن دعم جماعات مثل الإخوان المسلمين وحماس.

بل إن "إسرائيل" تبدي تفاؤلها بكتابة وسائل الإعلام التابعة لتلك الدول بشكل أكثر هجومية تجاه حماس من جهة، وبشكل أكثر تعاطفا مع "إسرائيل" من جهة أخرى، كما ظهر ذلك قبل أيام في الحوار الأول من نوعه بين القناة الثانية الإسرائيلية وأحد الباحثين السعوديين.

مكسب ثالث تراه "إسرائيل" بدأ يتحقق من الأزمة الخليجية يتمثل في عودة واشنطن إلى المنطقة، لأن خطاب ترمب الأخير أمام أكثر من خمسين زعيما عربيا ومسلما، ودعوته فيه إلى طرد الجماعات المعادية، أثّر على دول المنطقة ودفعها للتحرك، لأن إسرائيل تشعر حاليا بعودة قوية لدور الولايات المتحدة الداعم للحلفاء، خلافا لفترتيْ ولاية الرئيس السابق باراك أوباما.

المكسب الإسرائيلي الرابع هو أن الأزمة قد تساعد "إسرائيل" في أن تكون بمأمن من العمليات المسلحة، ففي ظل ما تعانيه "إسرائيل" من مخاطر أمنية محدقة بها من سيناء وغزة والجولان ولبنان، فإن تعزيز التعاون الأمني القائم بين "إسرائيل" والدول التي اصطفت في جبهة واحدة ضد قطر، سيكون له تأثير إيجابي على "إسرائيل".

 

 

عدنان أبو عامر

من نفس القسم دولي