دولي

"التحريض المحمود"

القلم الفلسطيني

 

 

إن كان هناك من يبحث عن معيار لقياس المكاسب التي حصلت عليها "إسرائيل" من الزيارة التي قام بها للمنطقة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، فما عليه إلا أن يتوقف فقط عند طابع الجدل الذي ساد في الكيان الصهيوني عشية وخلال هذه الزيارة؛ وهو الجدل الذي يشي بأن ترمب قد أضفى شرعية على الخطاب الدموي والتحريض على القتل الذي لم يعد يقتصر على المرجعيات الدينية اليهودية، بل بات يعد مركبا أساسيا من مركبات الخطاب الذي تتبناه القيادات السياسية البارزة في تل أبيب.

وإن كانت التسريبات الصهيونية والفلسطينية والأمريكية قد أكدت أن ترمب قد استغل الاجتماعين اللذين عقدهما مع رئيس السلطة محمود عباس في واشنطن وبيت لحم لمطالبة الأخير بـ «القضاء على التحريض» على "إسرائيل" في مناهج التعليم والإعلام ودور العبادة في مناطق السلطة، فإننا نجد أن ترمب وفريقه يتجاهلان بشكل لافت مجاهرة نائب رئيس البرلمان الصهيوني بتسلال سمورطيتش بالدعوة إلى شن حرب إبادة لا تبقي ولا تذر ضد الفلسطينيين من أجل إجبارهم على الفرار من فلسطين من أجل أن تتحسن بيئة الاستيطان اليهودي.

ولم يتردد سمورطيتش، الذي يعد من قادة حزب «البيت اليهودي»، الذي يقوده وزير التعليم نفتالي بنات في أن يطالب بتطبيق فتوى أصدرها الحاخام موشيه بن ميمون، الذي عاش في القرن الثاني عشر، والذي يطلق عليه اليهود «الرمبام»، وتلزم اليهود أن يعرضوا على غير اليهود الذين يعيشون في فلسطين ثلاثة خيارات لا رابع لها؛ فإما مغادرة البلاد فورا، أو القبول بالعيش كعبيد لليهود، أو أن يتم قتلهم جميعا وضمن ذلك الأطفال والنساء.

وفي خلال ندوة نظمتها مجموعة من نخب التيار الديني الصهيوني في تل أبيب، قال سمورطيتش إنه يتوجب «الاقتداء بما قام به يوشع بن نون ضد العمالقة» قبل ألفي عام عندما خيرهم: إما المغادرة فورا، أو القبول بالعيش في مكانة متدنية عن مكانة اليهود، وفي حال عارضوا ذلك فيتوجب قتلهم».

وحول مغزى أن يعيش الفلسطيني في «منزلة دونية مقارنة باليهودي، قال سمورطيتش إن «الرمبام» يلزم اليهود بتحقيرهم وعدم السماح لهم برفع رأسهم أبدا».

إن عددًا من كبار الباحثين والمفكرين الصهاينة يرون أن ما صدر عن سمورطيش يعد تجسيدا لمرحلة جديدة في تاريخ الصراع بين الكيان الصهيوني والشعب الفلسطيني، وهم لا يساورهم شك بأن تفوهات هذا العنصري المتنفذ قد كرست البنية الفكرية لارتكاب «إبادة شعب» ضد الفلسطينيين، على غرار ما قام به النازيون، كما يقول المفكران الصهيونيان زئيف شترنهال وتومر فريسكو.

صحيح أن المرجعيات اليهودية قد أصدرت حتى الآن مئات الفتاوى التي تحث على قتل الفلسطينيين وتجيز سلب ممتلكاتهم، إلا أنه لم يحدث أن تم تبني هذه الفتاوى من قبل مرجعيات سياسية تشريعية في الكيان الصهيوني، كما يحدث حاليا.

إن صمت ترمب وفريقه وتجاهلهم التحريض الذي يمارسه سمورطيتش ينطوي على تعاطٍ عنصري تجاه العرب والمسلمين والفلسطينيين. فترمب حاضر أمام زعماء العرب والمسلمين في الرياض حول الإرهاب، الذي تمارسه حركات، وضرورة اجتثاثه، لكنه يتجاهل التحريض على القتل الصريح وتنفيذ حملات إبادة عندما تصدر عن قيادات سياسية في الكيان الصهيوني.

من المرارة أن يغض القادة العرب والمسلمين الطرف أيضا عن هذا التحريض ويمروا مرور الكرام عليه ويتجاهلوه تماما، مع كل ما ينطوي عليه من دلالات بالغة الخطورة.

إن ما صدر عن سمورطيتش الذي أثار جدلا واسعا بين النخب الصهيونية يجب أن يقابل بردة فعل قوية من قبل العالمين العربي والإسلامي وقيادة السلطة الفلسطينية، فلا يجوز التسليم بالتعاطي العنصري الذي يحاول ترمب إملاءه.

فعلينا أن نتذكر أن مجلس الشيوخ الأمريكي يعكف حاليا على سن قانون يلزم الإدارة الأمريكية بوقف تقديم المساعدات المالية وتجميد الاتصالات مع السلطة الفلسطينية في حال لم تقم بمحاربة «التحريض في مناهج التعليم ودور العبادة ووسائل الإعلام الفلسطينية».

معادلة «التحريض المحمود» و«التحريض المذموم» يجب أن تتوقف.

 

 

صالح اصالح النعامي

من نفس القسم دولي