دولي
الذكرى الـ69 للنكبة.. فلسطينيو الخارج والدور المطلوب
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 16 ماي 2017
يُحيي الشعب الفلسطيني والمتضامنون معه هذه الأيام ذكرى مرور 69 سنة على وقوع نكبة فلسطين، ولعلها تعتبر المناسبة الأهم في الرزنامة الوطنية طوال هذا العام. ويشير الاهتمام الفلسطيني الصارخ في الداخل والخارج بالتوقف أمام هذا التاريخ -وبأشكال منوعة وشاملة- إلى أن جرح النكبة ما زال ينزف ولم يندمل.
كما يُرجع هذا الاهتمامُ القضيةَ إلى بداياتها وأصلها الذي هو إقامة كيان باطل على الأرض الفلسطينية، وما نتج عن ذلك من التهجير القسري لما يزيد على سبعمئة ألف فلسطيني تشتتوا في مخيمات ما زالت قائمة. وفي الجانب الإيجابي الأهم؛ فإن ذلك يدل على استمرار المطالبة بالحقوق.
ونجد لزاما -في هذه الأجواء- أن نستعرض المشهد الفلسطيني في الفترة الحالية من جوانب عدة سواء كانت سياسية أو تتعلق بواقع الشعب الفلسطيني، ونحاول استشراف مآلات الأمور على المستوى القريب والبعيد، وتساعد في هذا دراسة العوامل التي تؤثر في رسم مستقبل القضية.
تعيش القضية الفلسطينية حالة انسدادِ أفقٍ حقيقية على أكثر من صعيد، وأبرز مظاهر ذلك استمرار سيطرة الاحتلال الصهيوني على مساحة فلسطين بالكامل، سواء بتحكمه في مجريات الأحداث بالضفة الغربية ومفاصل الحياة فيها، أو بإحكامه الحصار على قطاع غزة، وفوق ذلك ممارساته العنصرية بكافة أشكالها على أهلنا في أراضي 48.
وترافق هذا أزمة فلسطينية داخلية حادة ينقسم فيها الشعب على نفسه، ويتجلى ذلك في مشهديْ إدارة الأمور على المستوى السيادي الفلسطيني في رام الله وغزة.
"تعيش القضية الفلسطينية حالة انسدادِ أفقٍ حقيقية على أكثر من صعيد، وأبرز مظاهر ذلك استمرار سيطرة الاحتلال الصهيوني على مساحة فلسطين بالكامل، سواء بتحكمه في مجريات الأحداث بالضفة الغربية ومفاصل الحياة فيها، أو بإحكامه الحصار على قطاع غزة، وفوق ذلك ممارساته العنصرية بكافة أشكالها على أهلنا في أراضي 48"
وصعَّب الأمر ما يجري حول فلسطين في الإقليم العربي من أوضاع داخلية مضطربة ونزاعات مسلحة في عدة أقطار، مما ساهم في تراجع الاهتمام بالقضية إلى مراتب متأخرة، أما القوى الدولية التي لديها مصالح في المنطقة فيطغى على اهتمامها بالقضية والالتفات لمظالم الشعب الفلسطيني انشغالها بمصالحها، المتمثل في انخراطها في أزمات المحيط العربي الذي يموج بالأحداث.
وبشيء من التفصيل لواقع القضية في كافة الجوانب؛ نقول إن الاحتلال الصهيوني ما زال يُحكم قبضته على القدس الشريف ويمارس سياسة التهويد التي تسير بخُطى متسارعة، حيث يعزل المدينة بطوق استيطاني وجدار عزل ويُمعن في التهجير القسري، ويُطلق أيدي المستوطنين في انتهاك حرمة المسجد الأقصى.
وحال الضفة الغربية لا يقل سوءًا؛ فالمستوطنات قطّعتها إلى معازل حقيقية، والحواجز العسكرية تغطي مساحتها، والجدار العنصري يمتد على مساحة الضفة برمتها. هذا إضافة إلى سياسة مصادرة الأراضي وهدم البيوت والاعتقالات الواسعة.
وهذه السياسة أفرزت وجود ما يقارب سبعة آلاف أسير يتوزعون على سجون الاحتلال ويعانون من صنوف الاضطهاد والتعذيب، وهذا ما دفعهم للدخول في إضرابات مفتوحة عن الطعام، آخرها إضراب الكرامة الذي انطلق في 17 أبريل/نيسان الماضي، ويشارك فيه أكثر من 1500 أسير.
وفي لوحة مأساوية أخرى؛ فإن ما يقارب مليونين من سكان قطاع يعيشون في حالة حصار مطبق مضى عليه أكثر من 11 سنة، ولا يمكن وصف القطاع إلا بأنه سجن مفتوح يشهد عقابا جماعيا تتواطأ عليه أطراف عديدة محلية وإقليمية ودولية. وقد نتجت عن هذا أوضاع إنسانية يندى لها الجبين، علما بأن معظم سكان القطاع هم لاجئون -حسب سجلات الأمم المتحدة- ويعانون أصلا وضعا معيشيا سيئا.
وينفرد العدو الصهيوني بفلسطينيي 48 الذين تجذّروا في أرضهم وبقوا شوكة في عيون المحتل؛ حيث يقوم بممارسة العنصرية بصنوفها ضدهم. ومن ذلك الإجراءات المتخذة بحق بدو النقب من هدم بيوتهم المتكرر، ومنع فلسطينيي 48 من القيام بدورهم الوطني تجاه إخوانهم في الضفة وغزة.
وقد بدا هذا واضحا في الأحكام الصادرة ضد زعيم الحركة الإسلامية هناك الشيخ رائد صلاح ونائبه الشيخ كمال الخطيب، سواء باعتقالهم أو منعهم من دخول البلدة القديمة والوصول للمسجد الأقصى.
أما فلسطينيو الخارج فالتعامل معهم ووصف حالهم يتباين من بلد لآخر سواء من الناحية القانونية أو الإنسانية المعيشية. وتبرز الحالات الأصعب في لبنان الذي يعيش لاجئوه وضعا لا يمكن أن يكون مقبولا بأي شكل، وهو عموما يحتاج إلى تحرك حقيقي لتغييره.
فمجرد زيارة سريعة لمخيم برج البراجنة (وسط العاصمة بيروت) تعطي انطباعا سريعا بأن أحوال الشعب الفلسطيني في المخيمات هناك لا ترقى لأي درجة من الحدود الدنيا لحقوق الإنسان.
وتشهد الحالة الأردنية تناقضا غريبا في التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين في مخيم جرش (المعروف بمخيم غزة)؛ فقد تفوقت السياسة الأردنية باكرا في التعامل مع الفلسطينيين بمنحهم الجنسية الأردنية بالكامل، ومعاملتهم بالمساواة مع أشقائهم الأردنيين في الحقوق والواجبات. ولم يحرمهم هذا ممن ممارسة ارتباطهم العضوي بجذورهم الفلسطينية والعمل على استعادة حقوقهم.
ومع ذلك فقد عجز الأردن عن استيعاب نحو مئة ألف لاجئ فلسطينيي من أصول غزية انقطعت بهم السبل، وأوضاعهم القانونية والمعيشية تحتاج إلى مراجعة حقيقية لمساواتهم بباقي الأردنيين من أصول فلسطينية.
ومنذ ست سنوات تصدرت أخبار فلسطينيي سوريا العناوين، وهم الذين كانوا يوصفون بأنهم الأحسن حالا بين إخوانهم في باقي المناطق، ولم تحدث أية أزمة تعكّر صفو حياتهم إلى أن اندلعت الأحداث سنة 2011، فانقلبت حالة استقرارهم إلى أوضاع دموية لم تقفل فصولها إلى الآن.
وقد نتجت عن ذلك نكبة متجددة لهم، وأضحى أكثر من ثلثهم خارج حدود القُطر السوري، حتى وصل إلى أوروبا وحدها نحو مئة ألف منهم هربا من جحيم الحرب.
"الدلائل الميدانية على أرض الواقع بمستويات عدة تشير إلى مخزون قوة لدى الشعب الفلسطيني كامن في جوانب وظاهر في جوانب أخرى، ويدل على أن كفة الميزان وإن أختلت في هذا الزمان لصالح الكيان الصهيوني فإن في الحراك الفلسطيني يستطيع -إن توافرت له الظروف- تحقيق تقدم مهم تجاه الاقتراب من استعادة الحقوق"
يغذي قتامةَ الصورة فيما أوردناه؛ الحالُ الداخلي السياسي الفلسطيني باستحكام الخلاف بين قطبيْ السياسة حركتيْ "فتح" و"حماس"، الذي مضى على حدته العالية أكثر من عقد. وهذا ما أدى -وبشكل جلي- إلى استفراد العدو الفلسطيني بالشعب الفلسطيني في الداخل، ولا تبدو أي بوادر انفراجٍ قريبٍ لهذا الوضع.
فنحن نتكلم عن برنامجين متناقضين، وهذا يفرز سياستين تسيران في اتجاهين متعاكسين؛ فعلى جانب تستمرئ قيادة "فتح" كل صنوف التعامل مع الاحتلال والتعامل والتنسيق معه. وعلى الجانب الآخر سياسة مقاومة بكل صنوفها وعلى رأسها الكفاح المسلح، ولا أعتقد أن أي مصالحة ستُنهي الأزمة، وإنما يمكن أن تنجح أي مساع مفترضة في تخفيف حدتها.
ما الذي يمكن أن يكون عليه المستقبل في ظل واقع وأجواء كهذه؟ رغم سوداوية الصورة في الواقع الحالي؛ فإننا نعتقد جزما بأن مآلات الأمور -على المستوى البعيد كنهاية للصراع- ستكون بشكل حتمي لصالح استعادة الشعب الفلسطيني كامل حقوقه غير منقوصة.
فالحكم على صراع ممتد لأكثر من قرن لا يتعلق بحقبة واحدة، ويخطئ من يظن أن بإمكانه التحكم في قفل الملف الفلسطيني دون رجوع الحق لأصحابه.
ماجد الزير