دولي

حماس من الميثاق إلى الوثيقة

القلم الفلسطيني

 

 

انطلقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 1987، في بيئة سياسية ووطنية وعربية ودولية مُقلقة، إضافة إلى أن الأوساط الداخلية لحركة حماس كانت تشهد حالة من النقاش والتفاعل الداخلي، ويمكن إجمال البيئة الداخلية والخارجية التي انطلقت في سياقها حركة حماس بالنقاط التالية: أولاً: حدثت مجموعة من التراجعات في مواقف منظمة التحرير الفلسطينية، خاصة إعلانات نبذ العنف (والمقصود بذلك المقاومة)، والإشارات المتزايدة من قيادات المنظمة بالاستعداد للتوصل إلى حل سياسي سلمي مع الاحتلال. 

ثانياً: أظهر النظام العربي إدارة ظهر شبه كاملة للقضية الفلسطينية، وتخلياً واضحاً عن تقديم الدعم السياسي للفلسطينيين، حتى إن اجتماع القمة العربية الذي سبق اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى تجاهل القضية الفلسطينية، وينطبق الأمر نفسه على المجتمع الدولي الذي أظهر انحيازاً كبيراً -خاصة القوى المهيمنة على العالم-لصالح دولة الاحتلال. ثالثاً: امتد النقاش في أوساط كوادر جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينيين منذ منتصف السبعينات حول تبني جماعتهم للمقاومة ضد الاحتلال، وفي منتصف الثمانيات نضج خيار تبني المقاومة قولاً وفعلاً. في هذه البيئة انطلقت حركة حماس في نهاية عام 1987، وصاغت ميثاقها في منتصف عام 1988، وكان يسيطر على الحركة في ذلك الوقت شعور بخذلان العرب، وتآمر العالم، ووجود مؤامرة، وبوادر لتراجع الأشقاء الفلسطينيين عن الحقوق الثابتة، تحت ضغط الأشاء العرب، وتآمر الجهات الدولية المنحازة لصالح العدو. 

وبناءً عليه فقد تضمنت اللغة التي صيغت بها المواقف والأفكار الواردة في الميثاق، محاولة لردع الأخ الفلسطيني عن التنازل من خلال إظهار أن الأرض المقدسة (فلسطين) وقف إسلامي لا يجوز التنازل عنه، وكذلك نبهت الوثيقة إلى خطورة الهيمنة اليهودية على العالم، وربما حدثت بعض المبالغات على هذا الصعيد، والأخطاء أيضاً، خاصة عندما يُقال أن اليهود هم من حركوا الثورات العالمية، مثل: الثورة الفرنسية والروسية وغيرها. ويُضاف إلى ما تقدم، أن أجواء السرية التي أحاطت بعمل حركة حماس في ذلك الوقت، وانحصار أغلب الجهد في المناطق الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال، كل هذا حرم الميثاق من الاستفادة من خبرات قانونية وثقافية على مستوى رفيع من المعرفة، ولهذا جاءت لغة الميثاق عاطفية حماسية بعيدة خطابية ومُرتجلة إلى حد بعيد. 

لاحظ العديد من كوادر حماس، منذ فترة مبكرة، أن صياغة الميثاق جاءت على عجل، وأن حركة مقاومة إسلامية تطمح لقيادة الشعب الفلسطيني، عليها أن تتبنى مواقف، وتقدمها في صياغات تليق بكل ما تمثله هذه الحركة، ودارت نقاشات داخل حركة حماس في السجون، وفي خارج فلسطين حول إمكانية تعديل الميثاق، وربما كانت أكثر تلك النقاشات رسمية هي تلك التي حدثت عام 1993 بين المبعدين في مرج الزهور، لكن كل تلك النقاشات لم تُسفر عن إجراء أي تعديل للميثاق، ويرجع ذلك للأسباب التالية: أولاً: عدم قدرة قيادات الحركة على الاجتماع في أجواء مريحة خلال الفترات السابقة، الأمر الذي كان يحول دون اكتمال هذه النقاشات في المؤسسات القيادية للحركة. ثانياً: خشية أوساط واسعة في قيادة حركة حماس من أن يُستغل أي تعديل في تشويه مواقف الحركة، خاصة أن قيام (م ت ف) بتعديل ميثاقها أحدث إزعاجاً كبيراً في أوساط الشعب الفلسطيني. ورغم أن حركة حماس لم تقم بتعديل الميثاق، إلا أنها ومنذ فترة مبكرة سجلت تجاوزاً عملياً للكثير من البنود العاطفية التي وردت في الميثاق، ويمكن رصد أهم محطات هذا التجاوز العملي في النقاط التالية: أولاً: أعلن الشيخ أحمد ياسين منذ عام 1988 استعداد حركة حماس لقبول دولة فلسطينية كاملة السيادة فوق الأرض التي احتلتها إسرائيل عام 1967، دون الاعتراف بإسرائيل، مقابل هدنة لمدة من الزمن.

 ثانياً: تضمنت المنشورات الرسمية الصادرة عن حركة حماس، والتصريحات التي يُدلي بها قادة حماس، إشارات إلى القوانين الدولية، ومناشدات للمؤسسات الدولية المختلفة. ثالثاً: بخصوص الوضع الداخلي الفلسطيني، اشتملت المنشورات الصادرة عن حركة حماس، إضافة للسلوك العملي للحركة على تركيز واضح على البعد الوطني، وإعطائه أولوية، وإعلاء شأن الاهتمام بالقضايا الوطنية، وعلى رأسها الكفاح المسلح. وبقيت بعض التصريحات لجزء من قيادات حركة حماس تعكس حالة من التردد بين المواقف الجديدة، وبين تلك المنشدة للمواقف القديمة، ويبدو أن حركة حماس أرادت أن تحسم النقاشات الممتدة في أوساطها، ومع أصدقائها، وتحدد تعريفاً واضحاً للحركة، وتبين المبادئ.

 

 

د. نهاد الشيخ خليل

من نفس القسم دولي