دولي

غزة في عين العاصفة

القلم الفلسطيني

 

 

في الأيام الأخيرة تصاعدت حدة التصريحات التي تتوعد حركة حماس في قطاع غزة، وذلك إن لم تستجب للمبادرة التي ستعرض على قيادة الحركة من وفد رفيع من حركة فتح، والذي كان من المقرر أن يزور قطاع غزة في الثلث الأخير من شهر نيسان الحالي، ويحمل معه مبادرة تحتاج من حركة حماس الإجابة عنها بنعم أو لا، حسب عديد من المصادر التي صرحت بذلك.

 

يأتي هذا التصعيد عقب خصم السلطة الفلسطينية في رام الله حوالي 30% من رواتب آلاف الموظفين الموجودين في قطاع غزة، وقد طال هذا الخصم العدد الأكبر من الموظفين التابعين لحركة فتح والذين طلب منهم الاستنكاف عن الدوام من وظائفهم عقب أحداث الانقسام وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007م.

 

لقد كان التبرير لعملية الخصم في بداية الأمر أن السلطة تعاني من ضائقة مالية وأنها تنتظر انفراجة في ذلك حتى تعيد الأموال المخصومة، ولكن ما أن انقضى القليل من الوقت حتى ظهرت تصريحات عديدة من قيادات في السلطة الفلسطينية وحركة فتح، تعبر عن أن هذا الإجراء هو بداية، وأن الآتي سيكون عبارة عن إجراءات غير مسبوقة تجاه قطاع غزة، من شأنها التضييق على حركة حماس التي تنفرد في إدارة القطاع. 

 

إنّ ما ظهر في خطاب قاضي القضاة محمود الهباش أثناء خطبة الجمعة في مسجد التشريفات في المقاطعة بمدينة رام الله، والتي دعا فيها الرئيس إلى تحمل مسؤولياته تجاه قطاع غزة، مشبهاً إياه بمسجد الضرار الذي أمر النبي عليه السلام صحابته الكرام بحرقه وهدمه، مما فُهم أنّ الهباش يدعو الرئيس لاتخاذ أقسى خطوات ممكنة باتجاه القطاع حتى لو أدى ذلك لحرقه.

 

وفي السياق نفسه جاء ما قاله أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في برنامج "ملف اليوم" الذي يبث على فضائية فلسطين، عندما خيّر حماس بين أمرين؛ إمّا حل اللجنة الإدارية التي شكلتها حركة حماس في سنوات سابقة لملء الفراغ الناجم عن عدم تعاطي حكومة التوافق مع قضايا قطاع غزة، وأجرت حماس على هذه اللجنة تعديلات هذا العام، وحسب مجدلاني تعطي حماس حكومة التوافق الفرصة لتسلم الوزارات وإدارة قطاع غزة، أو الذهاب لتشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس برنامج منظمة التحرير، والتحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية، وإن رفضت حركة حماس ذلك فعليها تسلم مسؤولياتها عن قطاع غزة. ويحمل هذا التصريح تهديدا مباشراً بأن السلطة ستتخلى عن الجزء المالي من مسؤوليتها تجاه القطاع، وقد يشمل ذلك قطاعات الخدمات المختلفة وعلى رأسها التعليم والصحة ورواتب الموظفين.

 

يأتي هذا التصعيد في أجواء حراك إقليمي عقب انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ويرى أنه لا بد من حل ينهي الصراع ويغلق ملف القضية الفلسطينية، حيث يثار حديث حول ما يسمى "بصفقة القرن" والتي تستهدف حلاً للقضية الفلسطينية لا يعتمد على ما اصطلح عليه لسنين طويلة "بحل الدولتين"، بحيث تفرض أطراف عربية وإقليمية وعلى رأسها مصر، حلا إقليميا وبغطاء أمريكي يستثني حل الدولتين ويعتمد على الحقائق الموجودة على الأرض، والتي فرضها الاحتلال بالاستيطان وشق الطرق والسيطرة التامة على مدينة القدس، مما أضاء نوراً أحمر لدى السلطة الفلسطينية وحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية وخاصة بعد السلوك المصري الذي سعى لتهميش تيار الرئيس أبو مازن ودعم النائب الفتحاوي محمد دحلان، إضافة للتقارب المحدود بين مصر وحركة حماس.

 

إلا أنّ بارقة الأمل للسلطة الفلسطينية جاءت بعد أن حصل الاتصال الأول بين الرئيس عباس والرئيس الأمريكي ترمب، وبعده تم تحديد زيارة للرئيس عباس للبيت الأبيض، في إشارة إلى عدم تهميش القيادة الفلسطينية.ومن هنا كان لا بد من التهيئة لهذه الزيارة، من حيث ما يحمله الرئيس بصورة قاطعة أنّه يمثل الكل الفلسطيني، وأنّ قطاع غزة بين يديه، وأن أي حل للقضية الفلسطينية عنوانه منظمة التحرير الفلسطينية برئيسها ولجنتها التنفيذية. ومن هنا جاء التهديد باتخاذ خطوات غير مسبوقة تجاه قطاع غزة في حال رفضت حركة حماس الانصياع تحت جناح الرئيس عباس بتسليم قطاع غزة أو بالخضوع تحت برنامجه.

 

حركة حماس من جهتها رفضت ابتداء تساوقها مع أي حل إقليمي يجتزئ قطاع غزة عن الضفة الغربية، قاطعة بذلك كل قول بأنها تسعى لإقامة دولة في قطاع غزة، ورفضت مسبقا تبني برنامج منظمة التحرير المبني على المفاوضات والذي يطالبها بالاعتراف، بإسرائيل وقبول حل نهائي بدولة فلسطينية على حدود عام 1967م ويشمل التنازل عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م.

 

الأيام القادمة تنبئ عن أزمة شديدة قد تنشأ، في حال لم تتوصل الحركتان "فتح وحماس" إلى تسوية تنزع فتيل الأزمة، بحيث تتوصلان لصيغة توافقية تسمح بإدارة قطاع غزة على أساس الشراكة السياسية التي تجمع فصائل العمل الوطني الفلسطيني كافة، ومن هنا فهناك العديد من الاعتبارات التي يجب مراعاتها في هذا الشأن، ومنها لا على سبيل الحصر، معالجة الملفات بعيداً عن وسائل الإعلام، والبعد عن التصريحات الإعلامية والتراشق الإعلامي، والبعد عن استخدام قوت المواطن الفلسطيني كأداة لتسوية الخلافات بين الفصائل.

 

كذلك فإنه ومن الضروري اعتماد مبدأ الشراكة السياسية بصورة كاملة، وإشراك جميع الفصائل الفلسطينية في الحوارات الدائرة لتسوية الخلافات. وأخيراً من الأهمية بمكان عدم عدّ أن هذه المحطة هي الأخيرة، وهذا يلزم بعدم التسرع أو الاندماج في مسارات قد تبعد الشعب الفلسطيني عن حلمه في تحرره الوطني، مقابل حلول جزئية قريبة تنهي الصراع، وبذلك يتضاعف حجم الظلم الذي يقع على الشعب الفلسطيني، كما أنه يجب عدم التعويل على الموقف الأمريكي المنحاز سلفاً لدولة الاحتلال، ولا على التصريحات التي يدلي بها الرئيس الأمريكي مما يربك القيادة الفلسطينية، وأخيرا لا بدّ من الإيمان بيقين أنّ أي مؤامرات لا يمكن أن يُكتب لها النجاح ما لم يوافق عليها الشعب الفلسطيني، وهو الوحيد القادر بثباته وصموده على أرضه من إفشالها وردها ودحرها كما حدث لكثير من المؤامرات.

 

 

 

جمال حاج علي

من نفس القسم دولي