دولي
فرص المواجهة مع الاحتلال تزداد بعد تقليص رواتب غزة
بسبب تدهور في الأوضاع الاقتصادية في القطاع
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 12 أفريل 2017
من المتوقع أن يترتب على قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المفاجئ بتقليص رواتب موظفي السلطة ودوائرها في قطاع غزة بنسبة 30 في المائة، تداعيات بالغة التعقيد، لا تتعلق فقط بالأوضاع الفلسطينية الداخلية والعلاقة بين الضفة الغربية وغزة وتأثيرها على تعميق الانقسام بين حركتي "فتح" و"حماس"، بل من غير المستبعد أن تفضي هذه الخطوة إلى توفير بيئة مناسبة لاندلاع مواجهة عسكرية جديدة بين حركة "حماس" والاحتلال.
فخطوة عباس ستفضي إلى حدوث مزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، إذ إن النسبة التي اقتطعتها السلطة من الرواتب، هي التي تمكّن عشرات الآلاف من الموظفين في غزة من الإسهام في الحفاظ على وتيرة القوة الشرائية، ما سيؤثر على كل المرافق الاقتصادية في القطاع. في الوقت ذاته، فإن تدهور الأوضاع الاقتصادية سيفضي إلى تراجع معدلات الاستيراد، ما سيؤدي إلى تقليص قدرة حكومة غزة على جباية الضرائب التي توظّف عوائدها في تسديد جزء من الراتب لكل موظف من موظفيها، إذ إن حكومة غزة تسدد نحو 40 في المائة من الرواتب لموظفيها. من هذا المنطلق، فإن قرار عباس بتقليص رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة سيمس بشكل غير مباشر قدرة حكومة غزة على مواصلة دفع نسبة الأربعين في المائة من مرتبات موظفيها المدنيين والأمنيين، ما يعني تفاقم الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير.
ومن المتوقع أن يفضي تدهور الأوضاع الاقتصادية إلى تدهور مماثل في الواقع الاجتماعي والأمني. فتجفيف الموارد المالية سيقلّص قدرة حكومة غزة على حفظ الأوضاع الأمنية، ما يزيد من الفوضى ويسمح بتوفير بيئة مناسبة لمجموعات من السلفية "الجهادية" التي تقوم أحياناً بإطلاق القذائف باتجاه مستوطنات غلاف غزة بتكثيف أنشطتها، وهو ما يوفر فرصة لجيش الاحتلال باستهداف أهداف لـ"كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، يتم اختيارها مسبقاً في العادة. وعند الأخذ بالاعتبار إعلان "كتائب القسام" أخيراً أنها سترد على أي هجوم إسرائيلي يستهدفها، فإن هذا الواقع يمثّل وصفة لانفجار مواجهة جديدة. وفي حال تبيّن أن ما صدر عن بعض الوزراء الإسرائيليين من أعضاء المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن بشأن قرب شروع جيش الاحتلال في العمل ضد الأنفاق الهجومية داخل قطاع غزة، يعبّر بالفعل عن توجّهات الحكومة الإسرائيلية، فإن هذا يعزز من فرص اندلاع المواجهة. وربط التقرير الذي أعدّه مراقب الدولة في إسرائيل حول ظروف ونتائج حرب غزة 2014 ونُشر أخيراً، بين تدهور الأوضاع الاقتصادية في القطاع وانفجار المواجهة، إذ حمّل التقرير المستوى السياسي الإسرائيلي المسؤولية عن تجاهل تحذيرات المستويات الأمنية والاستخباراية الإسرائيلية التي طالبت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأعضاء المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن بتطبيق سياسة تخفّف من وطأة الأزمة الاقتصادية في القطاع.
يُذكر أنه قبيل اندلاع حرب 2014 حدث تدهور كبير في الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، أفضى إلى توقف حكومة غزة عن دفع رواتب الموظفين واستمر الأمر حتى تحسنت الظروف بشكل سمح للحكومة بمنح الموظفين 40 في المائة من الراتب.
وتدرك إسرائيل طابع التداعيات المترتبة على حدوث مزيد من التدهور على الأوضاع الاقتصادية وإسهام ذلك في التمهيد لمواجهة جديدة مع غزة، بالتالي فإن التعاطي الإسرائيلي مع الأزمة الحالية يشي بطابع التوجهات الإسرائيلية إزاء غزة. فإن كانت إسرائيل غير معنية بمواجهة جديدة، بإمكانها التأثير على الواقع الاقتصادي في القطاع من خلال توظيف شبكة علاقاتها مع الدول المانحة والإدارة الأميركية للضغط على عباس للعدول عن قراره، علاوة على أنه بإمكانها تطبيق تسهيلات تحسن الواقع الاقتصادي.
وحذّر منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة الجنرال يوآف مردخاي، من تدهور الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة وإمكانية أن يحدث تشويش غير مسبوق على إمدادات المياه والكهرباء. لكن تحذيرات مردخاي لا تعكس بالضرورة التوجّهات الحكومية، فسبق لمردخاي أن أطلق الكثير من التحذيرات من هذا القبيل عشية حرب 2014، إذ أشار تقرير مراقب الدولة بشأن حرب 2014 تحديداً إلى تحذيرات مردخاي التي تجاهلتها حكومة نتنياهو. من هذا المنطلق، فإنه في حال غضت السلطات الإسرائيلية الطرف عن تداعيات الخطوة التي أقدم عليها عباس، فإن هذا يعني أنها تسلّم بمواجهة جديدة مع حركة "حماس".
الوكالات