الحدث

الجزائر في طريق الانضمام إلى "بريكس"

تملك "أوراقا رابحة" لولوج هذا التكتل المالي والاقتصادي

تستعد الجزائر للانضمام في القريب العاجل إلى مجموعة "بريكس" التي تضم كل من البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب إفريقيا، هذا التكتل المالي والاقتصادي العالمي، الذي بات يفرض وجوده بقوة إلى درجة منافسة مجموعة السبعة التي تقودها الولايات المتحدة وعضوية كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان، مفاوضات ماراطونية تخوضها الجزائر لولوج هذا التكتل العالمي لما تتيحه هذه المجموعة الموزعة على القارات الخمس للمعمورة من امتيازات من شأنها أن تمكن الجزائر من تحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود لا سيما وأن بلد مثل الجزائر يتوفر على كل إمكانيات التنمية والتطور انطلاقا من الموارد البشرية والطبيعية ووصولا إلى الموقع الجيو استراتيجي الذي تحظى به الجزائر، ناهيك عن عديد الامتيازات الأخرى. 

رهانات كثيرة يفرضها خيار انضمام الجزائر إلى البريكس قبل نهاية عام 2023، من منطلق أن هذا البلد يعد بمثابة بوابة القارة السمراء ويعول عليه كثيرا من قبل بعض القوى العظمى لإعادة تنمية إفريقيا وتحقيق توازن مالي واقتصادي عالمي شهد اختلالات كثيرة بسبب سيطرة مجموعة السبعة لفترة طويلة، الجزائر تعي جيدا أهمية هذا الخيار لتحقيق هدف التنمية والتطور الاقتصادي على المديين المتوسط والطويل، ولذلك يرى الكثير من المحللين الاقتصاديين أن الجزائر ولتحقيق انضمامها إلى "بريكس"، فهي بحاجة لمضاعفة صادراتها من الغاز وزيادة صادراتها خارج المحروقات لرفع ناتجها الداخلي الخام فوق 200 مليار دولار.

رئيس الجمهورية عبد المجيدتبون أكد مشاركته في قمة بريكس المقبلة نهاية 2023، بعدما سبق له وأن شارك في قمة بكين التي جرت في 23 جوان 2022، في وقت أكدت فيه كل من روسيا والصين وجنوب إفريقيا موافقتهم على انضمام الجزائر لمنظمة بريكس، مع العلم أن موقف البرازيل يميل إلى الموافقةبعد عودة دا سيلفا للسلطة، فيما لم تفصل الهند بعد في موقفها.ورغم تأكيد الرئيس تبون انضمام الجزائر إلى "بريكس" مع نهاية العام الجاري، إلا أنه أقرّ بأن ذلك يتطلب تحقيق جملة من الشروط.وهذا ما يتطلب حسبه مواصلة الجهود في مجال الاستثمار والتنمية الاقتصادية والبشرية من جهة، والانتقال إلى مستويات أعلى في التصديروأيضا رفع الناتج الداخلي الخام ما فوق 200 مليار دولار، كما يجب الحصول على موافقة جميع دول البريكس على انضمام الجزائر.

وتمثل "بريكس" التي تقودها قوتين عظمتين في العالم وهما روسيا والصين، 41 بالمئة من سكان العالم، و40 بالمئة من مساحته و24 بالمئة من الاقتصاد العالمي و16 بالمئة من التجارة العالمية، فالصين والهند أكبر بلدين من حيث عدد السكان وثاني وثالث أكبر اقتصادين في العالم على التوالي، وروسيا تملك أكبر مساحة في العالم والمصدر الأول للطاقة عالميا، بينما البرازيل أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، وجنوب إفريقيا أكثر دول القارة السمراء تقدما رغم أن اقتصادها الثالث إفريقيا.وتسعى دول بريكس لزيادة نصيبها من التجارة العالمية ومن إجمالي الناتج الداخلي الخام، وذلك من خلال ضم دول لها ثقلها الاقتصادي والتجاري والبشري وأيضا من حيث المساحة.

الجزائر تمتلك مقومات بشرية واقتصادية تمثل إضافة لمجموعة "بريكس"

الجزائر تمتلك مقومات تمثل إضافة لبريكس، فهي أكبر بلد إفريقي وعربي من حيث المساحة وأكبر مُصدر للغاز الطبيعي في إفريقيا، ورابع أكبر اقتصاد في القارة السمراء، وديونها الخارجية شبه منعدمة، ما يمنحها استقلالية أكبر في صناعة القرار. ومن المتوقع أن تصل صادرات الجزائر إلى 56.5 مليار دولار مع نهاية 2022، منها 49.5 مليار دولار صادرات النفط والغاز، ونحو 7 مليارات دولار صادرات خارج قطاع المحروقات، بحسب السياسة العامة للحكومة.ورغم أن هذه الأرقام تمثل قفزة في الصادرات مقارنة بعام 2021، زيادة بنحو 17 مليار دولار، مدفوعة بارتفاع أسعار النفط والغاز وزياد الكمية المصدر من الغاز ومن السلع خارج المحروقات، إلا أنها تمثل أقل من نصف صادرات جنوب إفريقيا التي بلغت في 2021 أكثر من 121 مليار دولار.

رئيس الجمهورية أكد على أهمية زيادة حجم الصادرات كأحد الشروط الضرورية للانضمام إلى بريكس.وفي هذا الصدد، دعا تبون إلى مضاعفة إنتاج الغاز لبلوغ صادرات بـ 100 مليار متر مكعب سنويا في 2023، بينما وضعت الحكومة هدفا للوصول إلى 10 مليارات دولار صادرات خارج المحروقات في نفس العام، و15 مليار دولار في الأعوام المقبلة، حيث تنتج الجزائر نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي بمعدل سنوي، صدرت منه رقما قياسيا في 2022، بلغ 56 مليار متر مكعب، بينما استهلكت نحو 50 مليار متر مكعب، وتعيد ضخ نحو 30 مليار متر مكعب في الآبار للحفاظ على نشاطها.

وللوصول إلى هذا الهدف كثفت الجزائر من استثماراتها في قطاع المحروقات وخصصت لها نحو 40 مليار دولار، وحققت اكتشافات هامة في 2022، من النفط والغاز، ودخلت في شراكات مع شركات متعددة الجنسيات على غرار إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية و"أوكسدونتال" الأمريكية، لاستغلال حقول الغاز وزيادة الانتاج.وتسارع الجزائر الخطى لمضاعفة إنتاجها من الطاقات المتجددة على غرار الطاقة الشمسية، والهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، بالشراكة مع عدة دول على غرار ألمانيا وإيطاليا، بهدف توفير كميات أكبر من الغاز للتصدير، وأيضا تصدير الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء إلى أوروبا مستقبلا، كما تسعى الجزائر لتصدير الكهرباء إلى أوروبا بالنظر إلى امتلاكها فائضا كبيرا منها قابلا للتصدير، إذ تنتج 25 ألف ميغاواط،

كما يعتمد مدى قدرة الجزائر للوصول إلى هذا الهدف من خلال وصولها إلى الأسواق الإفريقية، من خلالها تسريعها العمل على شق طريق نحو موريتانيا للوصول إلى أسواق غرب إفريقيا، وكذلك تسريع الخط العابر للصحراء نحو نيجيريا ووسط القارة السمراءوكذا التحرك لفتح معارض لمختلف السلع الجزائرية، وأيضا فروع لبنوك جزائرية في عدد من العواصم الإفريقية.ويضاف إلى ذلك تنشيط الاستثمارات في قطاع المناجم، خاصة استخراج الفوسفات في شرق البلاد والحديد بالجنوب الغربي والذهب والأتربة النادرة بأقصى الجنوب.

وبالمقابل يرى بعض الخبراء أنه إحدى العقبات أمام انضمام الجزائر إلى منظمة بريكس، هو ضعفالناتج الداخلي الخام الذي بلغ 163 مليار دولار في 2021، وفق بيانات البنك الدولي، بينما يبلغ الناتج الداخلي الخام لجنوب إفريقيا (أصغر اقتصاد في بريكس) 419 مليار دولار، أي مرتين ونصف ضعف الاقتصاد الجزائري.لذلك وضع الرئيس تبون، تجاوز 200 مليار دولار ناتج داخلي خام، هدفا لدخول بريكس، وهو هدف ليس مستحيلا ولا صعبا، ولكنه مرتبط بمدى ارتفاع أسعار النفط والغاز بالدرجة الأولى، إذ أن الناتج الداخلي الخام للجزائر ما بين 2011 و2014، تجاوز سقف 200 مليار دولار، وبلغ 213.8 مليار دولار في 2014، نتيجة لارتفاع أسعار النفط لتتجاوز سقف 100 دولار للبرميل، وزيادة إنتاج النفط الجزائري ليبلغ 1.5 مليون برميل يوميا.

وبما أن إنتاج الجزائر حاليا من النفط يقدر في حدود مليون برميل يوميا، بالنظر إلى حصتها المحدد من "أوبك "، والأسعار من المتوقع أن ترواح بين 70 و100 دولار للبرميل في 2023، وفق بعض التقديرات، فهي تراهن على إمكانياتها الكبيرة من الغاز الطبيعي لمضاعفة الإنتاج الذي يكثر عليه الطلب أوربيا، لرفع الناتج الداخلي الخام بزيادة تتجاوز 37 مليار دولار في عام واحد.الجزائر تملك القدرة على تطوير مداخيلها من الخدمات خاصة السياحة وتحويلات العمال من الخارج، وهذا من خلال تسهيل إجراءات الحصول على التأشيرة للأجانب، وفتح فروع بنكية في البلدان التي تتواجد بها جالية جزائرية كثيفة.

هل يتحول "بريكس" إلى "بريكسا"؟

بالرغم من توفر عديد الغمكانيات، إلا أنه من إحدى شروط انضمام الجزائر إلى البريكس مرتبط أيضا بضرورة موافقة الدول الخمسة، وإن كانت كل من روسيا والصين أعلنتا موافقتهما على انضمام الجزائر عبر سفيريهما بالجزائر، فإن الرئيس تبون أكد موافقة جنوب إفريقيا أيضا، فجنوب إفريقيا تعد حليف تقليدي للجزائر في الاتحاد الإفريقي، أما بالنسبة للبرازيل، فإن عودة الرئيس اليساري لولا دا سيلفا، إلى الحكم يخدم مساعي الجزائر للانضمام إلى بريكس، خاصة وأنه تربطه بها علاقات طيبة منذ زيارته لها في 2006، خلال ولايته الرئاسية الأولى.وفي هذا السياق، لفت الرئيس تبون، إلى هذا الأمر خلال لقائه مع الصحافة المحلية، قائلا: البرازيل أعتقد أنهم مع الانتخابات الجديدة (فاز بها سيلفا) موافقون، لكنه لم يشر إلى موقف الهند لا سلبا ولا إيجابا، ما يعني أن المفاوضات ما زالت متواصلة معها لإقناعها بالموافقة.

معايير كثيرة ستقرر في القريب العاجل مصير انضمام الجزائر إلى البريكس ليتحول في حال تحقق هذا المسعى من "بريكس" إلى بركسا"، ويكون بمثابة فرصة حقيقية للجزائر من أجل الانخراط في تكتل مالي واقتصادي عالمي وقد يتحول في يوم من الأيام إلى تكتل سياسي، مسعى سيساهم لا محال في دعم سياسةي الإصلاح الاقتصادي وغعطاء دفع قوي لوتيرة التنمية بما يسمح ببلوغ الأهداف الاقتصادية المنشودة، كما سيشكل انضمام الجزائر إلى البريكس إضافة لهذه القوى بالنظر إلى ما تمتلكه الجزائر من إمكانيات ستعطي دفعا قويا لهذا التكتل العالمي.

مجموعة بريكس ستبحث إنشاء عملة موحدة في مؤتمرها القادم

تم تحديد موعد القمة القادمة لمجموعة بريكس، نهاية أوت 2023، بجنوب إفريقيا، وسيتم خلالها مناقشة إنشاء عملة موحدة لدول التكتل، حسب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.وقد نقلت وكالة تاس الروسية عن لافروف تأكيده عقب محاثات مع مع الرئيس الأنغولي جواو لورينسو في لواندا، أنه ستتم مناقشة موضوع إنشاء عملة البريكس الخاصة في قمة المجموعة التي ستعقد في نهاية أوت 2023 بجنوب إفريقيا.

وحسبه، فقد تم التأكيد على الحاجة للتفكير في إنشاء عملة موحدة لمجموعة بريكس، كما هو الشأن بالنسبة لدول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.وأوضح أنه تمت دعوة مجموعة من الدول الأفريقية، إلى قمة جنوب إفريقيا القادمة.وبحسب لافروف، فإن الدول الجادة التي تحترم نفسها تدرك جيدًا الرهانات الحالية”. وشدد على أنهم يرون عدم التوافق مع أصحاب النظام النقدي والمالي الدولي الحالي ويريدون إنشاء آليات خاصة بهم لضمان التنمية المستدامة التي ستتم حمايتها من الإملاءات الخارجية”.

وكان سفير جنوب إفريقيا في روسيا، مزوفوكيلي ماكيتوكا، قد كشف أن نحو 13 دولة أبدت اهتمامًا بالانضمام إلى مجموعة "بريكس" وقدم نصفها تقريبًا طلبات رسمية للانضمام إلى المنظمة.وقال سفير جنوب إفريقيا لوكالة "سبوتنيك"، الروسية، "يوجد في الوقت الراهن 13 دولة تقدمت للانضمام إلى مجموعة بريكس وهناك دول تقدمت بطلبات رسمية مؤخرا و 6 أخرى أبدت اهتماما كذلك".وتابع مزوفوكيلي قائلا: أتوقع شخصيًا أن تكون الأولوية إلى جانب الذين تقدموا بالفعل، موضحا أن من بين المتنافسين دولتان إفريقيتان هما الجزائر ومصر، بالإضافة إلى إيران والبحرين والسعودية والإمارات عن آسيا.ووفقا للسفير، ترحب جميع الدول الأعضاء في "بريكس" بالتوسع، لكن من الضروري تحديد طرق قبول أعضاء جدد، لافتا أن قضية توسيع "بريكس" مطروحة على جدول الأعمال وترحب جميع دول "بريكس" بتوسيع الشراكة بين الدول.

ويشار إلى أن بريكس هو مختصر للحروف الأولى باللغة اللاتتينية BRICS المكونة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وقد عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة في يكاترينبورغ بروسيا في حزيران 2009، حيث تضمنت الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية.وعقدت أول لقاء على المستوى الأعلى لزعماء دول "بركس" في جويلية عام 2008، وذلك في جزيرة هوكايدو اليابانية حيث اجتمعت آنذاك قمة "الثماني الكبرى". وشارك في قمة "بركس" رئيس روسيا فلاديمير بوتين ورئيس جمهورية الصين الشعبية هو جين تاو ورئيس وزراء الهند مانموهان سينغ ورئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. واتفق رؤساء الدول على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية آنية، بما فيها التعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية. وانضمت دولة جنوب أفريقيا إلى المجموعة عام 2010، فأصبحت تسمى بريكس بدلاً من بريك سابقا. وتشكل مساحة هذه الدول ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 40 % من سكان الأرض. ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن تنافس اقتصادات هذه الدول، اقتصاد أغنى الدول في العالم حاليا - حسب مجموعة غولدمان ساكس البنكية العالمية، والتي كانت أول من استخدم هذا المصطلح في عام 2001. ومن المتوقع أن تشكل هذه الدول حلفًا أو ناديا سياسيا فيما بينها مستقبلا.

من نفس القسم الحدث