الفريق أول شنقريحة يعبر عن ارتياحه لمستوى التعاون العسكري "الجزائري – الإيطالي"
- نشر في 02 أكتوبر 2024
يبدو أن الأزمات والاضطرابات، أضحت قدرا في عُرف العلاقات الجزائرية الفرنسية، بسبب إصرار الطرف الفرنسي في كل مرة على حياكة المؤامرات وتبني سياسته الاستعلائية القائمة على التعامل مع الجزائر كمستعمرة قديمة، وكأنه لم يستوعب بعد الشروط والقواعد التي يضعها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في تعامله مع مختلف الدول، والتي يضع احترام السيادة الوطنية والمعاملة بندية على رأسها، وجاءت قضية "بوراوي" لتعري من جديد نوايا خبيثة لأطراف وقوى فرنسية لم تستسغ بعد عودة الدفء للعلاقات الجزائرية الفرنسية، فراحت تسعى لتهديم ما عمد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على بنائه وتداركه لسقطاته الأخيرة، التي قوبلت حينها برد فعل جزائري صارم، دفع به إلى التنقل شخصيا على الجزائر وتجنيد حكومته من اجل التودد والترقيع.
عادت العلاقات الجزائرية- الفرنسية، إلى نقطة البداية، فبعد الهدوء الحذر الذي شهدته خلال الأشهر الأخيرة بعد أن قاد الرئيس الفرنسي وطاقمه الحكومي سلسلة من الزيارات إلى الجزائر، محاولة منه لرأب الصدع الذي خلفته تصريحاته غير المسؤولة التي شكك من خلالها في وجود أمة جزائرية قبل دخول الاستعمار الفرنسي لأراضيها، والتي قوبلت برد فعل صارم من الطرف الجزائري، الذي لقن باريس درسا في المعاملات الدبلوماسية، أنساه من خلاله سياساته القديمة وأجبره على التخلي عن نظرته الاستعلائية للجزائر، من خلال فرض رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لمنطق التعامل بالمثل وفرض احترام السيادة الوطنية على الجميع، كما تخلى عن عديد الشركاء الاقتصاديين الفرنسيين لصالح عملاء جدد، ما أثار مخاوف فرنسا ودفع بها إلى الترقيع والتودد للحفاظ على ما تبقى لها من مصالح اقتصادية في الجزائر.
وجاءت قضية "بوراوي" والأساليب الملتوية والمشبوهة التي اعتمدتها المصالح الفرنسية لترحيلها بشكل سري، لتذر الملح على الجراح، فسارعت الجزائر إلى استدعاء سفيرها بباريس، فيما أكدت في برقية رسمية لوكالة الأنباء الجزائرية أن "المصالح الفرنسية (البربوز) لم تعد تخفي مناوراتها، بل أضحت تعلنها أمام الملأ وفي وضح النهار وها هي اليوم على وشك بلوغ هدفها المتمثل في إحداث القطيعة في العلاقات الجزائرية-الفرنسية"، وواصلت البرقية التي أكدت أن "الجميع يعلم أنه يوجد على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي، خطة تقضي بتقويض العلاقات الجزائرية-الفرنسية، يتم تنفيذها من قبل عملاء سريين و"خبارجية" وبعض المسؤولين على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي ووزارة الخارجية الفرنسية وكذا بعض المستشارين الفرنسيين من أصل جزائري لا يخفون ولعهم وتبجيلهم للمخزن، وانه لمن المؤسف رؤية كل ما تم بناؤه بين الرئيسين تبون وماكرون لفتح صفحة جديدة بين البلدين، ينهار وحدوث القطيعة لم يعد بعيدا على ما يبدو".
وفي قراءته للوضع، يرى الدكتور عبد المالك حطاب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة خميس مليانة، أن قضية الترحيل غير الشرعي لأميرة بوراوي إلى فرنسا، تعبر فصلا من فصول ما أسماه "العلاقات غير الطبيعية والمتأزمة بين الجزائر وفرنسا" نظرا لما يوصف باستمرار الترسبات التاريخية التي تطغى على العلاقات الثنائية، موضحا في تصريح لـ"الرائد"، أمس، أن "التاريخ الاستعماري لم يتم إنهاؤه أبدا وفرنسا لذلك تستمر في التعامل مع الجزائر بمنطق الأبوة، في حين أن الجزائر الجديدة تصر وتؤكد أن العلاقات الجزائرية الفرنسية يجب أن تستند على أسس واضحة جوهرها التعامل بين دولتين سيدتين مستقلتين وبمنطق المساواة".
وحرص الأستاذ حطاب على إثارة نقطة جدة هامة، حين قال إنه وقبل الخوض في التفاصيل المحاطة بالقضية، يستوجب علينا أن نطرح تساؤلا مهما جدا، وهو "من هي الجهات أو الدول المستفيدة من تأزم العلاقات الجزائرية الفرنسية؟، أو بمعنى آخر "من هي الجهات التي لا يخدمها عودة الدفء إلى العلاقات الجزائرية الفرنسية، وما اتفق عليه مبدئيا الرئيسان تبون وماكرون خلال لقاءاتهما المتكررة؟"، لافتا إلى أن الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون، كانا قد قاما بخطوات مهمة جدا في الفترة الأخيرة لا سيما من جانب الرئيس الفرنسي، الذي قال إنه الذي عبر من خلالها عن رغبة شديدة في إعادة العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى المسار الذي يجب أن تكون عليه على أساس أن الدولتين جارتان تجمعهما روابط تاريخية، ثقافية واقتصادية، فاتجه إلى بناء شراكة استثنائية وفق إستراتيجية قوية جدا.
وفي تعليقه على غياب رد فعل رسمي من الجانب الفرنسي، وعدم تعليق الرئيس الفرنسي على القضية، لحد الساعة، رجح الدكتور أن يكون الرئيس الفرنسي قد "تريث" لترك مجال أكثر لاستيعاب القضية والتهدئة أو كما قال "فضل التريث قبل اتخاذ أي قرار من شأنه أن يؤدي إلى تأزم أكثر في هذه القضية"، مقدما طرحا آخر يتمثل في إمكانية وجود ما أسماه "اتصالات سرية بين الدولتين"، أو أن الرئيس الفرنسي "لم يكن على علم بهذه القضية" وهو السيناريو الذي يعتقد الأستاذ خطاب أنه الأقرب.
وحرص الدكتور خطاب على التأكيد على نقطة مهمة، تتعلق بوجود ما اسماه لوبي وتيار في فرنسا يدفع إلى تأزم العلاقات الجزائرية الفرنسية، ويحارب كل علاقات طبيعية بين الطرفين، وهم من يسمون بالمناهضين لعلاقات الصداقة الجزائرية الفرنسية.
وحول الزيارة المنتظرة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لباريس، شهر ماي المقبل، وتداعيات القضية على نجاحها، قال الدكتور خطاب إنه ومن خلال تتبعه لمواقف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، المعروفة والتي جوهرها التعامل بندية مع فرنسا، فإنه من الواضح أن يقوم "على الأقل بتأجيل زيارته إلى باريس إلى حين وضوح الرؤية حول هذه المسألة وانتظار رد فعل فرنسي على مستوى الفعل"، مشددا على ضرورة أن يحظى رد الفعل الفرنسي بقبول الرئيس تبون.