الحدث

أحزاب رهينة الزعامة وغياب التداول على المناصب القيادية

حرمها من ضخ دماء جديدة تضمن سيرورة العمل السياسي في البلاد

لم تتمكن عدة أحزاب سياسية من تدارك التأخر المسجل في مسارها النضالي وتجاوز ترسبات الماضي التي صنعت في عديد الأحيان زعامات لدى المناضلين أنفسهم حالت دون تكريس التداول على المناصب القيادية كأهم مبدأ ديمقراطي لضمان سيرورتها ومن ثم التزامها بالعمل السياسي في البلاد بما يسمح بخلق طبقة سياسية قوية قادرة على أن تكون شريكا حقيقيا للسلطة القائمة، صراعات داخلية، تصحيحيات وغيرها من العلل التي أوهنت هذه التشكيلات السياسية وجعلتها جسدا بلا روح لتوكل مهمة العمل السياسي إلى المجتمع المدني. 

كان من الصعب على كثير من الأحزاب السياسية التي صنفت نفسها في خانة المعارضة وروجت لخطاب ديمقراطي انتقدت من خلاله السلطة القائمة في وقت كانت تطالب فيه دائما بالتداول والتشاركية، أن تكون قاطرة للتغيير وتعمل على تغيير قياداتها وفق أطر انتخابية وديمقراطية، النتيجة انعكست مباشرة على أداء هذه التشكيلات السياسية وجعلتها غير قادرة على ضخ دماء جديدة تضمن سيرورة العمل السياسي وتقف على أرضية صلبة تنطلق من خلالها نحو مشروع سياسي وطني ناجح.

مع نهاية السنة الفارطة عقد حزب جبهة القوى الاشتراكية مؤتمره السادس وبالرغم من التغييرات الحاصلة، إلا أن الأفافاس ومنذ تنحي زعيمه الروحي الراحل حسين آيت أحمد سنة 2012 عن قيادة الحزب لم يتمكن من تعويضه ووقع في فخ القيادة المشتركة، ليس إلا لأنه لا يتصور قائدا غير الراحل الدا الحسين.

وبالنسبة لحزب التجمع الوطني من أجل الثقافة و الديمقراطية، بقي لسنوات قائما على شخص سعيد سعدي، وحتى بعد تنحيه سادت حالة لا استقرار لم تنتهي إلى يومنا هذا.

حزب العمال بدوره لا يرى قيادته مجسدة إلا في شخص أمينته العامة لويزة حنون وهذا رغم كل الخطابات الشعبوية الصادرة عن هذا الحزب فيما يتعلق بالديمقراطية والتشاركية.

أما بالنسبة للأحزاب الإسلامية، فلا تزال أرواح زعمائها تخيم عليها، الشيخ محفوظ نحناح يبقى حاضرا بقوة في عقيدة حركة مجتمع السلم والأحزاب التي تفرعت عنها، هذه الشخصية الفذة بقيت على رأس الحزب حتى وفاتها، وها هي الحركة تستعد لعقد مؤتمرها المقبل برؤوس تقليدية في مقدمتها عبد المجيد مناصرة، نفس الشيء بالنسبة لجاب الله وغيره من الوجوه التي بقيت بارزة في الساحة السياسية.

وحتى بالنسبة للأحزاب التي تصنف ضمن خانة الموالاة، كان من الصعب تكريس التداول في حزب التجمع الوطني الديمقراطي كحزب هيمنت عليه شخصية واحدة طيلة سنوات.

أما بالنسبة لحزب جبهة التحرير الوطني، فقد عرف تغييرات عديدة لقياداته السياسية ولكن العملية في حد ذاتها كانت بمثابة تعاقب على السلطة والقيادة أكثر منه تداولا، لأن التغيير عادة ما كان يأتي بالتصحيحية وفي بعض الأحيان انقلابات على غرار "المؤامرة العلمية" التي تعرض لها الأمين العام الراحل للأفلان عبد الحميد مهري، والأمثلة كثيرة.

إن واقع هذه الأحزاب السياسية نتج عنه شبه غياب عن الساحة، فهي غير قادرة على لعب دورها المخول لها دستوريا، ناهيك عن ضعف الطبقة السياسية وغياب النخب، فحرب الزعامات أو العجز على التخلص من شبح الزعامة في حد ذاتها، كرس واقعا غير ديمقراطيا داخل الأحزاب السياسية نفسها التي تطالب بمزيد من الديمقراطية، مفارقة حقيقية لا تجد لها عنوان سوى أن فاقد الشيء لا يعطيه.

من نفس القسم الحدث