الحدث

"قرار الجزائر من موقف حكومة سانشيز يؤكد استعادتها لدورها الدولي"

عبد القادر طالب عمر سفير الجمهورية الصحراوية بالجزائر في حوار لجريدة " الرائد"

عاد سفير الجمهورية الصحراوية بالجزائر، طالب عمر، في حوار خص به جريدة " الرائد"، إلى جذور النزاع الصحراوي في المنطقة، حيث خاض في تفاصيل هذا الملف الشائك الذي لا يزال يراوح مكانه لأكثر من نصف قرن في وقت لا يزال فيه نظام المخزن يدوس على كل القوانين الدولية ويخرق الشرعية الدولية على مرأى العالم.

*هل من توضيح حول تاريخ النزاع في الصحراء الغربية؟

 النزاع في الصحراء الغربية يعود في أثله إلى المطالب التوسعية المغربية، حيث كان هناك اتفاق اسباني مغربي بما عرف باتفاقية مدريد المشؤومة، حينها تقرر تقسيم الصحراء الغربية بين موريتانيا والمغرب وبعد تراجع موريتانيا استحوذ المغرب عى كامل التراب الصحراوي بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وحتى بعض دول الخليج وهذا سنة 1975.

المملكة الإسبانية وبعد موت فرنكو تخوفت على مصيرها، من جهته كان ملك المغرب يواجه عديد الانقلابات، اما المنظر الامريكي هنري كسينغر، فقد قام بوضع خطة تتضمن مساعدة امريكا لاسبانيا للانتقال من الدكتاتورية إلى الملكية  وفي نفس الوقت العمل على اعطاء نفس جديد لنظام الحكم في المغرب، إسبانيا عملت على تقوية الجناح الغربي الأطلسي بالتوافق مع المغرب وهذا على حساب قوى التحرر في العالم، وبالتالي ما حدث مع الصحراء الغربية كان بمثابة مقايضة تقرر فيها تسليم الأراضي الصحراوية للمغرب في إطار صفقة جمعت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا التي طلبت منها أمريكا أن تتخلى عن الصحراء لصالح المغرب وهذا مقابل توفير الحماية للملك خوان كارلوس. وعليه يمكن أن نقول بأن ملف الصحراء الغربية والنزاع القائم هو نتيجة مقايضة بين إسبانيا والمغرب برعاية أمريكية وفرنسية.

والغريب في الأمر ان التاريخ يعيد نفسه، حيث أنه في سنة 2000 تكرر تقريبا نفس السيناريو عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مقايضة الصحراء الغربية لصالح المغرب مقابل اعتراف هذا الأخير بالكيان لاصهيوني واللجوء لاحقا للتطبيع معه، وعليه فإن هذه القوى تاجرت بالقضية الصحراوية لإعطاء مرة أخرى نفس جديد لنظام المخزن، وهنا نجد أنه بعد مرور أكثر من 45 سنة على هذا النزاع فإن القضية لم تحسم بعد والمقايضة تمت مرة أخرى بالتطبيع مع اسرائيل على حساب الشعبين الفلسطيني والصحراوي. النزاع أصله إذن توسع مغربي مدعوم بقوى استعمارية أجنبية وصهيونية.

هناك تشابه كبير بين المغرب والكيان الصهيوني، حيث أنهما لا يملكان حدود معترف بها، هما كيانان مغتصبان وقوتا احتلال تقومان بنفس الممارسات من خلال بناء الجدران، الاستيطان، القمع والتنكيل بالسكان، إضافة إلى السعي لمحو الهويات الأصلية للساكنة ومناورة القانون الدولي والتلاعب به وإطالة المفاوضات دون إحراز أي نتيجة معين، إلى جانب التمرد على الشرعية الدولية والبحث عن حماية من طرف فاعلين دوليين لعرقلة تطبيق القرارات الدولية واستعمال التقنيات الحديثة للتجسسس على الناشطين والحقوقيين والسياسيين، من خلال تبادل الخدمات الخدمات فيما بينهما وهذا ضد الشعب الصحراوي.

من المعروف أن المغرب كان يسجل اجتماعات القمم العربية والنقاشات التي تدار فيها ليقوم بإرسالها إلى الكيان الصهيوني، ناهيك عن القيام بعدة وساطات للتطبيع على غرار اتفاقية كامب ديفيد ومقابل ذلك قام الكيان الصهيوني بتصفية المعارضة المغربية وهو يساهم اليوم في بناء الحزام الدفاعي المغربي في الصحراء الغربية وبالتالي تحول المغرب إلى مركز جوسسة عالمية بدعم من الكيان الصهيوين وعدد من اللوبيات التابعة له.

 *كانت القضية الصحراوية محل تجاذبات خلال الحرب الباردة، كيف تفسرون ذلك؟

 حاول المغرب ان يحشر القضية الصحرواية ضمن خدنق إيدولوجي على غرار تصنيفها مع حلف واروس، فيما وضع نفسه في جانب الحلف الأطلسي، بينما نجد أن القضية الصحراوية في في الأصل قضية تحرر وطني ولكن وقوف الكثير من البلدان التحررية والتقدمية التي كانت محسوبة على الاتحاد السوفياتي سهل على المغرب تصنيف لاقضية ومحاولة التضييق  عليها في زاوية ايديولوجية معينة وهذا بهدف ابعاد الانظار على الجانب التحرري.

الصحراويون لم يكونوا يوما ايدلوجيين ولا شيوعيين وحتى ليبيراليين وانما قضيتهم هي في الأصل حركة وطنية تحررية براغماتية بعيدة عن تجاذبات الحرب الباردة، نفس السيناريو يتكرر اليوم، حيث يسعى المغرب للزج بالقضية في خندق شيوعي ويقول انها مدعومة من طرف حزب الله بلبنان وكذا من طرف إيران، كما لا نستبعد أن يتم إدراجها في إطار الصراع القائم حاليا بين روسيا والغرب، هي محاولات بائسة للتضييق على القضية والزج بها في ركن معين. وحتى المغرب لديه أحزاب يسارية ويمنية بل ومن كل الأطياف، يعمل على المتاجرة بها وفق مصالحه فتارة يلعب دور الليبرالي وتارة أخرى الإسلامي وغيرها من المواقف المتناقضة التي لا تهدف إلا لمحاصرة القضية الصحراوية، هو يبيع ويشتري ويتاجر بالقضية في كل الأسواق.

 *كيف كانت المعضلة الصحراوية في تصور دول الجوار؟

 من جهته السفير الصحراوي يرى بأن القضية بالنسبة للجزائر هي قضية تصفية استعمار والدفاع عن المصير وهي تفعل ذلك مع الصحراويين مثل ما فعلت مع كل حركات التحرر عبر العالم، الجزائر تأثرت بمحاولات التوسع المغربي في حرب الرمال سنة 1963 حين اعتدى عليها المغرب صراحة، هذا الاخير اعتدى أيضا على موريتانيا بعد استقلالها ولم يعترف بها كدولة إلا سنة 1969 أي بعد مرورو 9 سنوات على تاريخ الاستقلال، حيث لم يسلم أي جار منه بسبب سياسة التوسع التي يمارسها نظام المخزن والتي لا تعترف بالحدودوهذا ما يجعل احتمال الحرب والصدام في المنطقة قائما، الجزائر دافعت باستمرار عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، كما دافعت عن ميثاق تأسيس الاتحاد الإفريقي والذي ينص على هذه المبادئ التي تعتبر بمثابة عامل استقرار وسلم في القارة السمراء وهي المبادئ التي طالما سعى المغرب بكل قواه لخرقها.

أما بالنسبة لموريتانيا فقد دخلت الحرب وشاركت فيها جنبا إلى جنب مع المغرب ولكن في الأخير رأت أنها دخلت مغامرة خاسرة وسرعانما اسنحبت من الصراع واعترفت بالجمهورية الصحراوية ومن ثم أعلنت الحيادوهي لا تزال على هذا الموقف إلى يومنا هذا، ناهيك عن كون المغرب إلى غاية اليوم وعلى لسان حزب الاستقلال لا يزال يطالب بضم موريتانيا إلى المملكة المغربية.

ليبيا في زمن معمر القذافي اتخذت موقف مساند للقضية الصحراوية وهذا في مرحلة معينة ثم تراجعت وقامت بإنشاء الوحدة الليبية المغربية وهذا حتى تاريخ سقوط نظام القذافي، أما ليبيا اليوم فهي تخوض في صراعات داخلية لبناء الدولة.

وفيما يتعلق بإسبانيا، التي تصنف ضمن القوى الاستعمارية المديرة للصراع حسب القانون الدولي وحتى وفق القانون الإسباني نفسه فإلى غاية شهر مارس 2022 كان هناك موقف جماعي يمثل موقف الدولة الإسبانية وتتفق عليه كل الأحزاب وهو الموقف الذي يقضي بالدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره في إطار الشرعية الأممية، ليأتي بعدها الموقف الفردي والمنحرف للوزير الأول الإسباني بيدرو سانشيز وهو الموقف الذي رفضه البرلمان الإسباني بغرفتيه ثلاثة مرات، إن موقف سانشيز هو ناتج عن لوبيات إسبانية تحمل مصالح شخصية تدافع عنها، إضافة إلى الضغوط المغربية عن طريق الهجرة غير الشرعية والمطالبة بسبتة ومليلية، كما هناك احتمال اللوبي اليهودي الذي يكون قد ضغط على الوزير الأول لإصدار هكذا موقف، كلها احتمالات واردة بما فيها الضغط الفرنسي والأمريكي وأدوات الجوسسة.

وفيما يخص الرأي العام الإسباني عموما فهو غير مقتنع بهذا التحول في الموقف لانه لم يظهر أي مقابل ملموس على غرار تسليم سبتة ومليلية، ما حدث هو انحياز طرف إلى طرف آخر وضيع على أوربا فرصة ثمينة لأن اسبانيا كانت مؤهلة لتلعب دورا أساسيا كممون لأوربا بالغاز انطلاقا من الجزائر التي قررت تعليق اتفاقية الصداقة مع اسبانيا جراء موقف وزيرها الأول، ناهيك عن كون سانشيز وبعد ما قام به يكون قد دمر مستقبله السياسي وكذا مستقبل حزبه.

 *توقف المفاوضات بين الصحراء الغربية والمغرب، في رأيكم من يقف وراء هذا الجمود؟

 المفاوضات توقفت بسبب عرقلة المغرب ولكن صمت وتواطؤ وتقاعس مجلس الأمن وكذا بعض الأعضاء في الأمانة العامة للأمم المتحدة التي جمدت نشاط بعثة المينورسو حتى لا تتمكن من أداء واجبها على أكمل وجه ووراء عدم تقدم وإفشال كل المبعوثين الأممين، اليوم هناك مبعوث شخصي جديد بحاول تقديم اقتراحات وغحراز تقدم في القضية ولكن الحظوظ تبقى ضئيلة إذا لم تتغير سياسيات مجلس الأمن.

وبالتالي فإن التوتر والتصعيد سيبقى وأمام هذا العجز نطالب بتجاوز هذه المرحلة وتطبيق الحق المعترف به للصحراويين في الوقت الذي يخاف فيه المغرب من الشرعية الاممية والقرارات الدولية.

 *نحن الآن في مرحلة الحرب، كيف تدار رحاها وسط تعنت مغربي مدعوم بآلة الكيان الصهيوني؟

 النظام المغربي كان يظن أن الصحراويين انتهوا خاصة بعد أن استعان بالكيان الصهيوني وبالرغم مما تلقى من أسلحة متطورة ودعم من طرف هذا الكيان وكذا مساندة بعض الدول الغربية له، إلا ان هذا لم يمنع الصحروايين من القيام بحرب استنزاف تجعل الجيش المغربي في حالة طوارئ قصوى وباستمرار، يحدث ذلك بعد هدنة طويلة تواصلت لمدة ثلاثة عقود، هناك قصف يومي يكلف العدو خسائر مادية وبشرية وكذا يحرز انهزامات نفسية لدى جنوده، وأمام ما يحدث لم يجد المغرب ما يرد به إلا بوسيلة واحدة وهي الرفع من وتيرة القمع ضد الصحراويين واستعمال الطائرات المسيرة لقتل المدنيين من صحراويين وغير صحراويين واستهداف القوافل التجارية التي تمر بين الجزائر ومورتانيا وكل ما يتحرك في المنطقة.

 *يريد المغرب إقحام الجزائر في النزاع الصحرواي، لماذا؟

 يريد المغرب إقحام الجزائر ليحول النزاع الصحراوي من قضية تحرر إلى نزاع جهوي خارج إطار القانون الدولي، يريد أن يصنع منه نزاعا بين بلدين حتى لا تكون هناك أي مرجعية لحله وهذا بهدف تضليل الرأي العام وتزوير الحقيقة، فالنزاع في أصله هو بين قوة احتلال وشعب مقاوم ويدخل في إطار تصفية الاستعمار، الحصراء الغربية مسجلة كمستعمرة تحت رقم 15-14 حتى يكون هناك استفتاء تحت إشراف دولي وعلى هذا الأساس تم تنصيب بعثة الميورسو والتي تعتبر صيغة حاسمة لصالح الصحراويين بينما يريد المغرب الهروب من الإطار الأممي والشرعية الدولية بإقحام الجزائر في هذا النزاع.

 الجزائر، المغرب واسبانيا، معضلة حقيقية برهانات قوية، ما تفسيركم؟

 إن موقف الجزائر القاضي بتعليق اتفاقية الصداقة مع مدريد بسبب موقف الوزير الأول الإسباني، هو دليل على أن الجزائر استعادت دورها الدولي وهي تضع وزنها السياسي والدبلوماسي وتأثيرها في العلاقات الدولية أمام التوسع المغربي وانتهاكاته للقانون الدولي خاصة مع صمت الأمم المتحدة، وعليه فإن الجزائر بموقفها هذا هي ترافع من أجل الشرعية الدولية وكذا القارة السمراء وتحد من مطامع التوسع المغربي وسياسيته الرامية إلى فرض الأمر الواقع، وبالتالي فإن الجزائر تريد ان تبعث برسالة إلى كل العالم مفادها أن ما يحدث من طرف المغرب هو سابقة خطيرة ليس فقط ضد الشعب الصحراوي وانما ضد كل شعوب المنطقة وكذا دول الجوار، كما أن الجزائر ترى في هذا مساسا بأمنها القومي وكذا اعتداء على القانوني الدولي والأخلاقي.

 ما هي آفاق ومستقبل القضية الصحراوية في ظل التحولات الدولية الحاصلة؟

 النظام المغربي ولحد الساعة يحاول بناء تحالفات لصالح، إضافة إلى خدمة الاجندات المعروفة تقليديا وقد لجأ إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني ودخل في صفقات مشبوهة مع إسبانيا ويحاول في علاقاتته مع باقي الدول الحصول على اعتراف باحتلاله للصحراء الغربية، السؤال الذي يطرح نفسه، هل نجح المغرب في ذلك، بالطبع لا، لأن الاتحاد الإفريقي لا يزال على موقفه وكذلك هو الشأن بالنسبة للاتحاد الأوربي والمحاكم الاوربية، دول من أمريكا اللاتينية تحركت لا سيما بعد فوز اليسار في كولومبيا وقريبا في البرازيل، الجميع ضد موقف المغرب وغطرسته القائمة على خرق القانون الدولية وانتهاك الشرعية الأممية.

والأهم من كل هذا هو تمسك الشعب الصحراوي بنضاله  رغم مرور أكثر من نصف قرن على هذا الكفاح، الصحارويون لم يتوقفوا والنضال مستمر ولن يتوقف وعليه فإن مراهنة المغرب على الوقت لقتل كفاح الصحراويين يكون قد فشل، نتمنى أن التحولات الحاصلة في العالم ستولد عالم متعدد الأٌطاب يفرض تطبيق القانون الدولي بكل عدالة.

من نفس القسم الحدث