الحدث

يشتكون غلاء الأسعار ويحرقون الملايير في "ساعات"؟!

مفارقة عجيبة صنعها الجزائريون ليلية المولد النبوي الشريف

عاش الجزائريون، ليلية أمس الأول، مفارقة عجيبة، ففي وقت تعيش أغلب الأسر أزمة مالية حادة ميزها الانهيار غير المسبوق في القدرة الشرائية، وفي وقت عرفت الأسواق لهيبا في الأسعار مس كل المنتجات، فلم يتوان الجزائريون في إحراق الملايير في ساعات فقط، في ظاهرة محيرة لم نجد لها تفسيرا إلا عند المختصين في علم النفس والاجتماع، الذين يؤكدون أن فعل الشراء عند الجزائريين بات فعلا للتنفيس من الضغوطات وله دوافع نفسية أكثر منها اجتماعية أو اقتصادية.

  • أحياء شعبية تسكنها أسر فقيرة تحترق ليلة المولد النبوي الشريف!

وفي وقت كان من المفروض أن يقاطع الجزائريون استعمال المفرقعات ليلة المولد النبوي الشريف لاعتبارات عدة، منها أنها تعتبر مفسدة حقيقية وإحراقا للأموال ولا تعود بأي فائدة على مستعملها، بالإضافة أن أسعارها ارتفعت بشكل مبالغ فيه، وزيادة على هذا فإن القدرة الشرائية للجزائريين باتت حسب مؤشرات عديدة، لا تحتمل أي ميزانيات إضافية تذهب لاقتناء منتجات تدخل في خانة "المفسدات" وليس فقط الكماليات فحسب، إلا أن الجزائريين وككل سنة صنعوا مفارقة عجيبة، حيث شهدنا استعمالا مكثفا للألعاب النارية خلال هذه الليلة.

ورغم أن البعض يعتبر أن الظاهرة تراجعت إلا أن الواقع أثبت العكس، والفرق الوحيد بين هذه السنة وسنوات "البحبوحة" هو أن الاحتفالات كانت في وقت سابق تدوم إلى غاية الفجر، غير أنه ليلة أمس الأول استمرت إلى حدود منتصف الليل فقط.

ومن بين المفارقات العجيبة التي رصدناها أيضا خلال هذه الليلة، أن أكثر الأحياء التي احترقت بالمفرقعات هي الأحياء الشعبية التي تضم أسرا محدودة الدخل وأسرا فقيرة وأسرا تحت خط الفقر، وليس الأحياء الراقية التي تسكنها أسر متوسطة وعالية الدخل، وهو ما يعني أن من أحرق الملايير ليلة أمس الأول هم أنفسهم من يشتكون من غلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية.

  • مبتول: لا تفسير "اقتصادي" لسلوك الجزائريين الاستهلاكي

وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول إنه لا يجد أي تفسير لسلوك الجزائريين خلال المولد النبوي الشرفي، سوى بالقول إن الأسر الجزائرية تفتقد لثقافة الاستهلاك وثقافة التخطيط لميزانيتها، مشيرا أنه يوجد أزيد من 4 ملايين أسرة جزائرية قد تكون استهلكت ما قيمته 20 ألف دينار في شراء المفرقعات، فيما تستهلك أسر معوزة، كأقل ثمن، ما قيمته 500 دينار جزائري.

وبمتوسط يقدر بـ 4000 دينار لمجموع 4 ملايين أسرة نجد أن العائلات الجزائرية قد تكون أنفقت حوالي 16 مليار دينار، وهو مبلغ مالي ضخم يعتبر ميزانية لمشاريع ذات فائدة. واعتبر مبتول أن تدهور القدرة الشرائية أمر واقع غير أن هذه الممارسات تفتح المجال للعديد من التساؤلات حول من هم المتضررون من هذا التدهور في القدرة الشرائية، وكيف يتعامل الجزائريون مع ذلك، معتبرا أنه من الضروري إجراء دراسات على السلوك الاستهلاكي للجزائريين خاصة خلال المناسبات، من أجل تحديد أسباب فعلية للتدهور في القدرة الشرائية، باعتبار أن ارتفاع الأسعار وانهيار قيمة العملة الوطنية يعتبران سببين من أسباب عديدة تتداخل في تحديد عوامل تدهور هذه القدرة الشرائية.

  • سعيدي: عوامل نفسية وراء الظاهرة والجزائريون باتوا يبذرون للتنفيس من الضغوطات

من جانبهم، فإن لدى خبراء علم النفس وعلم الاجتماع تفسيرا أكثر منطقي لسلوكيات الجزائريين في ظل الأزمة المالية وأزمة القدرة الشرائية التي يعيشونها، حيث قال المختص في علم الاجتماع، الهادي سعيدي، إن الدافع وراء سلوك الشراء عند الجزائريين بات نفسيا، وهو ما يفسر المفارقات التي تحدث. ففي ظل الغلاء والشكوى من انهيار القدرة الشرائية، يواصل الجزائريون الاستهلاك بوتيرة سريعة، وأحيانا فإن الجزائريين يبذرون ويفسدون في أموالهم رغم ما يعانونه من مشاكل مالية واقتصادية.

وأضاف سعدي أن الجزائريين مصابون بما يعرف بهوس الاستهلاك الذي يتضاعف خاصة خلال المناسبات الدينية، وهو ما نرصده عبر الأسواق والمحلات التجارية ومظاهر الاكتظاظ والازدحام عشية المناسبات، مشيرا أن ضغوطات الحياة أيضا تلعب دورا، منها الضغوطات المالية، معتبرا أن الجزائريين وبهدف التنفيس عن أنفسهم من ضغوطاتهم النفسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية، فإن هم يلجأون إلى سلوك الشراء والاستهلاك المفرط وغير المتزن، خاصة خلال المناسبات كالمولد النبوي الشريف، قائلا إن الشراء المستمر والمفرط ودون ضبط المنتجات، هو سلوك نفسي وقع فيه الكثير من الجزائريين خلال هذه المناسبة، خاصة أن منتجات كالمفرقعات ليس لها أي فائدة ولا أي عائد أو أثر سوى التنفيس.

من نفس القسم الحدث