الفريق أول شنقريحة يعبر عن ارتياحه لمستوى التعاون العسكري "الجزائري – الإيطالي"
- نشر في 02 أكتوبر 2024
يعيش الجزائريون، منذ أشهر، في مواجهة مباشرة مع أكبر أزمة سوق تعرفها الجزائر، حيث لم يتوقف مسلسل ارتفاع الأسعار طيلة أشهر، ومس هذا الارتفاع جل المواد الأساسية والكماليات وحتى المواد المدعمة، لتضاعف أزمات الندرة من حدة هذا الغلاء، وهو ما أنهك جيوب الزوالية الذين لم يعودوا قادرين على تلبية احتياجاتهم اليومية، بينما تبقى وزارة التجارة كل مرة تبرر الارتفاع المتزايد في الأسعار بوجود بارونات تضغط على الأسواق وتضارب في الأسعار. ليبقى السؤال مطروحا: هل باتت هذه "البارونات" أقوى من الدولة بمؤسساتها وأجهزتها الرقابية؟.
لأشهر متتالية يعيش الجزائريون أطول موجة غلاء على الإطلاق، حيث لم يتوقف مسلسل ارتفاع الأسعار وقد مس تقريبا كل المواد، سواء تعلق الأمر بخضر وفواكه موسمية وغير موسمية وأيضا اللحوم البيضاء والحمراء ومنتجات بحرية ومواد غذائية منها البقوليات والعجائن ومشتقات الحليب. والأدهى والأمر أنه حتى المواد المدعمة ارتفعت أسعارها بشكل لافت رغم أنها مسقفة بقوة القانون.
هذا الغلاء لم يعد يثير استياء الجزائريين وحسب، بل أصبح يدفع شريحة كبيرة من المواطنين لمقاطعة مجموعة واسعة من المنتجات، حيث لم يعد الجزائريون قادرين على استهلاك اللحوم بنوعيها الحمراء والبيضاء بعدما وصلت أسعار الدواجن إلى 500 دج، كما لم يعد الجزائريون قادرين على استهلاك الفواكه التي باتت مسموحة فقط للمرضى ودخلت في قائمة الأدوية العلاجية، في حين أن البقوليات هي الأخرى لم تصبح البديل للزوالية ودخلت قائمة الكماليات والرفاهيات، هذا دون الحديث عن الأسماك التي منعت عن موائد الجزائريين منذ سنوات، لتبقى العجائن هي الأخرى ومشتقات الحليب في قائمة المواد التي بات يستهلكها المواطنون مجبرين لا مخيرين، فهي الأخرى ارتفعت أسعارها بحدود 20 بالمائة.
هذا الواقع الذي يعيشه المواطنون يقابله تنصل من المسؤولية من طرف الوزارات المعنية، في مقدمتها وزارة التجارة ووزارة الفلاحة، حيث يستمر المسؤولون في هاتين الوزارتين في التأكيد أن أسباب الغلاء تتعلق بارتفاع أسعار المواد الأولية في السوق العالمية، وهذه القاعدة التي تطبق في الجزائر في حالة الغلاء فقط، حيث شهدت المواد الأولية على فترات ماضية انخفاضا ملحوظا لم يكن ملموسا في السوق الوطنية. فالمنحنى الوحيد الذي تعرفه الأسعار في الجزائر هو الارتفاع.
ومن جانب آخر، يردد المسؤولون في الوزارتين، هذه الفترة، أسطوانة المضاربة لتبرير الفشل في كبح ارتفاع الأسعار. ورغم أن هذا المبرر ثبت وجوده على أرض الواقع غير أن الاستمرار في التحجج به أمر غير مقبول. فهل يعقل أن يستطيع حفنة من أشبه التجار و"البارونات" المضاربين أن يتغلبوا على دولة بمؤسساتها وأجهزتها الرقابية إن لم يكن هناك تقصير حقيقي.
بالمقابل، فإن تساؤلات عديدة تطرح، من ضمنها أين ذهبت أجهزة الرقابة وكيف سمحت لهذه "البارونات" بالتغول إلى هذه درجة وفرض منطقها بهذه الصورة في الأسواق؟
وما يؤكد تقصير الوزارات المعنية بملف الأسعار، الارتفاع الكبير في أسعار عدد من المواد المدعمة، والتي من المفروض أن أسعارها ثابتة بمراسيم وزارية، ولا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن يمسها الارتفاع.
وتأتي مادة الزيت في مقدمة المواد المدعمة التي ارتفعت أسعارها، بل واختفت هذه الأيام من المحلات التجارية والمساحات الكبرى، حيث عادت بقوة أزمة ندرة الزيت المدعم. ففي جولة قادتنا إلى عدد من المراكز التجارية والمحلات الخاصة بالمواد الغذائية للبيع بالتجزئة، وقفنا على اختفاء كلي لمادة الزيت ومعاناة المستهلكين للتزود بهذه المادة واسعة الاستهلاك وكذا ارتفاع في الأسعار إن وجدت، حيث بيعت هذه الأيام قارورات من الزيت المدعم ذات سعة 5 لتر بحوالي 750 دج رغم أن السعر النهائي يجب ألا يتجاوز الـ 600 دج.
وحسب ما أكده عدد من تجار التجزئة، فإن أسباب عودة هذه الندرة تختلف بين عزوف تجار الجملة عن اقتناء المخزون بسبب رفضهم التعامل بـ"الفوترة" التي فُرضت من طرف وزارة التجارة العام الماضي، ورغبة بعض المنتجين في رفع الأسعار فوق الأسعار المقننة في المرسوم الصادر عن وزارة التجارة.
وليس مادة الزيت فقذ التي تعتبر مادة مدعمة وارتفعت أسعارها، فأسعار الخبز أيضا ارتفعت بحوالي 50 بالمائة في الأشهر الأخيرة دون أن تنخفض مرة أخرى. وحجة الخبازين في ذلك ارتفاع أسعار مادة الفرينة وندرتها. ورغم أن هذا الارتفاع بات علنيا وعلى مرأى ومسمع أجهزة الرقابة، إلا أننا لم نشهد أي حملة لتحرير مخالفات أو غرامات للخبازين الذين يبيعون الخبز المدعم بـ15 دينارا والخبز المحسن بأسعار تصل أحيانا 40 دينارا. بينما هناك فئة من الخبازين من باتوا يرفضون تحضير الخبز المدعم ويكتفون بتسويق الخبز المحسن بأسعار لا تخضع لأي مقياس.
وفي ظل الندرة والغلاء في أسعار المواد المدعمة، فإن ظواهر سلبية بالجملة باتت تعرفها الأسواق والمحلات التجارية، منها ظاهرة البيع المشروط التي عادت بقوة هذه الأيام، حيث يجبر تجار تجزئة زبائنهم على اقتناء منتجات لا يريدونها نظير حصولهم على الزيت أو الحليب المدعم، وهو ما أصبح يخلق صدامات بين الزبائن والتجار.
وفي مقابل شكاوى الزبائن، فإن التجار بدورهم يؤكدون أنهم أصبحوا مضطرين للجوء إلى "البيع المشروط"، في وقت يرون سلعهم تتكدس بسبب تغير السلوك الاستهلاكي للجزائريين جراء تراجع القدرة الشرائية للكثير من العائلات.
ويشير تجار التجزئة إلى أنهم يخضعون أيضا للبيع المشروط من قبل تجار الجملة الذين يفرضون سلعا معينة، كشراء كميات كبيرة من المواد الغذائية الثانوية كالشكولاتة والأجبان المستوردة، مقابل شراء بعض الحبوب الجافة والزيت والفرينة. هذه الظاهرة التي حذرت منها جمعيات حماية المستهلك وحررت بشأنها شكاوى بالجملة، لا تزال مسكوتا عنها من طرف وزارة التجارة وأجهزتها الرقابية التي لم تتمكن من وقف هذا الابتزاز الذي يتعرض له المستهلك، وهو ما يطرح العديد من علامات الاستفهام.
ليس فقط وزارة التجارة التي تعد متهمة بالتقصير في نظر الجزائريين بشأن مسلسل الغلاء الذي أنهك، الجيوب فوزارة الفلاحة ايضا نالها قسط من التذمر والسخط بسبب أسعار المنتجات الفلاحية واسعة الاستهلاك، على غرار البطاطا التي لم تنزل أسعارها في الستة أشهر الماضية عن 80 دينارا، في حين بلغت هذه الفترة سقف الـ120 دينار، وهي أسعار خيالية لا تعكس حجم الإنتاج المعتبر الذي يتحدث عنه الفلاحون كل موسم. وليس فقط البطاطا، فالدواجن ومنذ حوالي شهرين لم تنزل أسعارها أيضا عن الـ500 دج. وفي وقت وعدت الوزارة بعودة الأسعار إلى حدود الـ280 دينار مع بداية أكتوبر، إلا أن هذه الأخيرة ونحن في منتصف شهر أكتوبر لا تزال في حدود الـ480 دينار، وهو ما مثل ضريبة لم تتمكن أغلب الأسر من تحمل تكاليفها لتختار المقاطعة كحل، وبالتالي فإن أغلب الجزائريين لا يستهلكون هذه الفترة أي مصدر "بروتيني"، فلا لحوم تعد في متناول الأسر محدودة الدخل ولا دواجن ولا حتى أسماك.
وفي ظل واقع الأسواق هذا، يرى الكثير من الخبراء أن سوق المواد الغذائية واللحوم والخضر والفواكه هي أسواق لا تخضع لأية آلية مراقبة، وتشهد فوضى عارمة، ما يجعل عملية ضبطها أمرا مستحيلا.
وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس فدرالية حماية المستهلك، زكي حريز، أن ما يشهده السوق من ارتفاع فاحش في الأسعار بات لا يطاق، معتبرا الزيادات الأخيرة الأكثر فتكا بالقدرة الشرائية للجزائريين. واعتبر حريز أن الحديث عن أسباب هذا الارتفاع في الأسعار يقودنا للحديث عن دور الوزارات المعنية بالأسواق في مراقبة هذه الأخيرة، مشيرا أن أكثر ما يدعو للاستغراب هو اختلاف أسعار المواد الاستهلاكية وخاصة الخضر والفواكه من محل لآخر ومن منطقة لأخرى، مشيرا أن أكبر مشكل جعل التجار يستنزفون جيوب المواطنين كيفما أرادوا، هو غياب الرقابة وعرض الأسعار وأيضا غياب ضبط السوق، من خلال إنجاز منشآت ومحطات كبرى للتخزين، ما يخدم الفلاح، وهو حل يجب أن يحقق على أرض الواقع ولا يبقى مجرد كلام. واعتبر حريز أن الرقابة في السوق غائبة تماما، فمنتجات كالخضر والفواكه على سبيل المثال 70 بالمائة منها تباع في السوق الفوضوية، وهو ما يجعل الرقابة على الأسعار أمرا مستحيلا، محملا وزارتي التجارة والفلاحة مسؤولية ما يحدث من ارتفاع في الأسعار. فرغم وجود محاولات للمضاربة فعلا إلا أن الأجهزة الرقابية مدعوة للقضاء على هذه المضاربة عبر ترسانة قوانين وآليات موجودة فعلا على أرض الواقع ولا تحتاج إلا التطبيق.