الحدث

هكذا قضى الجزائريون عيد الأضحى في زمن الجائحة

مخلفات الأضاحي تحاصر الأحياء و"الهيدورات" لم تجد من يرفعها

 

عاش الجزائريون، أمس وأول أمس، عيد أضحى استثنائيا، حيث خيمت جائحة كورونا على طقوس وعادات المواطنين في الاحتفال بهذه المناسبة الدينية، بينما تباين التزام المواطنين بإجراءات الوقاية من الفيروس والتي دعت إليها وزارة الصحة. بالمقابل فقد برزت مع ذلك نفس المشاكل والمنغصات التي عادة ما يعيشها المواطنون خلال هذا اليوم، بدءا بحالة الفوضى التي عرفتها الأحياء والشوارع، بسبب مخلفات الذبح وأكوام النفايات التي لم تجد من يرفعها، وصولا لمشاكل تزويد الأحياء بالمياه وبرنامج المداومة غير المضبوط وغيرها من المشاكل الروتينية التي باتت علامة مسجلة خاصة بهذه المناسبة.

 

مواطنون يلتزمون بتدابير الوقاية وآخرون يتمسكون بعاداتهم في الاحتفال بالعيد

ولم يختلف عيد الأضحى هذه السنة كثيرا عن سابقيه من حيث المشاكل والمنغصات التي يعيشها المواطنون كل سنة خلال هذه المناسبة الدينية. فبينما الاختلاف هذه السنة هو أن جائحة كورونا قللت من مظاهر الاحتفال عند البعض وفرضت نمطا معينا لإحياء هذه المناسبة عند البعض الآخر. 

وخلال ما رصدناه عبر عدد من الأحياء والشوارع، فقد تجنب العديد من الجزائريين الذبح الجماعي في الأحياء والشوارع عدا بعض المواطنين الذين أبوا إلا أن يتمسكوا بطقوسهم ضاربين بالإجراءات الوقائية عرض الحائط، في حين أحيا كثيرون هذه المناسبة بالكمامات والقفازات والمواد المطهرة، كما نصح به الأطباء ووزارة الصحة، لدرجة أن هناك من الجزائريين من عقموا حتى الأضاحي قبل ذبحها، بينما بدت الشوارع والأحياء مباشرة بعد انتهاء عملية الذبح خالية على عروشها، شأنها شأن الطرقات التي خلت من السيارات، ما يعني أن أغلب الجزائريين التزموا بالبقاء في منازلهم وتجنب الزيارات العائلية.

الغلق الفوري والغرامات تدفع التجار للالتزام بنظام المداومة

وفيما يتعلق ببرنامج المداومة، فقد لوحظ التزام كبير من طرف التجار الذين يبدو أن المخالفات والغرامات وقرارات الغلق الفوري باتت تخيفهم. وفي العديد من البلديات فتح هؤلاء محلاتهم وزودوا السكان بما يحتاجونه من سلع، غير أن الأمر ينطبق فقط على محلات المواد الغذائية والمخابز التي فتحت أبوابها، في حين سجلت العديد من المخالفات في باقي الأنشطة التجارية المعنية بالبرنامج.

من جانب آخر، ورغم التزام عدد من التجار ببرنامج المداومة، إلا أن ذلك لم يمنع من تسجيل أزمة حليب وخبز في بعض البلديات، وذلك بسبب خلل في توزيع مادة الحليب الضرورية ونقص في عدد المخابز في هذه البلديات، ما فتح المجال لبعض التجار الموازين للمضاربة، حيث بيعت كميات من الخبز أول أيام العيد على مستوى الأرصفة وبعض محلات البقالة بأسعار تتجاوز الـ 30 دينارا جزائريا.

بالمقابل فإن محلات بيع الخضر والفواكه عرفت إغلاقا تاما بسبب عدم وجود السلع أصلا، فالباحث يومي العيد عن محل للخضر والفواكه مفتوح يحتاج لمعجزة حقيقية، خاصة بسبب اللهفة التي اجتاحت الجزائيين عشية العيد، ما جعل مخزون الخضر خاصة ينفد من المحلات والأسواق.

أزمة ذباحين تدخل العائلات في حالة طوارئ

وبعيدا عن المداومة وحال الأسواق والأسعار، دخلت أغلب العائلات الجزائرية، صبيحة عيد الأضحى، في سباق مع الزمن للحصول على ذباح لأضحيتها، حيث بات هذا الأخير عملة نادرة يومي العيد، في وقت تراجعت هذه المهنة وهو ما أكده العديد من المواطنين الذين فضلوا النحر في منازلهم بالاعتماد على متخصصين خوفا من فيروس كورونا. 

وكشف بعض المواطنين أن ندرة ''الذباحين'' والضغط المسجل على بعضهم أدى بهم إلى نحر أضحياتهم ما بعد منتصف النهار بعد توسلات، حيث نجد أن قائمة "الذباح" الواحد تحمل على الأقل 5 أشخاص، تجعله يتوقف عن أخذ مواعيد، حيث يتحول البعض وأمام حتمية أداء هذه الشعيرة، إلى ممارسين غير معتمدين من أجل نحر أضاحيهم، ويصل مبلغ عملية النحر الواحدة وبمساعدة صاحب الأضحية إلى 2500 دينار.

سيناريو انقطاع المياه يتكرر هذه السنة وهذه البلديات الأكثر تضررا

هذا وقد عرف الجزائريون أول أيام عيد الأضحى مشاكل عديدة وعلى رأسها انقطاع شبكة المياه، فتطمينات وزارة الموارد المائية بعدم قطع التزود بهذه المادة الحيوية ذهبت أدراج الرياح، وغرقت العديد من شوارع العاصمة وبلدياتها، على غرار باقي الولايات، صبيحة الثلاثاء، في سيول من الدماء وحالة من الفوضى العارمة، رغم أن العديد من المواطنين نحروا أضاحيهم في منازلهم، غير أن انقطاع المياه دفعهم لتغيير البرنامج والتوجه للأحياء والشوارع بحثا عن المساعدة وعن قطرة ماء لإتمام العملية. وقد تزامنت الانقطاعات في بعض المناطق مع شروع السكان في عملية النحر، وهو السيناريو الذي عرفته بلديات في العاصمة على غرار السحاولة وبير توتة وخرايسة وكذا برج الكيفان وبرج البحري والشراڤة والدويرة وبوزريعة وبلديات زرالدة ومعالمة وسطاوالي وبوشاوي، فيما عرفت أحياء أخرى كحسين داي ودرارية انقطاعات خلال الفترة المسائية، وهو ما أثار سخطا كبيرا لدى المواطنين لكون الانقطاعات تزامنت مع مناسبة دينية تتطلب استهلاكا كبيرا للمياه. واضطر غالبية المواطنين، مباشرة بعد الانتهاء من نحر الأضحية، لتأجيل عمليات التنظيف لحين قدوم المياه، حيث ظل منظر الدماء هو السائد في الشوارع طيلة اليوم الأول.

مخلفات الأضاحي تحاصر الأحياء و"الهيدورات" لم تجد من يرفعها

وما زاد من الفوضى في العديد من الأحياء، هو تأخر مصالح البلديات وأعوان النظافة في رفع مخلفات عيد الأضحى، حيث عرفت أغلب ولايات الوطن يومي العيد انتشارا واسعا لأكوام النفايات المتراكمة في الشوارع والأحياء وحتى الأرصفة التي تحولت إلى مصبّات حقيقية للنفايات ومخلفات الأضاحي التي تنتشر منها الروائح الكريهة، بعد تكدس أكياس القمامة في مشهد ألفه المتجوّل يومي عيد الأضحى. وخلال جولة قادتنا لبعض بلديات العاصمة وقفنا على الانتشار الرهيب لتلال من النفايات والأكياس البلاستيكية المتناثرة هنا وهناك يومي العيد، ناهيك عن مجاري الدماء التي بقيت لصيقة على الأرصفة، لتتكرر نفس المشاهد في أغلب الولايات، وهو الأمر الذي أدى إلى انبعاث روائح كريهة نغّصت على المواطنين فرحة العيد ومنعتهم من التجوّل، خاصة بعدما تقرر عدم جمع جلود الأضاحي هذه السنة بسبب مخاوف من انتشار فيروس كورون، وهو ما أدى لانتشار أطنان من جلود الأضاحي هذه والتي لم تجد هذه السنة من يجمعها.

حملات تنظيف للأحياء والشوارع يومي العيد

وبسبب هذه الوضعية، فقد أقدم يومي العيد العديد من الشباب والسكان القاطنين بالعمارات على تنظيف الشوارع والساحات العمومية بأنفسهم، نتيجة تأخر مرور أعوان النظافة لليوم الثاني من عيد الأضحى في العديد من الولايات، في صورة تضامنية بمناسبة عيد الأضحى المبارك، حيث هبّ أغلبية السكان ممن نحروا أضاحيهم في الشوارع إلى القيام بحملات تطوعية لتنظيف الأحياء من مخلّفات عمليات النحر، لاسيما تلك التي تمت فيها عمليات ذبح الأضاحي جماعيا بين الجيران بالشوارع والساحات العمومية، حيث قاموا بعمليات إزالة الأوساخ ودماء الأضاحي من الشوارع، ورفع فضلات الأضاحي، حفاظا على صورة الأحياء والصحة العمومية كما قاموا بتعقيم الأماكن التي تكثر فيها التجمعات.

مواطنون يذبحون أيديهم ويسلخون أرجلهم يرفضون الذهاب إلى المستشفيات

وفي السياق ذاته، فقد سجلت يوم العيد العديد من حوادث جرح المواطنين لأنفسهم بالأدوات الحادة بسبب سوء استعمال أدوات النحر، كما سجلت لدى العديد من المواطنين تعقيدات صحية بسبب التخمة وسوء الهضم واستهلاك كميات كبيرة من اللحوم، غير أنه وبسبب الوضع الحالي فإن أغلب الجزائريين تجنبوا التنقل إلى المستشفيات التي تعيش الضغط أصلا بسبب فيروس كورونا، وفضلوا قصد الصيدليات والعيادات الخاصة من أجل تلقي الإسعافات الأولية أو اقتناء أدوية لتسهيل الهضم وأدوية لتطهير الجروح وتضميدها. 

وعاشت الصيدليات المناوبة حالة من الطوارئ خلال أيام العيد، فالكل يقطع المسافات بحثا عن إحداها وقائمة الأدوية المطلوبة معروفة سلفا، من الأدوية المسكنة لآلام المعدة أو القولون، بينما يبحث البعض الآخر عن أدوية للإسهال وعن مسكنات لآلام المعي، حسب ما أشار العديد من الصيادلة المداومين لـ"الرائد"، والذين أكدوا بأن أغلب الزبائن تتمركز طلباتهم حول أدوية الجهاز الهضمي الذي يتأثر سلبا بسبب لحوم العيد، في حين شهد اليوم الأول إقبالا على أدوية الجروح من شاش ومحاليل معقمة، فالكثير من المواطنين أصيبوا بجروح بعضها خطيرة وعميقة استلزمت نقلهم إلى المستشفيات، وأخرى طفيفة لا تستلزم سوى بعض الشاش والأدوية المطهرة للجروح.

طوابير على القصابات لتقطيع الأضاحي

من جانب آخر، انتعشت العديد من المهن الموسمية يومي العيد، حيث انتعش نشاط تقطيع الأضاحي وهناك من فضل تقطيع أضحيته في اليوم الأول خوفا من فسادها بسبب ارتفاع درجات الحرارة، في حين انتظر آخرون صبيحة اليوم الثاني. وقد اختلفت أسعار تقطيع الأضاحي من جزار لآخر تبعا لحجم الأضحية. واقتربت الأسعار في بعض الأحياء من 2000 دج خاصة بعدما أغلق العديد من الجزارين محلاتهم في إطار تدابير الوقاية من الفيروس، ما شكل ضغطا رهيبا على العاملين منهم والذين تشكلت على مداخلهم طوابير طويلة للمواطنين. بالمقابل، فقد تحولت عميلة "تشواط البوزلوف" في عدد من البلديات لمهنة تدر أرباحا طائلة على عدد من العاطلين عن العمل، حيث شهدت عدد من البلديات نصب عشرات قارورات الغاز و"الشاليمو" وتوافد العديد من المواطنين على هذه الخدمة، بعدما بات "تشواط البوزلوف" عادة متبعة لأغلب العائلات.

من نفس القسم الحدث