الحدث

تدهور في النسيج العمراني تعيشها المدن الجزائرية

أفقدها خصوصيتها ولم يراع عامل الجودة في إنشائها بسبب استعجالية البرامج السكنية

    • بوداود: المدن الجديدة قضت على أزمة السكن لكن خلقت أزمة "تمدّن"

    • جمال شرفي: التخطيط للمدن الجديدة تم في مكاتب بالصين وكوريا!

 

فقدت المدن الجزائرية، خلال العشرين سنة الأخيرة، هويتها العمرانية، حيث تحولت إلى خليط غير متجانس يجمع بين الهندسة القديمة المهددة بالزوال، وبين تلك الجديدة التي لم تراع عامل الجودة والتنوع بسبب أزمة السكن، فيما أنتج البناء الذاتي حظيرة غير متكاملة، لتبقى هذه المدن التي استنسخت منها "مدن ذكية" بعيدة عن المقاييس العالمية.

وينتقد المختصون غياب سياسة تعميرية للمدن الجزائرية. فبسبب أزمة السكن، فإن المسؤولين عن هندسة المدن اكتفوا بعمليات إعادة إسكان غير مدروسة وعشوائية، أعادت استنساخ أحياء قصديرية في شكل عمارات وأبراج تفتقد للهوية العمرانية التي كانت تتميز بها المدن الجزائرية قديما، وتفتقد أيضا للبعد الجمالي وحتى البعد الاجتماعي. والملاحظ أن النسيج العمراني في كبريات المدن الجزائرية يزداد تدهورا يوما بعد يوم، وسط مظاهر للفوضى والعشوائية التي حولت أزقة وطرقات كبريات المدن إلى مفرغات للنفايات.

زد على ذلك، الفوضى المرورية بطرقات مهترئة، كما أن العديد من المباني القديمة بالعاصمة ووهران وعنابة وقسنطينة وباقي كبريات المدن باتت عرضة لانهيارات متتالية.

 

    • بوداود: المدن الجديدة قضت على أزمة السكن لكن خلقت أزمة "تمدّن"

 

وفي هذا الصدد، انتقد رئيس المجمع الجزائري لخبراء البناء والمهندسين المعماريين، عبد الحميد بوداود، المخططات العمرانية للمدن الجزائرية التي تبتعد عن الواقع وتعتمد على خبرة أجنبية لا تراعي الخصوصية الجزائرية في البناء، معتبرا في تصريح لـ"الرائد" أن مشاريع المدن الجديدة فشلت، وحتى تلك التي أخذت طابع المدن الذكية، لأن هذه المدن التي حملت معها توسعا عمرانيا مذهلا لم ترافقها دراسات استباقية تأخذ بعين الاعتبار الجانب الجمالي ولا احتياجات السكان من مرافق التسلية والمساحات الخضراء، لتكون النتيجة مراقد على شكل كتل إسمنتية منتشرة بشكل مفرط، ساهمت في القضاء على أزمة السكن، لكنها خلقت أزمة تمدن ونسيجا عمرانيا تغلب عليه العشوائية واللاتجانس، مشيرا أنه وباعتراف المسؤولين فإن الطابع الاستعجالي للمشاريع السكنية أغفل ضرورة إنجاز المرافق الخدماتية وحتى الأمنية، مع عدم مراعاة الجانب الجمالي، لتتحول العديد من المدن التي أنجزت مؤخرا كعلي منجلي في قسنطينة وسيدي عبد الله في العاصمة إلى نموذج سيئ للمدن الجديدة بالجزائر. وقال بوداود إنه في بعض الولايات فإن أزمة السكن أجبرت السلطات على بناء عشرات الآلاف من المباني في ظرف وجيز، ما جعل هذه الأخيرة تكتظ ببرامج سكنية تفوق قدرتها على الاستيعاب.

 

    • جمال شرفي: التخطيط للمدن الجديدة تم في مكاتب بالصين وكوريا!

 

من جهته، أشار رئيس المجلس العربي الأعلى للعمران وتطوير المدن، جمال شرفي، في تصريح لـ"الرائد"، أن أسباب تدهور النسيج العمراني للمدن في الجزائر راجع أساسا إلى أزمة السكن، مشيرا أن هذه الأزمة جعلت الشغل الشاغل للحكومة هو بناء الملايين من الوحدات السكنية دون مراعاة معايير المدن، مع الخلط في مفاهيم التمدن والتعمير.

فما حدث للجزائر هو تعمير وليس شيئا آخر، والتجارب التي يتفاخر بها المسؤولون من بينها المدينة الذكية لسيدي عبد الله هي تجارب فاشلة بكل المقاييس. وقال شرفي إن السلطات وبسبب الأزمة الخانقة للسكن باتت لا تبحث سوى عن أراض سهلة للتعمير وقريبة من المنشآت القاعدية، التي توفر الماء والغاز، وذلك من أجل ربح الوقت بالنظر للطابع الاستعجالي لهذه المشاريع، مشيرا أن النمو المتزايد للكثافة السكانية، جعل الأولوية للإسكان على حساب الهوية العمرانية وحتى تهيئة المحيط العمراني، وهو ما أدى إلى ظهور انعكاسات اجتماعية سلبية على المدن الجديدة وقاطنيها، ولم يغفل شرفي عاملا مهما في فقدان المدن الجزائرية لهويتها، وهو غياب التخطيط الممنهج وحجة انعدام المؤهلات جزائرية، ما يجعل التخطيط لمشاريع السكن وإنشاء المدن الجديدة يذهب لمكاتب دراسات أجنبية، والنتيجة هي مدن دون أبعاد سوسيولوجية وتاريخية وثقافية، كجوانب أسقطت من الدراسات التي أجريت في مكاتب في الصين وكوريا، رغم أنه لا يمكن وضع عمارة حديثة دون المحافظة على الهوية والخصوصية.

دنيا. ع

من نفس القسم الحدث