الحدث

الحراك الشعبي وعقدة التمثيل الحزبي

بعد قرابة نصف عام من انطلاقه

بعد مرور قرابة نصف عام عن انطلاق الحراك الشعبي في الجزائر، كان الجميع ينتظر بروز تنظيمات مدنية وأحزاب سياسية جديدة تكون نتاج التطورات والأحداث التي يعرفها الشارع لتكون بديلا عن تشكيلات ملّ الجزائريون من الاستماع لأسطواناتها المشروخة.

وعلى عكس ما حدث في عدة دول عرفت تغييرات سياسية شبيهة بما يجري اليوم في الجزائر، يظل إلى اليوم المشهد السياسي في الجزائري نفسه بالوجوه ذاتها، فما الأسباب التي تقف وراء هذا الواقع الاستثنائي.

 

    • فقدان الثقة

 

ربما يرجع السبب الرئيس لعدم ظهور تشكيلات سياسية من رحم الحراك إلى مخافة الجميع من تهمة "السياسي" التي صارت في البلاد بسبب ممارسات الأحزاب خاصة الموالية لنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة مرادفة للنفاق والفساد.

ولقد شكلت التعيينات التي عرفتها المجالس الوطنية والجمعيات العمومية للأحزاب التي كانت تتم بالهاتف وخارج الانتخاب الداخلي النزيه عاملا لنفور الجزائريين من الممارسة السياسية خاصة الشباب الذين يعتقدون أن تشكيل حزب سياسي مرادفا لتكوين عصابة أشرار لنهب المال العام والبزنسة السياسية.

وتظهر الانتخابات السابقة رغم الطعن من جميع الأطراف في صدقيتها العزوف البارز للجزائريين خاصة الشاب عن المشاركة في الفعل السياسي، جراء الممارسات التي قدمتها مختلف التشكيلات السياسية سواء على مستوى القيادة أو عل المستوى المحلي.

 

    • اختلاف الآراء

 

لكن فشل الحراك حتى اليوم لا يتوقف عند النفور من الممارسة السياسية داخل الأحزاب انما يتعلق أيضا بالتيارات الموجودة داخلها والتي يمكن تلخيصها في ثلاثة تيارات، أولاها أنصار التيار الباديسي الذين ينطلقون من أفكار رائد الإصلاح في الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وروادها الجمعية ذاتها ورجال الدين وبعض المنتسبين إلى الأحزاب الإسلامية.

ويعطي هذا التيار أهمية بالغة لأفكار بن باديس ويرى فيها قاعدة أساسية لبناء الجزائر الجديدة، في مقدمتها أن تتحول وزارة التربية إلى التربية والتعليم، حيث ترى أن من الأسباب التي تعيشها البلاد اليوم الانحدار الأخلاقي وتدني المستوى في المجال التعليمي.

ويلح مؤيدو هذه الايدولوجيا على التخلص من اللغة الفرنسية في المنهاج التعليمي الجزائري وجعل اللغة الإنجليزية اللغة الثانية في البلاد بدل لسان موليير مثلما هو الحال اليوم.

أما التيار الثاني فيتمثل في أنصار النوفمبرية والذين يؤكدون أن بناء الجزائر الجديدة لن يكون خارج بيان الثورة التحريرية أول نوفمبر 1954 التي أدت إلى الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي.

وحسب المدافعين عن هذا الاعتقاد، فإن أسباب مشاكل الجزائر هو حيادها عن خط نوفمبر والدوس عليه من قبل النظام بعد الاستقلال، رغم أن رموز السلطة كانوا يزعمون في كل مرة وفاءهم لرسالة الشهداء.

بالنسبة للمطالبين بالانتهال من بيان أول نوفمبر في رسم جزائر ما بعد حراك 22 فيفري الماضي، فإن هذا الاتجاه كفيل بتنظيف البلاد من رموز النظام الموالين لفرنسا الذين حرصوا طول السنوات الماضية على إبقائها تابعة لباريس.

ويرفض هؤلاء رفضا تاما مقترح المجلس التأسيسي، كونه يعتبرونه إجحافا في حق الدولة الجزائرية الحديثة التي جاءت بعد الثورة التحريرية، فرغم الانتقادات التي توجه لسلطة ما بعد الاستقلال إلا أنه لا يمكن إنكار ما قامت به جهود في مجال التعليم والصحة والبنية التحتية.

أما التيار الثالث فيتمثل في أنصار العلمانية الذين يقدمون مقترح المجلس التأسيسي كحل للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، رغم المخاطر التي يحملها هذا الحل كون تطبيقه جلب الفشل في معظم البلدان التي طبقته ومنها الجارة ليبيا.

ويلح هؤلاء على مخرج المجلس التأسيسي كونه سيسمح بمراجعة عميقة للدستور الجزائري، وبالأحرى كتابة دستور جديد يسمح بالتخلص -حسبهم – من المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الإسلام دين الدولة، وبه يصبح في الإمكان بمراجعة عدة قوانين في مقدمتها قانون الأحوال الشخصية الذي يسمح بتعدد الزوجات، ومختلف القوانين المتعلقة بالأسرة التي تبقى إلى اليوم تستند إلى ما جاء في الشريعة الإسلامية، والأهم أنه سيمنع استعمال الدين لتحقيق مصالح سياسية.

غير أن هذا التأخر في إيجاد كيان للدفاع عن أهداف الحراك والتعبير عن أرائه سيفتح المجال لعودة الأحزاب القديمة لسد هذا الفراغ، فقد أعلن الأربعاء الماضي كل من الأرندي والأفلان عن مبادرتيهما السياسيتين للخروج من الأزمة، وهو وضع قد يعيد الحال إلى سابقه خاصة في ظل تعنت الحراك في تقديم ممثلين عنه.

فريد موسى

من نفس القسم الحدث